رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 12 مارس، 2017 0 تعليق

الجهاد …تعريفه -أحكامه – ضوابطه- ضوابط جهـاد الطلب من جهة الغنيمة والفيء


فضائل الجهاد كثيرة جداً؛ فهو من أفضل القُربات، ومن أعظم الطاعات، وهو ذروة سنام الإسلام، وبابٌ عظيم من أبواب الشريعة الغراء؛ يقوم به ذوو الفضل والشرف والسُّؤدد في الدّين، دعوة ودفعاً؛ لما يترتّب عليه من مصالح عظيمة لأمة الإسلام، من نصر للمؤمنين، وإعلاء لكلمة الدين، وقمع للمنافقين والكافرين، وتسهيل لانتشار الدعوة الإسلامية بين العالمين، وإخراج للعباد من الظلمات إلى النور، ونشر محاسن الإسلام، وأحكامه العادلة بين الخلق أجمعين، وغير ذلك من المصالح الكثيرة والعواقب الحميدة للمسلمين، واستكمالا لما بدأناه في الحلقات السابقة في الحديث عن ضوابط جهاد الطلب نقول: إن جهادِ الطَّلب مِنْ جهة الغنيمة والفيء فيه الضوابط الآتية:
الفرق بين الغنيمة والفيء
 
- الضابط الأول: الفرق بين الغنيمة والفيء: الغَنِيمَة: ما أَصابَ المُسلمُون عَنْوَة بِقتالٍ، وفيه الْخُمُس، وأرْبعة أَخْمَاسه لِمَنْ شَهِدَها. والفَيْء: ما صُولِحُوا عليه بغيرِ قتال ، وليس فيه خُمُس، إنما هو لِمَنْ سَمَّى اللَّه -تعالى- في محكم كتابه الكريم، وفي ذلك الآيات التالية:
1- قال تعالى: {واعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير} الأنفال: 41، قال الحافظ ابن كثير: «يُبين تعالى تفصيل ما شَرعه مُخصصاً لهذه الأمة الشريفة من بين سائر الأمم المتقدمة: بإحْلال الغنائم، والغنيمة: هي المالُ المأخوذ من الكفار بإيجاف الخيل والركاب، والفَيء: ما أُخذَ منهم بغير ذلك، كالأموال التي يُصالحون عليها، أو يتوفون عنها ولا وارثَ لهم، والجِزية والخراج ونحو ذلك.
 
وقوله {واعلموا أنما غنمتم من شيءٍ فأن لله خمسه}، توكيدٌ لتخميس كل قليلٍ وكثير، حتى الخَيط والمخْيط، قال اللّه تعالى: {ومنْ يَغلل يأتِ بما غلَّ يومَ القيامة} الآية.
 
     فقوله: {فأنَّ لله خُمسه وللرسول} اختلف المفسرون ههنا، فقال بعضهم: للّه نصيب من الخمس يجعل في الكعبة. وقال آخرون: ذكر اللّه ههنا استفتاحُ كلامٍ للتبرك، وسهمٌ لرسوله صلى الله عليه وسلم - ثم ذكر أنه قول أكثر أهل التفسير - أنَّ سهم الله -تعالى- ورسوله صلى الله عليه وسلم  واحد.
 
     قال الحافظ ابن كثير: ويؤيد هذا ما رواه الحافظ البيهقي بإسناد صحيح: عن عبد اللّه بن شقيق عن رجل قال: أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم  وهو بوادي القرى، وهو يَعرض فرساً، فقلت: يا رسول اللّه ما تقول في الغنيمة؟ فقال:  «للّه خُمُسها، وأربعة أخْماسها للجيش، قلت: فما أحدٌ أولى به منْ أحد؟ قال: «لا، ولا السَّهمُ تستخرجه مِن جيبك، ليس أنتَ أحقُّ به من أخيك المسلم».
 
     قال: ثم اختلف الناس في هذين السهمين بعد وفاة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ؛ فقال قائلون: سهم النبي صلى الله عليه وسلم  يُسلّم للخليفة من بعده، وقال آخرون: لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال آخرون: سهم القرابة لقرابة الخليفة، واجتمع رأيهم أن يجعلوا هذين السهمين في الخيل والعدة في سبيل اللّه، فكانا على ذلك في خلافة أبي بكر وعمر رضي اللّه عنهما. قال الأعمش عن إبراهيم: كان أبو بكر وعمر يجعلان سهم النبي صلى الله عليه وسلم  في الكراع والسلاح، فقلت لإبراهيم: ما كان عليّ يقول فيه؟ قال: كان أشدهم فيه، وهذا قول طائفة كثيرة من العلماء رحمهم اللّه، وأما سهم ذوي القربى فإنه يصرف إلى بني هاشم وبني المطلب؛ لأن بني المطلب وازروا بني هاشم في الجاهلية وفي أول الإسلام، ودخلوا معهم في الشِّعْب غضباً لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم  وحماية له، مسلمهم طاعة للّه ولرسوله، وكافرهم حمية للعشيرة، وأنفة وطاعة لأبي طالب عم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ؛ وأما بنو عبد شمس وبنو نوفل، وإن كانوا بني عمهم، فلم يوافقوا على ذلك، بل حاربوهم ونابذوهم، ومالؤوا بطون قريش على حرب الرسول.
 
     وقال جبير بن مطعم: مشيت أنا وعثمان بن عفان، إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم  أعطيت بني عبد المطلب من خمس خيبر؛ وتركتنا، ونحن وهم منك بمنزلة واحدة! فقال: «إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد». رواه البخاري في أبواب عدة. وفي بعض روايات هذا الحديث: «إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام»، وهذا قول جمهور العلماء: أنهم بنو هاشم وبنو المطلب. انتهى مختصراً.
 
2- وقال تعالى: {مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} الحشر: 7.
 
     قال ابن كثير: «الفيء كلُّ مالٍ أُخذَ من الكفار من غير قتال، ولا إيجافِ خيلٍ ولا ركاب، كأموال بني النضير هذه، فإنها مما لم يُوجف المسلمون عليه بخيلٍ ولا ركاب، أي: لم يقاتلوا الأعداء فيها بالمبارزة والمصَاولة، بل نزل أولئك من الرُّعب الذي أَلقى اللّه في قلوبهم، فأفاءه اللّه على رسوله، ولهذا تصرَّف فيه كما يشاء، فردَّه على المسلمين في وجوه البر والمصالح، التي ذكرها اللّه -عزّ وجلَّ- في هذه الآيات، فقال تعالى: {وما أفاء اللّه على رسوله منهم} أي: من بني النضير {فما أوجفتم عليه من خيلٍ ولا ركاب} يعني الإبل، {ولكنّ اللّه يُسلّط رسلَه على مَن يشاء واللّه على كل شيء قدير} أي: هو قديرٌ لا يغالب ولا يمانع، بل هو القاهر لكل شيء.
 
     ثم قال تعالى: {ما أفاء اللّه على رسوله من أهل القرى} أي: جميع البلدان التي تفتح هكذا، فحُكمها حكم بني النضير، ولهذا قال تعالى: {فللّه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل} إلى آخرها التي بعدها؛ فهذه مصارف أموال الفيء ووجوهه. روى الإمام أحمد: عن عمر رضي الله عنه قال: كانت أموال بني النضير مما أفاء اللّهُ على رسوله، مما لم يُوجف المسلمون عليه بخيلٍ ولا ركاب، فكانت لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم  خالصة، فكان يُنْفق على أهله منها نفقةَ سنته، وما بقي جعله في الكُرَاع والسَّلاح في سبيل اللّه عزّ وجلَّ.
 
وقوله تعالى: {كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم} أي: جعلنا هذه المصارف لمال الفيء؛ كيلا يبقى مأكلةً يتغلّب عليها الأغنياء، ويتصرّفون فيها بمحضّ الشهوات والآراء، ولا يَصْرفون منه شيئاً إلى الفقراء. انتهى.
 
3- وعن همَام بنِ مُنَبِّهٍ قال: هذا ما حدَّثنا أَبو هُريرةَ عن رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  فذَكرَ أَحَادِيثَ منها، وقال: قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «أَيُّمَا قريةٍ أَتَيْتُمُوهَا وأَقَمْتُم فيها، فَسَهْمُكُمْ فيها، وأَيُّمَا قريَةٍ عَصَتْ اللَّهَ ورسولَهُ، فإِنَّ خُمُسَها لِلَّهِ ولِرسُولهِ، ثُمَّ هيَ لَكُم». رواه مسلم في كتاب الجهاد والسير: باب حكم الفيء.
 
     قال القَاضِي عياض -رحمه الله-: «يحتمل أنْ يكون المراد بالأولى (الفيء) الذي لم يُوجفْ المسلمون عليه بخيلٍ ولا ركاب، بل جَلا عنه أهلُه أو صالحوا عليه، فيكون سهمهم فيها، أي: حقّهم من العطايا كما يُصرف الفيء، ويكون المراد بالثانية: ما أُخذ عُنوة، فيكون غنيمةً يخرج منه الخُمس، وباقيه للغانمين، وهو معنى قوله: «ثم هيَ لكم» أي: باقيها، وقد يحتج مَنْ لم يُوجب الخُمس في الفيء بهذا الحديث، وقد أوجب الشافعي الخمس في الفيء، كما أَوجبوه كلُّهم في الغنيمة، وقال جميع العلماء سواه: لا خمُس في الفَيء، قال ابن المنذر: لا نعلم أحداً قبل الشافعي قال بالخمس في الفيء. والله أعلم.
(شرح مسلم للنووي).
 
للراجل سَهْمٌ وللفارس ثلاثةُ أسْهم
 
- الضابط الثاني: للراجل سَهْمٌ وللفارس ثلاثةُ أسْهم، والراجل هو المجاهد الماشي على قدمية، والفارس مَن يقاتل على فرسه، فعن نافِعٍ عن ابنِ عُمَر- رضي اللَه عنهما- قال: «قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  يومَ خَيْبَرَ لِلفَرَسِ سَهْمَينِ، ولِلرَّاجِلِ سَهْمًا». متفق عليه.
قال: فَسَّرَهُ نافِعٌ فقال: «إِذَا كان مع الرَّجُلِ فَرَسٌ؛ فَلَهُ ثلاثةُ أَسْهمٍ، فإِنْ لَمْ يَكنْ له فَرَسٌ؛ فلَهُ سَهْمٌ».
 
     قوله: «جعل للفرس سهمين، ولصاحبه سهماً» أي: غير سهمي الفرس، فيصير للفارس ثلاثة أسهم، هكذا فسّره نافع. قال البغوي في شرح السنة: لفنائه في الحرب؛ إذْ مُؤنة فرسه إذا كان معلوفاً، تضاعف على مؤنة صاحبه، وفي الجهاد والسير من البخاري: قال مالك: يُسهم للخيل والبَراذين منها، لقوله: {والخيلَ والبغالَ والحمير لتركبوها} النحل: 8. ولا يُسهم لأكثر من فرس.
 
     قوله: لقوله تعالى: {والخيل والبغال والحمير لتركبوها} قال ابن بطال: وجه الاحتجاج بالآية؛ أنَّ الله تعالى امتنَّ بركوب الخيل، وقد أسهمَ لها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم . واسم الخيل: يقع على البِرذون والهجين، بخلاف البغال والحمير، وكأنَّ الآية استوعبتْ ما يرُكب من هذا الجنس لما يقتضيه الامتنان، فلما لم ينصّ على البرذون والهجين فيها، دلَّ على دخولها في الخيل.
 
والبَراذين: جمع بِرذون، بكسر الموحدة وسكون الراء وفتح المعجمة، والمراد: الجفاة الخِلْقة من الخيل، وأكثر ما تُجلب من بلاد الروم، ولها جَلَد على السير في الشِّعاب والجبال والوعر، بخلاف الخيل العربية.
 
والمراد بالهجين: ما يكون أحد أبويه عربياً، والآخر غير عربي.
 
التنفيل لأفراد من الجيش المتميزين
 
الضابط الثالث: التنفيل لأفراد من الجيش المتميزين: للإمام أو الأمير أنْ ينفَّل مِنْ غنائم العدو مَن شاء؛ لما فيه المصلحة، والاجتهاد في الجهاد.
 
قال أهل اللغة والفقهاء: الأنفال هي العطايا من الغنيمة، غير السهم المستحق بالقِسمة، واحدها «نفل» بفتح الفاء على المشهور، وحكي إسكانها.
 
1- يدل عليه: ما جاء عن ابن عُمَرَ رضيَ اللَّهُ عنهما: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ [ كان يُنَفِّلُ بعضَ مَنْ يَبْعَثُ مِنْ السَّرَايَا، لِأَنْفُسِهِم خَاصَّةً، سِوَى قِسْمِ عَامَّةِ الْجَيْشِ». متفق عليه.
 
     قال ابن دقيق: هذا هو التنفيل بالمعنى الثاني، الذي ذكرناه في معنى النفل، هو أنْ يعطي الإمام لسرية، أو لبعض أهل الجيش خارجاً عن السهمين، والحديث مُصرّح بأنه خارج عن قسم عامة الجيش، إلا أنه ليس مبيناً لكونه من رأس الغنيمة، أو من الخمس؛ فإن اللفظ محتمل لهما جميعا. (عمدة الأحكام).
 
2- وأيضا: حديث ابنِ عُمرَ رضيَ اللَّهُ عنهما قال: «بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم  سَرِيَّةً وأَنَا فيهم قِبَلَ نَجْدٍ، فَغَنِمُوا إِبِلًا كثِيرَةً، فكانتْ سُهْمَانُهُمْ اثْنَا عَشَرَ بَعِيرًا، أَوْ أَحَدَ عَشَرَ بَعِيرًا، ونُفِّلُوا بَعِيرًا بَعِيراً». رواه أبو داود.
فقوله: «فكانت سُهمانهم اثنا عشر بعيرا أو أحد عشر بعيرا» معناه: كان سهم كل واحدٍ من الجيش والسرية من الغنيمة كذلك.
 
قوله «ونفلوا بعيراً بعيرا» فيه: إثبات التنفيل زيادة على الأسهم، للترغيب في تحصيل مصالح القتال، وزيادة العمل، وهو مجمع عليه. ولم يكن صلى الله عليه وسلم  يُنفّل جميعَ مَنْ يبعثهم، إنما بحسب ما تقتضيه المصلحة.
 
     واختلفوا في محلّ النفل: هل هو من أصل الغنيمة، أو من أربعة أخماسها، أو من خمس الخمس؟ وهي ثلاثة أقوال للشافعي، وبكلٍ منها قال جماعة من العلماء، والأصح عندنا: أنه من خمس الخمس، وبه قال ابن المسيب ومالك وأبو حنيفة -رضي الله عنهم- وآخرون، وممن قال: إنه من أصل الغنيمة، الحسن البصري والأوزاعي وأحمد وأبو ثور وآخرون، وأجاز النخعي أن تنفل السرية جميع ما غنمت دون باقي الجيش؟! وهو خلاف ما قاله العلماء كافة، قال أصحابنا: ولو نفلهم الإمام من أموال بيت المال العتيد، دون الغنيمة جاز، والتنفيل إنما يكون لمن صنع جميلاً في الحرب انفرد به. (انظر فتح الباري وغيره).
 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك