رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 9 مارس، 2017 0 تعليق

الجهاد …تعريفه -أحكامه – ضوابطه – ضوابط جهـاد الطلب

فضائل الجهاد كثيرة جداً؛ فهو من أفضل القُربات، ومن أعظم الطاعات، وهو ذروة سنام الإسلام، وبابٌ عظيم من أبواب الشريعة الغراء، يقوم به ذوو الفضل والشرف والسُّؤدد في الدّين، دعوة ودفعاً؛ لما يترتّب عليه من مصالح عظيمة لأمة الإسلام، من نصر للمؤمنين، وإعلاء لكلمة الدين، وقمع للمنافقين والكافرين، وتسهيل لانتشار الدعوة الإسلامية بين العالمين، وإخراج للعباد من الظلمات إلى النور، ونشر محاسن الإسلام، وأحكامه العادلة بين الخلق أجمعين، وغير ذلك من المصالح الكثيرة والعواقب الحميدة للمسلمين، واليوم نكمل ما بدأناه في هذا الموضوع:

وجوب طاعة الإمام

الضابط الثامن من ضوابط جهاد الطلب، هو وجوب طاعة الإمام ، وأمراء الحرب والجهاد في غير معصية الله -تعالى- ورسوله صلى الله عليه وسلم .

دليله من القرآن الكريم

     قال الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}(النساء: 59)، قال ابن كثير: فهذه أوامر بطاعة العلماء والأمراء؛ ولهذا قال -تعالى-: { أطيعوا الله}، أي: اتبعوا كتابه {وأطيعوا الرسول}، أي: خُذوا بسنته {وأولي الأمر منكم}، أي: فيما أمروكم به من طاعة الله، لا في معصية الله؛ فإنَّه لا طاعة لمخلوق في معصية الله، كما تقدم في الحديث الصحيح:   «إنما الطاعةُ في المعروف».

     وقوله: {فإنْ تَنازعتم في شيءٍ فردُّوه إلى الله والرسول}، قال مجاهد وغير واحد من السلف: أي: إلى كتاب الله، وسُنَّة رسوله، وهذا أمرٌ من الله -عز وجل- بأنَّ كلَّ شيء تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه، أنْ يُرد التنازع في ذلك إلى الكتاب والسُّنة، كما قال -تعالى-: {وما اختلفتم فيه من شيءٍ فحكمه إلى الله}(الشورى: 10)، فما حَكَم به كتاب الله وسنة رسوله، وشَهِدا له بالصحة، فهو الحق، وماذا بعد الحق إلا الضلال؛ ولهذا قال -تعالى-: {إنْ كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} أي: ردُّوا الخُصومات والجهالات إلى كتاب الله وسنة رسوله؛ فتحاكموا إليهما فيما شجر بينكم {إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر}؛ فدلَّ على أنَّ مَن لم يَتَحاكم في مجال النزاع إلى الكتاب والسنة، ولا يرجع إليهما في ذلك؛ فليس مؤمناً بالله ولا باليوم الآخر. انتهى .

 دليله من السنة النبوية

 وعن ابن عُمَرَ -رضِي اللَّهُ عنهما- عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: «السَّمْعُ والطَّاعَةُ حَقٌّ، ما لَمْ يُؤْمَرْ بالمَعْصِيَةِ، فإِذا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ، فلا سَمْعَ ولا طاعَةَ». متفق عليه .

     وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ أَطَاعَنِي فقدْ أَطَاعَ اللَّهَ، ومَنْ عَصانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ ، ومَنْ يُطِعْ الْأَمِيرَ فقدْ أَطَاعَنِي، ومَنْ يَعْصِ الْأَمِيرَ فقدْ عَصَانِي ، وإِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ ، وَيُتَّقَى بِهِ ، فإِنْ أَمَرَ بتَقوى اللَّهِ وعَدَلَ ، فإِنَّ لهُ بِذلكَ أَجْرًا ، وإِنْ قال بغَيرِهِ ، فإِنَّ عليه مِنْه». متفق عليه .

     وعن عَلِيّ رضي الله عنه قال: «بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً، وأَمَّرَ عليهم رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ، وأَمَرَهُم أَنْ يُطيعُوهُ، فغَضِبَ عليهم، وقال: أَليسَ قَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُطِيعُونِي؟! قالوا: بلى! قال: قَدْ عَزَمْتُ عليكم لَمَا جَمَعْتُم حَطَبًا، وأَوْقَدْتُمْ ناراً ، ثُمَّ دَخَلتُم فيها، فَجَمَعُوا حَطَبًا فَأَوْقَدُوا نَارًا ، فلمَّا هَمُّوا بِالدُّخُولِ، فَقَامَ يَنظُرُ بعضُهُم إِلَى بعضٍ، قال بعضُهم: إِنَّمَا تَبِعْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِرَارًا مِنْ النَّارِ، أَفَنَدْخُلُها؟! فبينما هُمْ كذلك إِذْ خَمَدَتْ النَّارُ، وسَكَنَ غَضَبُه؛ فذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: «لَوْ دَخَلُوها، ما خَرَجُوا منها أَبَدًا، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ!». أخرجاه في الصحيحين.

 وصية الجيش بتقوى الله تعالى

أما الضابط التاسع فهو وصية الجيش بتقوى الله -تعالى- ومكارم الأخلاق، والحذر من الغدر والخيانة  والغُلول.

     فقد كثرت وصايا النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب المهم والخطير، والجهاد والحرب في السيرة النبوية جزءٌ مهم منها؛ وقد شارك رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكثرها وقادها بنفسه، وهي ما يُسمى بالغزوات؛ وقد تعرض الرسول صلى الله عليه وسلم إلى حملات تشويه من أعداء الإسلام قديماً وحديثا، واشتد هذا العداء والتشويه في عصرنا هذا، من خلال حملات إعلامية مضللة، ركز بعضها على حروب الرسول صلى الله عليه وسلم وغزواته، فزعموا - زُوراً وبهتانا - أنَّ الإسلام دينُ عنف وقتل وإرهاب! وأن رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم رجلٌ يحب الحرب وإراقة الدماء! وأن الإسلام إنما انتشر بحدّ السيف! وغيرها من المفتريات!

     وقد أهملت تلك الحملات المضللة عن عمد، جوانب الكمال والعدل والحكمة والرحمة والدعوة إلى الله -تعالى- ودينه، في شخصية وحياة وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم أثناء غزواته، وتجاهلت منهج الحرب وأخلاقيتها عند نبي الله صلى الله عليه وسلم المعصوم؛ فلم تتحدث عن جوانب الرحمة والإنسانية في حروبه مع أعدائه، ولم تذكر رغبته وميله إلى المصالحة والموادعة قبل الحرب، وتناست حسن معاملته للأسرى وحثه المسلمين لذلك.

والتاريخ يشهد أنه لم تعرف البشرية محاربا أرحم بأعدائه أثناء الحرب، وقبلها وبعدها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي أثنى عليه ربُّه فقال: {وإنّك لعلى خُلق عظيم}(القلم: 4).

     وباستقراء سيرته وهديه صلى الله عليه وسلم في المعارك الحربيّة المختلفة، سواء المعارك التي قادها بنفسه (الغزوات)، أم ما كان يُوصِي به صحابته وقادته في معاركهم الحربيّة (السرايا)، يتضِحُ لنا المنهج الأخلاقيّ الذي وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسار عليه في حياته الذي يؤكد سُمو منهجه وهديه، ليس في الحرب والقتال فقط، بل في الحياة كلّها، ويدحض افتراء المفترين، وشبهات المبطلين، وحقد الحاقدين.

مما صحَّ في ذلك

     ما جاء في الحديث: عن سُليمانَ بنِ بُرَيْدَةَ عن أَبيه قال : كان رسولُ اللَّهِ[ إِذا أَمَّرَ أَمِيراً على جَيشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ، أَوْصاهُ فِي خاصَّتِهِ بِتقْوَى اللَّهِ، ومَنْ معهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيرًا، ثُمَّ قال: «اغْزُوا باسْمِ اللَّهِ، فِي سبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا، ولا تَغْدِرُوا، ولا تَمْثُلُوا، ولا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، وإِذا لَقِيتَ عدُوَّكَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ؛ فَادْعُهم إِلى ثَلَاثِ خصالٍ أَو خِلَالٍ، فأَيَّتُهُنَّ ما أَجَابُوك؛ فَاقْبَلْ منهم، وكفَّ عنهم، ادْعُهُمْ إِلَى الإِسلامِ؛ فَإِنْ أَجابُوكَ فَاقْبَلْ منهم وكُفَّ عنهم، ثُمَّ ادْعُهُم إِلى التَّحَوُّلِ مِنْ دارِهِم إِلى دَارِ المُهاجِرِين، وأَخبِرهُم أَنَّهم إِنْ فَعَلُوا ذلك؛ فلهم ما للمُهاجِرِين، وعليهم ما على المُهَاجِرِين؛ فإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا منها؛ فأَخبِرْهُم أَنَّهم يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ المسلمينَ، يَجرِي عليهم حُكْمُ اللَّهِ الَّذي يَجرِي على المُؤْمنينَ، ولا يَكونُ لهم فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِين؛ فإنْ هم أَبَوْا؛ فَسَلهُم الجزْيَةَ فإِنْ هم أَجَابُوك، فاقْبَلْ منهم وكُفَّ عنهم؛ فَإِنْ هم أَبَوْا؛ فاسْتَعِنْ باللَّهِ وقاتِلهم». رواه مسلم والبخاري مختصراً وأحمد والأربعة .

     قال الحافظ النووي: وفي هذه الكلمات من الحديث فوائد مجمع عليها، وهي: تحريم الغَدر، وتحريم الغُلُول، وتحريم قتل الصبيان إذا لم يُقاتِلوا، وكراهة المُثْلة، واستحباب وصية الإمام أمراءه وجيوشه بتقوى الله -تعالى-، والرفق بأتباعهم، وتعريفهم ما يحتاجون في غزوهم، وما يجبُ عليهم، وما يحلّ لهم وما يحرم عليهم، وما يكره وما يستحب.

العدل والحكمة والرحمة

     فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعامل أعداءه إلا بالعدل والحكمة والرحمة، ولم يكن ينقض العهود، أو يغدر بالأعداء، بل كان يعامل كل فريق بمقتضى ما يربط بينهما من علاقات السلم والحرب، وقد لخّص الإمام ابن القيم مُجْمل هديه صلى الله عليه وسلم في ذلك في كتابه زاد المعاد (3/159)، فقال: «ثم كان الكفارُ معه بعدَ الأمر بالجهاد، ثلاثة أقسام: أهلُ صُلح وهُدنة، وأهلُ حرب، وأهل ذِمَّة، فأُمر بأنْ يُتم لأهل العهد والصلح عهدهم، وأنْ يُوفِي لهم به ما اسْتقاموا على العَهد، فإنْ خافَ منهم خيانةً، نبذَ إليهم عهدهم، ولم يُقاتلهم حتى يُعْلِمهم بنقضِ العهد، وأُمَرَ أنْ يقاتلَ مَن نقضَ عهده؛ ولما نزلتْ سُورة (براءة) نزلت ببيان حُكْم هذه الأقسام كلّها، فأَمره فيها أنْ يُقاتل عدوه من أهل الكتاب حتى يُعطوا الجزية، أو يَدخلوا في الإسلام، وأمره فيها بجهاد الكفار والمنافقين، والغِلظة عليهم، فجَاهد الكفار بالسّيف والسِّنان، والمنافقين بالحجة واللسان».

لا تمنوا لقاء العدو

     ومن وصاياه صلى الله عليه وسلم للجيش: ما جاء عن مُوسى بنِ عُقْبَةَ قال: حَدَّثَنِي سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ مَولَى عمَرَ بنِ عُبَيدِ اللَّهِ، كنتُ كاتِبًا له، قال: كَتَبَ إِليه عبدُ اللَّه بنُ أَبِي أَوْفَى حين خَرَجَ إِلى الحَرُورِيَّةِ، فقرَأْتُهُ فإِذا فيه: إِنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيها العَدُوَّ، انْتَظَرَ حتَّى مالَتْ الشَّمسُ، ثُمَّ قام في النَّاسِ فقال: «أَيُّهَا النَّاسُ، لا تَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدُوِّ، وسَلُوا اللَّهَ العافيةَ، فإِذا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا، واعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلالِ السُّيُوفِ، ثُمَّ قال: اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، ومُجْرِيَ السَّحَابِ، وهازِمَ الأَحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ وانْصُرْنَا عليهم» . متفق عليه .

     قوله: «لا تمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا»، قال ابن بطال: حكمة النهي: أنَّ المرء لا يعلم ما يؤول إليه الأمر، وهو نظير سؤال العافية من الفتن، وقد قال الصديق: «لأنْ أُعافى فأشكر، أحب إليَّ من أنْ أبتلى فأصْبر»، وقال غيره: إنما نهى عن تمني لقاء العدو؛ لما فيه من صورة الإعجاب، والاتكال على النفوس والوثوق بالقوة، وقلة الاهتمام بالعدو، وكلُّ ذلك يُباين الاحتياط والأخذ بالحزم .

قال الحافظ : وقيل : يُحمل النهي على ما إذا وقع الشك في المصلحة أو حصول الضرر، وإلا فالقتال فضيلة وطاعة. ويؤيد الأول تعقيب النهي بقوله : وسلوا الله العافية.

     وقال ابن دقيق العيد: لما كان لقاء الموت من أشقِّ الأشياء على النفس، وكانت الأمور الغائبة ليست كالأمور المحقَّقة، لم يُؤمن أنْ يكون عند الوقوع كما ينبغي؛ فيكره التمني لذلك. ولما فيه -لو وقع- من احتمال أن يخالف الإنسان ما وعد من نفسه، ثم أمر بالصبر عند وقوع الحقيقة. انتهى .

ولقاء العدو، يحتاج للصَّبر والمصابرة والثبات، وهو ما أَمر به هاهنا، وذكّر به الناس، وذكّرهم بعاقبته وهو دخول الجنة، وأنّ المجاهد لا يستغني عن دعاء الله -تعالى- والاستغاثة به، وطلب النصر منه.

النهي عن الغدر

     وعن ابن عباس رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيوشه قال: «اخْرجوا بسمِ الله، تقاتلون في سبيل الله مَنْ كفرَ بالله، لا تَغدروا، ولا تَغلوا، ولا تمثلوا، ولا تَقتلوا الولدان، ولا أصحابَ الصَّوامع». رواه أحمد، وعن عبد الله بن عمررضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم : «لكلِّ غَادرٍ لواء يوم القيامة، يُعرف به». رواه البخاري.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك