رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 2 أبريل، 2017 0 تعليق

الجهاد …تعريفه -أحكامه – ضوابطه- أحكام السلب

فضائل الجهاد كثيرة جداً؛ فهو من أفضل القُربات، ومن أعظم الطاعات، وهو ذروة سنام الإسلام، وبابٌ عظيم من أبواب الشريعة الغراء، يقوم به ذوو الفضل والشرف والسُّؤدد في الدّين، دعوة ودفعاً؛ لما يترتّب عليه من مصالح عظيمة لأمة الإسلام، من نصر للمؤمنين، وإعلاء لكلمة الدين، وقمع للمنافقين والكافرين، وتسهيل لانتشار الدعوة الإسلامية بين العالمين، وإخراج للعباد من الظلمات إلى النور، ونشر محاسن الإسلام، وأحكامه العادلة بين الخلق أجمعين، وغير ذلك من المصالح الكثيرة والعواقب الحميدة للمسلمين، واستكمالا لما بدأناه في الحلقات السابقة نختم حديثنا في هذه المسألة المهمة بالضابط الخامس وهو أحكام السلب.

لا يُخَمَّس السَّلَب  وهو لمنْ أَتى

     به إذا جاءَ ببينة

السلب: بوزن: فَعَل ، بمعنى مفعول، أي: مسلوب، وهو: ما يأخذه أحدُ القِرْنين في الحرب من قِرْنه ، مما يكون عليه من سِلاحٍ وثياب ودابة وغيرها. (النهاية).

     فالمجاهد إذا قتل مشركا في الجهاد، فإنه يستحق سلب القتيل، أي: ما معه من سلاح ومتاع ، فعن أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه قال : خَرَجْنَا مَعَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ حُنَيْنٍ؛ فَلَمَّا التَقَيْنَا كانتْ لِلمُسلمِينَ جَوْلَةٌ، فَرَأَيتُ رَجُلًا مِنْ المُشْرِكِينَ عَلَا رَجُلًا مِنْ المُسْلِمِينَ، فَاسْتَدَرْتُ حتَّى أَتَيْتُهُ مِنْ وَرَائِهِ حَتَّى ضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ، فَأَقْبَلَ عليَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً، وَجَدْتُ منها رِيحَ المَوتِ، ثُمَّ أَدْرَكَهُ الموتُ فَأَرْسَلَنِي، فلَحِقْتُ عمرَ بنَ الْخَطَّابِ فقلت: ما بَالُ النَّاسِ؟ قال : أَمْرُ اللَّهِ ! ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ رَجَعُوا وجَلَسَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً له عليه بَيِّنَةٌ، فَلَهُ سَلَبُهُ»، فَقُمْتُ فقلتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي، ثُمَّ جَلَسْتُ، ثُمَّ قال: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عليه بَيِّنَةٌ، فَلَهُ سَلَبُهُ» فَقُمْتُ فقلتُ: مَنْ يَشهدُ لِي؟ ثُمَّ جلستُ، ثُمَّ قال الثَّالثةَ مِثْلَهُ، فَقُمْتُ فقال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : «ما لك يا أَبا قَتَادَةَ؟»، فاقْتَصَصْتُ عليه القِصَّةَ! فقال رجلٌ: صَدَقَ يا رسولَ اللَّهِ، وسَلَبُهُ عِنْدِي، فَأَرْضِهِ عَنِّي! فقال أَبُو بَكرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه : لَاهَا اللَّهِ! إِذاً لا يَعْمِدُ إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ، يُقَاتِلُ عن اللَّهِ ورسولهِ صلى الله عليه وسلم ، يُعْطِيكَ سَلَبَهُ! فقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : «صَدَق» فَأَعْطَاهُ، فَبِعْتُ الدِّرْعَ، فَابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفًا فِي بنِي سَلِمَةَ، فَإِنَّهُ لَأَوَّلُ مالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الْإِسْلَامِ، فهذا الحديث: دليل على أنّ السلب للقاتل؛ ولأنه أضافه إليه فقال: «يُعطيك سَلبه».

مذهب الجمهور

     وهو مذهب الجمهور : أنَّ القاتل يستحق السلب، سواء قال أمير الجيش قبل ذلك: مَنْ قتل قتيلا فله سلبه أم لا، واستدلوا على ذلك بحديث أبي قتادة هذا، وهو الظاهر.  وقال بعض أهل العلم: للإمام أنْ يخرج من السلب الخمس! روي عن مالك أنه يخير الإمام بين أنْ يعطي القاتل السلب أو يخمّسه! وقال الثوري: النفل أن يقول الإمام : من أصاب شيئا فهو له، ومن قتل قتيلا فله سلبه. وقال إسحاق: السلب للقاتل، إلا أنْ يكون شيئا كثيرا فرأى الإمام أن يخرج منه الخمس كما فعل عمر بن الخطاب . واحتج القائلون بتخميس السلب بعموم قوله -تعالى-: {واعلموا أنَّما غَنَمتم من شيءٍ فأن لله خمسه} الآية، فإنه لم يستثن شيئا ! والصحيح الأول؛ لأن الحديث خاص والآية عامة .

قوله: «قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: لاها الله» لاها بالألف، وأنكر الخطابي هذا وأهل العربية وقالوا: هو تغيير من الرواة، وصوابه: لاها الله ذا، بغير ألف في أوله، وقالوا: و «ها» بمعنى الواو التي يقسم بها؛ فكأنه قال: لا والله ذا.  

وقوله: «لا يعمد» فضبطوه بالياء والنون، وكذا قوله بعده: «فيعطيك» بالياء والنون، وكلاهما ظاهر.  قوله: «يقاتل عن الله ورسوله» أي: يقاتل في سبيل الله، نصرةً لدين الله -تعالى- وشريعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولتكون كلمة الله هي العليا.

وفي إفتاء أَبي بَكرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ، واستدلاله لذلك، وتصديق النبي صلى الله عليه وسلم له، منقبة جليلة لأبي بكر الصدّيق رضي الله عنه . وفيه منقبة أيضاً: لأبي قتادة رضي الله عنه ، فإنه سمّاه أسداً من أسد الله -تعالى- يقاتل عن الله ورسوله، وصدّقه النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذه منقبة ظاهرة من مناقبه .

     قوله: «فابتعتُ به مخرفا في بني سلمة»، أما بنو سلمة فبكسر اللام، وأما «المخرف» فبفتح الميم والراء وهذا هو المشهور، والمراد بالمخرف هنا: البستان، وقيل: السكة من النخل تكون صفين، يخرف من أيها شاء، أي: يجتني، وقال ابن وهب: هي الجنينة الصغيرة، وقال غيره: هي نخلات يسيرة .   قوله: «فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام»، هو بالثاء المثلثة بعد الألف، أي: اقتنيته وتأصّلته، وأثلة الشيء أصله.

- ختامًا: فهذه مجمل الضوابط في الجهاد في الكتاب العزيز، والسنة النبوية ، وأقوال سلف الأمة وعلمائها، قد عرضتها في هذه العُجالة، راجياً الله -تعالى- أنْ أكون قد أسهمت في بيان الحق في مسائل الجهاد، التي كثر تشغيب المشاغبين فيها، واعتراض المعترضين على أهل السنة والجماعة ومنهاجهم المبارك فيه، وعلمهم النافع، وعملهم الصالح في الأرض، المقبول عند رب العالمين.

ونسأله -تعالى- أنْ يُعز الإسلام والمسلمين، ويعلي كلمة الحق والدّين، ويذل الشرك والمشركين، والكفر والكافرين ، والنفاق والمنافقين، إنه هو العزيز الحكيم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك