رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 22 مارس، 2017 0 تعليق

الجهاد …تعريفه -أحكامه – ضوابطه- الغلول حرام

فضائل الجهاد كثيرة جداً، فهو من أفضل القُربات، ومن أعظم الطاعات، وهو ذروة سنام الإسلام، وبابٌ عظيم من أبواب الشريعة الغراء؛ يقوم به ذوو الفضل والشرف والسُّؤدد في الدّين، دعوة ودفعاً، لما يترتّب عليه من مصالح عظيمة لأمة الإسلام، من نصر للمؤمنين، وإعلاء لكلمة الدين، وقمع للمنافقين والكافرين، وتسهيل لانتشار الدعوة الإسلامية بين العالمين، وإخراج للعباد من الظلمات إلى النور، ونشر محاسن الإسلام، وأحكامه العادلة بين الخلق أجمعين، وغير ذلك من المصالح الكثيرة والعواقب الحميدة للمسلمين، واستكمالا لما بدأناه في الحلقات السابقة عنضوابط الجهاد نتكلم اليوم عن الضابط الرابع وهو: الغلول حرام.

والغلول: هو الأخذ من الغنيمة قبل القسمة، خيانة وسرقة. فمن غلّ شيئًا لا حقَّ له فيه دون المسلمين، جاء يحمله على ظهره يوم القيامة، ليحاسب عليه. وفد كثرت النصوص في التحذير منه.

1- قال تعالى: {ما كان لنبيٍ أنْ يَغلّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ القِيَامَةِ} آل عمران:161.

     قرأ ابن كثير وأهل البصرة وعاصم: «يَغُل «بفتح الياء وضم الغين، معناه: أنْ يخون الأُمة، وقيل: معناه ما كان يُظن به ذلك، ولا يليق به. وقرأ الآخرون بضم الياء وفتح الغين، وله وجهان أحدهما: أن يكون من الغلول أيضا أي: ما كان لنبيٍ أنْ يُخان، يعني: أنْ تخونه أمته. والوجه الآخر: أن يكون من الإغْلال، معناه: ما كان لنبي أن يخوّن، أي: ينسب إلى الخيانة.

2- وقال أبو هريرة رضي الله عنه: «قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم  ذات يوم فذكر الغُلول فعظَّمه وعظَّم أمره، ثم قال: «لا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُم يَجِيءُ يومَ القِيَامَةِ على رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ، فيقولُ: يا رسولَ اللَّهِ، أَغِثْنِي! فَأَقُولُ: لا أَمْلِكُ لك مِنَ اللَّهِ شيئًا قَدْ بَلَّغْتُكَ، لا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُم يَجِيءُ يومَ القِيَامَةِ على رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَها ثُغَاءٌ، فيقولُ: يا رسولَ اللَّهِ، أَغِثْنِي، فَأَقولُ: لا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ شَيئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ، لا أُلْفِيَنَّ أحَدَكُمْ يومَ القِيَامةِ على رَقَبَتِهِ فَرَسٌ له حَمْحَمَةٌ، فيَقولُ: أَغِثْنِي يا رسولَ اللَّهِ، فأقولُ: لا أَمْلِكُ لكَ مِنَ اللَّهِ شَيئاً، قَدْ أَبْلَغْتُكَ، لا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يومَ الْقِيَامَةِ على رَقَبَتِهِ نَفْسٌ لها صِيَاحٌ، فيقولُ: يا رسولَ اللَّهِ أَغِثْنِي، فأَقولُ: لا أَمْلِكُ لك مِنَ اللَّهِ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ، لا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ على رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ، فيقولُ: يا رسولَ اللَّهِ أَغِثْنِي، فَأَقولُ: لا أَمْلِكُ لك مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ، لا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُم يَجِيءُ يومَ الْقِيَامَةِ على رَقَبَتِهِ صَامِتٌ - أي ذهب أو فضة فَيَقُولُ: يا رسولَ اللَّهِ أَغِثْنِي، فأَقولُ: لا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ». رواه البخاري (2908)، ومسلم (1831) واللفظ له.

فقوله: «لا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أي: هي حالة شنيعة، ولا ينبغي لكم أن أراكم عليها يوم القيامة. فتح الباري لابن حجر (6/186).

ومعناه: لا تعملوا عملًا أجدكم بسببه على هذه الصفة، فهو تحذير شديد منه صلى الله عليه وسلم  لأمته.

     ثم عدَّد أنواع المال، وأخبر أنَّ غالَّها يحمل ما غلّ منها على رقبته يوم القيامة، ويؤاخذ به، نسأل الله تعالى السلامة. وعلى عظم قدر الجهاد في الشريعة، ورفعة منزلة المجاهدين عند الله تعالى، وأنه أفضل الأعمال عند الله تعالى، ومع ذلك فإنَّ مَن غلَّ شيئًا من المغانم، متوعَّدٌ بالفضيحة يوم القيامة، وبالعذاب في النار.

3- وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: «كان على ثَقَل النبي صلى الله عليه وسلم  -أي على متاعه- رجلٌ يقال له: كَرْكِرَة، فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هو في النَّار، فذَهبوا يَنظرون إليه، فوجَدوا عباءةً قد غلَّها». رواه البخاري (2909).

فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم  عن خادمه هذا، وعن عدد ممن غلوا في زمنه؛ أنهم يُعذَّبون في قبورهم بما غلَّت أيديهم، ولو كان ما غلوه قليلاً، كعباءة يلبسها أحدهم، أو كساءٍ يَكتسيه، أو شملة يتَّزرها، أو سيرًا يجعله في نعله؛ كما روت الأحاديث.

4 وعن أبي هريرة رضي الله عنه  قال: افتتحنا خَيبر ولم نغنم ذهباً ولا فضة، إنما غنمنا البقر والإبل والمتاع والحوائط، ثم انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم  إلى وادي القُرى، ومعه عبدٌ له يقال له: مِدْعَم، أهداه له أحد بني الِضباب، فبينما هو يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذْ جاءه سهم عائر حتى أصاب ذلك العبد، فقال الناس: هنيئاً له الشهادة؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «بلى والَّذي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَصَابَها يومَ خَيْبَرَ مِنَ الْمَغَانِمِ، لَمْ تُصِبْها المَقَاسِمُ؛ لَتَشْتَعِلُ عليه نَارًا«فجاء رجل حين سمِع ذلك من النبي  صلى الله عليه وسلم بشراك أو بشراكين، فقال: هذا شيء كنت أصبته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «شِراك أو شِراكان من نار». رواه البخاري (3993)، ومسلم (115).

والشِراك: سَير النعل على ظَهر القدم، فإذا كان الغال يُؤاخذ بسير النعل، الذي لا يساوي شيئًا، فكيف بما فوقه من المال والمتاع العظيم؟! فكيف بمن غلّ الأموال الثمينة، ويا ويل من استحلّوا أموال المسلمين العامة بمجرد وصولهم إليها، وائتمانهم عليها، ويْلهم ماذا سيحملون على رقابهم يوم القيامة؟! وما جوابهم لربهم حين يسألهم؟! إذا كان سبحانه قد عذّب أشخاصاً في قبورهم، في شملة وعباءة وسير نعل؟!

فما أعظم هذا الأمر وقد تساهل الناس به، وما أكثر الواقعين فيه، نسأل الله تعالى الهداية والنجاة لنا لهم ولجميع المسلمين والمسلمات.

5- وروى عبادة بن الصامت ]: أنّ رسول الله [ صلى بهم في غزوهم إلى بعير من المقسم، فلما سلَّم قام رسول الله [ فتناول وَبَرَة بين أنملتيه، فقال: «إِنَّ هذه مِنْ غَنَائِمِكُم، وإِنَّهُ ليسَ لِي فِيها إِلَّا نَصِيبِي معكُم، إِلَّا الخُمُسَ، والخُمُسُ مَرْدُودٌ علَيكُم، فَأَدُّوا الْخَيْطَ وَالْمِخْيَطَ، وأَكبَرَ مِنْ ذلك وأَصغَرَ، ولا تَغُلُّوا، فَإِنَّ الْغُلُولَ نَارٌ وعَارٌ على أَصْحَابِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ». رواه أحمد (5/316-326).

6- وعن زيد بن خالد الجهني ] يحدّث: أن رجلاً من المسلمين توفي بخيبر، وأنه ذُكِر لرسول الله [، فقال: «صلُّوا على صاحبكم»، قال: فتغيّرت وجوهُ القوم لذلك، فلما رأى الذي بهم، قال: «إنَّ صاحبَكم غَلَّ في سبيل الله، ففتشنا متاعه؛ فوجدنا فيه خرزًا من خرز اليهود، ما يساوي درهمين». رواه مالك (2/458) وأحمد، وأبو داود (2710)، والنسائي (4/64)، وابن ماجة (2848)، وصحّحه ابن حبان (4853).

فالنبي [ لم يصلّ على صاحب الغلول، فدلّ على أنها كبيرة من الكبائر، مع أنه ما غلَّ إلا شيئاً يسيرًا لا يكاد يذكر!

7- وعن عدي بن عميرة الكندي: قال سمعت رسول الله [ يقول: «مَنْ استعملناه منكم على عملٍ، فكتمنا مخيطًا فما فوقه، كان غلولاً يأتي به يوم القيامة»، قال: فقام إليه رجل أسود من الأنصار -كأني أنظر إليه فقال: «يا رسول الله اقبل عني عملك»، قال: «ومالك؟» قال: «سمعتُك تقول كذا وكذا»، قال [: «وأنا أقوله الآن، مَنْ اسْتعملناه منكم على عملٍ؛ فليَجيء بقليله وكثيره، فما أوتي منه أخذ، وما نهى عنه انتهى». صحيح مسلم.

تنبيه:

ليس من الغلول الأكل من الطعام الذي يكون في الغنيمة قبل قسمتها، أو أخذ ما يستصلح به أمر الدواب من علف ونحوه، دون إذن الإمام.

1- ويدل عليه ما جاء: عن عبدِ اللَّهِ بنِ مُغَفَّلٍ قال: «أَصَبْتُ جِرَابًا مِنْ شَحْمٍ يومَ خَيْبَرَ قال: فَالتَزَمْتُهُ، فَقلتُ: لَا أُعْطِي اليَومَ أَحَدًا مِنْ هَذَا شَيْئًا! قال: فَالْتَفَتُّ فإِذَا رسولُ اللَّهِ [ مُتَبَسِّمًا». متفق عليه.

قوله: «لا أُعطي أحداً من هذا شيئا» قال الطِّيبي: في قوله: «اليوم» إشعارٌ بأنه كان مضطراً إليه، وبلغ الاضطرار إلى أنْ يستأثر نفسه على الغير، ولم يكن ممن قيل فيه (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) ومن ثَم تبسم رسول الله [.

قوله «فالتفت» أي: فنظرت إلى أحد جوانبي. «فإذا رسول الله [ يتبسم إلي» وهو إقرار منه له على أخذه للشحم. قال ابن الملك: فيه جواز أخذ المجاهدين من طعام الغنيمة، قدر ما يحتاج إليه اهـ. وتقدم أنّ الانتفاع بالأدهان في البدن، له حُكم أكل الطعام، وقد يحتاج أيضا إلى الشحم للسراج ونحوه.

قال النووي: فيه إباحة أكل الطعام في دار الحرب. قال القاضي عياض: أجمع العلماء على جواز أكل طعام الحربيين ما دام المسلمون في دار الحرب، على قدر حاجتهم، ولم يشترط أحد من العلماء استئذان الإمام إلا الزهري، وجمهورهم على أنه لا يجوز أنْ يخرج معه منه شيئا إلى عمارة دار الإسلام، فإنْ أخرجه لزمه ردّه إلى المغنم، ولا يجوز بيع شيء منه في دار الحرب، ويجوز أنْ يركب دوابهم، ويلبس ثيابهم، ويستعمل سلاحهم في حال الحرب بغير الاستئذان، وشرطه الأوزاعي.

وفيه دليل: على جواز أكل شحوم ذبائح اليهود، وإنْ كانت محرمة عليهموذكر حديث أبي هريرة ] «ما أعطيكم» أي: ولا أمنعكم أنا قاسم أضع حيث أمرت. (في باب «رزق الولاة»): يعني فلتكراره أسقطه هنا.

2- وعن ابنِ عُمَرَ رضيَ اللَّهُ عنهما قال: «كُنَّا نُصِيبُ فِي مَغَازِينَا: العَسَلَ والعِنَبَ، فَنَأْكُلُهُ ولَا نَرْفَعُهُ». رواه البخاري.

قوله: «كنا نصيب في مغازينا «والمعنى: نلقى فيها «العسل والعنب». قوله «فنأكله ولا نرفعه» أي: إلى رسول الله [ لأجل القِسمة.

قال الطيبي: يحتمل أنْ يريد: أنَّا لا نرفعه إلى رسول الله [ ونستأذنه في أكله، لما سبق منه من الإذن، وأن يريد: ولا ندخره.

وقال ابن الهمام عند قول صاحب الهداية: «ولا بأس بأنْ يعلف العسكر في دار الحرب، ويأكلوا ما وجدوه من الطعام» حاصل ما هنا؛ أن الموجود إما ما يؤكل أو لا؟ وما يؤكل إما يتداوى به كالهليلج، أو لا؟

فالثاني وهو ما لا يؤكل -: ليس لهم استعماله، إلا ما كان من السلاح والكرع، كالفرس، فيحوز بشرط الحاجة، بأنْ مات فرسه، أو انكسر سيفه، أما إنْ أراد أنْ يُوفّر سيفه وفرسه باستعماله ذلك، لا يجوز، ولو فعل أثم، ولا ضمان عليه لو أتلف نحو الحطب، بخلاف الخشب المنحوت؛ لأنّ الاستحقاق على الشركة، فلا يختص بعضهم ببعض المستحق على وجهٍ يكون أثر الملك، فضلاً عن الاستحقاق، بخلاف حالة الضرورة، فإنها سبب الرخصة فيستعمله، نعم يرده إلى الغنيمة إذا انقضى الحرب. وكذا الثوب إذا ضرَّه البرد يستعمله، ثم يرده إذا اسْتغنى عنه، ولو تلف قبل الرد لا ضمانَ عليه، ولو احتاج الكل إلى الثياب والسلاح قسمها حينئذ، بخلاف السَّبي، فإنه لا يُقسم إذا احتيج إليه؛ لأنه من فضول الحوائج لا أصولها.

وأما ما يتداوى به، فليس لأحدٍ تناوله، وكذا الطّيب والأدهان التي لا تؤكل، كدهن البنفسج; لأنه ليس في محل الحاجة إلى الفضول، وقال عليه الصلاة والسلام: «ردوا الخيط والمخيط» ولا شك أنّه لو تحقق بأحدهم مرضٌ، يَحوجه إلى استعمالها، كان له ذلك كلبس الثوب، فالمعتبر حقيقة الحاجة، وأما ما يؤكل لا للتداوي سواء كان مهيئا للإبل، كاللحم المطبوخ والخبز والزيت والعسل والسكر والفاكهة اليابسة والرطبة، والبصل والشعير والتبن والأدهان المأكولة كالزيت، فلهم الأكل والادهان بتلك الأدهان؛ لأن الادهان انتفاع في البدن كالأكل، وكذا ترقيح الدابة وهو تصليب حافرها بالدهن، وكذا كل ما لا يكون مهيئا كالغنم والبقر، فلهم ذبحها وأكلها، ويردون الجلد إلى الغنيمة، ثم شرط في السير الصغير الحاجة إلى التناول من ذلك، وهو القياس، ولم يشترطها في السير الكبير وهو الاستحسان، وبه قالت الأئمة الثلاثة، فيجوز لكلٍّ من الغني والفقير تناوله، إلا لتاجر، والراجل والجندي بأجر لا يحلُّ لهم، ولو فعلوا لا ضمانَ عليهم، ويأخذ ما يكفيهم هو ومن معه، من عبيده ونسائه وصبيانه الذين دخلوا معه.

قال ابن الهمام: وروى البيهقي بإسناده: عن ابن عمر قال: قال رسول الله [ يوم خيبر: «كُلُوا واعْلفوا، ولا تَحملوا». (وفي سنده ضعف).

وأخرج البيهقي - في سننه (9/61) وفي المعرفة (13/189) -: من حديث هانئ بن كلثوم: أنَّ صاحبَ جيش الشام كَتبَ إلى عمر: إنا فتحنا أرضاً كثيرةَ الطعام والعلف، فكرهت أنْ أتقدَّم لشيءٍ من ذلك إلا بأمرك، فكتبَ إليه: أنْ دعِ الناسَ يأكلون ويعلفون، فمن باع شيئا بذهب أو فضة، ففيه خُمسٌ الله، وسهام المسلمين.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك