رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 15 أغسطس، 2011 0 تعليق

التوجيهات القرآنية والنبوية الطبية للصائمين والصائمات

 


الحمد لله الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، وأشهد أن لا إله إلا الله ذو الفواضل والنعم، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث بأحسن الهدي، وأقوم السنن، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ذوي النجابة والهمم. وبعد: فشهر رمضان، شهر الرحمة والمغفرة، والعفو والعتق من النار، والفضائل العظيمة، والتربية الإيمانية، والكرم الإلهي الواسع.

ومع امتلاء هذا الشهر المبارك بالفوائد الروحية والإيمانية ، والنفسية والاجتماعية، فإنه أيضا يمتلئ بالفوائد الجسدية والصحية, ولنا معها هذه الوقفات المهمة، والوصايا النافعة، التي وصى الله بها عباده، وأرشد إليها نبيه الأمين[، لا بد أن تعيرها - أخي الصائم وأختي الصائمة - شيئا من الانتباه، ليكون لنا شهر رمضان أيضا: شهر الصحة والعافية، والنشاط والقوة، والعطاء المتواصل ، وتتحقق الفائدة المرجوة منه.

 وهذه هي تلك الوصايا العظيمة:

1 - {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} (الأعراف: 31).

        هي آية في كتاب الله تعالى، جمعت علم الغذاء كله في ثلاث كلمات، فأمر بالأكل والشرب مما ينفع البدن والقلب ويبقيه، وتركه بالكلية مما يؤدي بالنفس إلى الضرر أو  الهلاك، ونهى عن الإسراف في ذلك، وهو إما بمجاوزة الشبع وحصول التخمة، الذي يضر بالبدن والقلب والروح، وإما بتناول ما حرّم الله تعالى من المطعومات أو المشروبات.

        فإذا جاء شهر رمضان، وعمل الصائم بهذه الآية، وتجنب الإفراط في الأطعمة، ولاسيما الأطعمة ذات الدهون، والأطعمة الثقيلة والحلويات، استطاع إتمام الصيام والقيام والصلاة، وقراءة القرآن، بخفة وسهولة ويسر، ثم إنه يخرج في نهاية شهر رمضان، وقد نقص وزنه، وخف بدنه، وانخفضت عنه الدهون الضارة، فيكون في غاية الصحة والعافية والسعادة، ويجد في رمضان وقاية لقلبه، وارتياحا في جسده، وانشراحا في روحه.

والمعلوم أن الحلويات واللحوم تتحول في الجسم إلى دهون، وزيادة في الوزن، وعبء على القلب.

وقد اعتاد الكثير منا على حشو بطنه بأصناف الطعام، ثم يطفئ لهيب المعدة بأنواع العصير، أو بالمياه الغازية أو المثلجات.

ومع هذا فقد أكد الباحثون: أنه على الرغم من عدم التزام الكثير من المسلمين - للأسف الشديد - بقواعد الإسلام الصحية في غذاء رمضان، ورغم إسرافهم في تناول الأطباق الرمضانية الدسمة، والحلويات  المتنوعة، فإن صيام رمضان يحقق نقصا في وزن الصائمين بمقدار 2-3 كيلوجرامات على الأقل.

2 - «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر»:

هو حديث لرسول الله[ متفق عليه، وهي سنة نبوية ثابتة، ولا تخلو من الفائدة للأبدان ، ففي التعجيل بالإفطار آثار صحية ونفسية مهمة.

      فالصائم في نهاية اليوم يكون في ذلك الوقت  بحاجة ماسة إلى ما يعوّضه عمّا فقد من ماء وغذاء أثناء النهار، والتأخير في الإفطار يزيد من انخفاض سكر الدم عنده؛ مما يؤدي إلى زيادة الشعور بالهبوط والإعياء العام، كما أن في تعجيل الفطر فرحا للنفس، كما ثبت في الحديث: «للصائم فرحتان : فرحة عند فطره..» رواه البخاري وغيره.

وفي ترك التعجيل تعذيب للنفس لا طائل منه، ولا ترضاه الشريعة السمحة.

        بل قد كره الرسول[ «الوصال» في الصيام ونهى عنه، كما هو ثابت عنه، فعن أبي هريرة أن النبي[ قال: «إياكم والوصال» - قالها ثلاث مرات - قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله؟ قال: «إنكم لستم في ذلك مثلي، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني، فاكلفوا من الأعمال ما تطيقون» رواه البخاري ومسلم.

وقد حمل الفقهاء النهي على الكراهة .

3- «إذا أفطر أحدُكم فليُفطر على تَمر»:

وهذا حديث آخر لرسول الله[ الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، رواه أصحاب السنن الأربعة.

       وعن أنس - رضي الله عنه: أن النبي[ كان يُفطرُ قبل أن يُصلي على رُطَبات، فإن لم تكن رُطبات فتمرات، فإن لم تكن تمرات حَسا حسوات ِمن الماء. رواه الترمذي وأبو داود.

        فالصائم عند الإفطار بحاجة إلى الماء ليدفع به العطش والجفاف، كما أنه بحاجة إلى غذاء سريع تعود به إليه قواه الجسدية والعقلية، وأسرع شيء تعود به الطاقة للجسم هو السكر الجاهز للاحتراق.

        والإفطار على التمر والماء يحقق الهدفين معا، وهما: دفع الجوع والعطش، واستعادة الطاقة؛ إذ تستطيع المعدة والأمعاء الخالية امتصاص المواد السكرية مع الماء بسرعة كبيرة .

        كما أن الإفطار على الرطب والتمر مما يقي الصائم الإمساك؛ لاحتوائهما على كمية من الألياف التي تحرك الأمعاء، وتعطي الإنسان شعورا بالامتلاء، فلا يكثر الصائم بعده ذلك من تناول مختلف أنواع الطعام.

4- أفطر على مرحلتين :

فقد كان رسول الله[ يعجل فطره على رطبات أو تمرات أو ماء، ثم يقوم إلى صلاة المغرب ولا يؤخرها، ويقدمها على إكمال طعام إفطاره.

       وفي ذلك حكمة نبوية رائعة، وفائدة بدنية للصائم، بالإضافة لتعجيل صلاة المغرب؛ إذ تناول شيء من التمر والماء، ينبه المعدة تنبيها خفيفا، وخلال فترة الصلاة تقوم المعدة بامتصاص المادة السكرية والماء، ويزول الشعور بالعطش والجوع، وتعود للإنسان قواه ، ثم يعود الصائم بعد الصلاة إلى إكمال إفطاره، وقد زال عنه الشعور بالجوع الشديد والعطش.

       ومن المعروف أن تناول كميات كبيرة من الطعام دفعة واحدة وبسرعة، قد يؤدي إلى حدوث تلبك معوي، وعسر هضم ، وانتفاخ في المعدة .

-5- «فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه»:

وهو من الوصايا النبوية النافعة في هذا الباب : 

       فروى الترمذي في جامعه: عَنْ المِقْدَام بْنِ مَعْدِيكَرِبَ - رضي الله عنه - قَال : سمعتُ رسول اللَّه[ يَقُولُ: «ما ملأ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِن بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لا مَحَالَةَ: فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ».

ورواه ابن ماجة والإمام أحمد في مسنده.

 فقد أشار النبي[ في هذا الحديث المعجز إلى حقائق عدة:

فأولا: شبه النبي[ المعدة والبطن بالوعاء، وهي كذلك. 

ثانيا: أخبر أن ملء هذا الوعاء بكثرة الأكل، شرٌ على الإنسان .

ثالثا: نصح بالاكتفاء من الطعام على قدر الاحتياج، وهو ما يأمر به الأطباء.

رابعا:  قسم النبي[ حجم المعدة إلى ثلاثة أقسام، وأخبر أن أكبر كمية من الطعام والشراب يمكن أن يتناولها المرء عند الحاجة الملحّة، هي مقدار ما يملأ ثلثي حجم المعدة.

خامسا: أن ترك ثلث حجم المعدة خاليًا من الطعام والشراب، ضروري لنَفَس الإنسان.

وأيضا فترك الامتلاء بالطعام والشراب، مما يُمكّن المعدة من عملية الهضم.

 فالحمد لله القائل: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم}.

والحمد لله على ما علمنا بإذنه ما ينفعنا في ديننا ودنيانا.

قال الإمام ابن القيم: «ومراتب الغذاء ثلاثة:

 أحدها: مرتبة الحاجة .

الثانية: مرتبة الكفاية .

والثالثة: مرتبة الفضلة.

        فأخبر النبي[ أنه يكفيه لقيمات يقمن صلبه، فلا تسقط قوته ولا تضعف معها؛ فإن تجاوزها: فليأكل في ثلث بطنه، ويدع الثلث الآخر للماء، والثالث للنفس.

        وهذا من أنفع ما للبدن والقلب؛ فإن البطن إذا امتلأ من الطعام، ضاق عن الشراب، فإذا أورد عليه الشراب ضاق عن النفس، وعرض له الكرب والتعب، وصار محمله بمنزلة حامل الحمل الثقيل.

 هذا إلى ما يلزم ذلك من فساد القلب، وَكَلِّ الجوارح عن الطاعات، وتحركها في الشهوات التي يستلزمها الشبع» انتهى.

 6-اختر لنفسك غذاء صحيا متكاملا:

       احرص على أن يكون غذاؤك متنوعا وشاملا لكافة العناصر الغذائية والفيتامينات، واجعل في طعام إفطارك مقدارا وافرا من الخضراوات الورقية وغيرها (السلطة)  فهي غنية بالفيتامينات الهامة، وبالألياف المفيدة للأمعاء والهضم، كما تعطيك إحساسا بالامتلاء والشبع، فتأكل كمية أقل من باقي الطعام الدسم.

ويمكن اختيار الأطعمة من مجموعات الطعام الخمس التالية:

 1-الخبز، والحبوب ومنتجات الحبوب (كمصدر غنيّ بالكربوهيدرات والطاقة).

2- الفاكهة والخضار (مصدر غنيّ بالفيتامينات والمعادن والألياف).

3- اللحم، والسمك، والدواجن (كمصدر للبروتينات والفسفور والأحماض الدهنية الأساسية).

4- الألبان والأجبان (كمصدر للبروتينات والكالسيوم).

5- الدهون والحلويات (وهذه الأطعمة قليلة القيمة الغذائية، وعالية في السعرات الحرارية؛ لذا يجب تناولها بكميات محدودة).

 وينبغي تجنب التوابل الحارة، والبهارات، والمخللات، قدر الإمكان .

كما يستحسن تجنب المقالي، فقد تسبب عسر الهضم، وتلبك الأمعاء.

وينصح صحيا بالمسلوق والمشوي.

ومحاولة التقليل من المشروبات التي تحتوي على مادة الكافيين (مثل القهوة والشاي) فهي مادة مدّر للبول .

7-  تجنب النوم بعد الإفطار :

       بعض الناس يلجأ إلى النوم بعد الإفطار مباشرة! وهو مما لا ينصح به؛ فإنّ النوم بعد تناول وجبة الطعام – خاصة إنْ كانت كبيرة ودسمة - يزيد من خمول الإنسان وكسله ، ويربك عملية الهضم.

ولا بأس من الاسترخاء قليلا بعد تناول الطعام.

        والنصيحة لهؤلاء الناس: هي ضرورة الاعتدال في تناول طعامهم، وترك الشبع الزائد ، ثم النهوض لصلاة العشاء والتراويح، فهي تساعد على هضم الطعام، وتعيد لهم نشاطهم وحيويتهم.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك