رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 13 يونيو، 2017 0 تعليق

التهاون فيها وإخراجها قبل بلوغ النصاب وإخراجها وهو كاره – من أخطاء الناس في الزكاة

 

شهر رمضان المبارك شهر الخير والبركة، وشهر الكرم والجود والسخاء، يحرص كثير من المسلمين فيه على البذل والعطاء والسخاء دون بقية الشهور، فتراهم يكثرون من الصدقات فيه، ولا يخرجون زكاتهم إلا في هذا الشهر المبارك، رجاء أنْ يتعرضوا للنفحات الإيمانية، والمنح الإلهية، وأملاً في أن يتقبلها منهم رب البرية، -سبحانه وتعالى-، وقد فرضت الزكاة في السنة الثانية من الهجرة النبوية, وبَعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم - السعاة لقبضها وجِبَايتها، لإيصالها إلى مستحقيها، ومضت بذلك سُنّة الخلفاء الراشدين المهديين، وعمل المسلمين، لكن هذه الفريضة - فريضة الزكاة - كغيرها من العبادات، دخلها كثير من الأخطاء والمخالفات، بأسبابٍ متعددة، كالبعد عن العلم، وعن التفقه في الدين، وسؤال أهله، وبين أيديكم جملة من الأخطاء التي يقع فيها كثير من الناس في باب الزكاة.

 

التهاون في إخراجها

     من أخطاء الناس في الزكاة التهاون في إخراج الزكاة، والتساهل فيها، وربما إهمالها بالكلية وتناسيها! ومعلوم أنَّ الزكاة أحدُ أركان الإسلام، ومبانيه العظام، وأجمع المسلمون على فرضيتها، وأنها الركنُ الثالث من أركان الإسلام، وأجمعوا على كفر من جحد وجوبها، وقتال من منع إخراجها، وقد قرنها الله -تعالى- بالصلاة في كتابه في اثنين وثلاثين موضعاً؛ مما يدل على عظم شأنها، وكمال الاتصال بينها وبين الصلاة، ووثاقة الارتباط بينهما.

وإيتاء الزكاة عبادة مالية فرضها الله -سبحانه وتعالى- على عباده، طُهرة لنفوسهم من البُخل، ولصحائفهم من الخَطايا، قال الله -سبحانه وتعالى- في كتابه الكريم: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْالتوبة: 103.

كما أنَّ فيها إحساناً إلى الخَلق، وتأليفاً لقلوبهم، وسدَّاً لحاجاتهم، وإعْفافا للناس عن ذلّ السؤال.

وفي المقابل: إذا منع الناس زكاة أموالهم، كان ذلك سبباً لمحق البركة منها، بل وحصول القحط والجَدب لأرض، مصداقاً لحديث ابن عمر -رضي الله عنهما-: «.. ولم يمنعوا زكاةَ أموالهم، إلا مُنعوا القَطر من السماء، ولولا البهائم لم يُمطروا...». رواه ابن ماجة، ونحوه من حديث بريدة -رضي الله عنه-، ورواه الحاكم والبيهقي.

وقد توعّد الله -سبحانه وتعالى- مانعي الزكاة؛ بالعذاب الشديد في الآخرة، فقال تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ ۖ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ ۖ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} آل عمران: 180.

 

     وجاء في صحيح مسلم في كتاب الزكاة (2/680): حديث أبي هريرة - رضي الله عنه-: أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم - قال: «ما من صاحبٍ ذهبٍ ولا فضة لا يُؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة، صُفّحت له صفائح من نار، فأُحْميَ عليها في نار جهنم، فيُكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بَردت أُعيدت له، في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقضى بين العباد، فيَرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار...».

 

إخراج الزكاة قبل بلوغ النصاب

ثانيا: لا تجب الزكاة في المال، إلا إذا بلغ النصاب الشرعي، المقرّر في الأحاديث النبوية، وإخراج الزكاة من المال قبل بلوغه النصاب؛ يُعد صدقة تطوع، وليس زكاة؛ فالمال لا تجب فيه الزكاة المفروضة، حتى يبلغ النصاب، ويحول عليه الحول.

قال ابن قدامة -رحمه الله-: «لَا يَجوزُ تَعجِيلُ الزَّكَاةِ قبْلَ مِلْكِ النِّصَابِ، بِغيرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ، ولو مَلَكَ بعضَ نِصَابٍ، فَعَجَّلَ زَكَاتَهُ، أَو زَكَاةَ نِصَابٍ، لَمْ يَجُزْ؛ لأَنَّهُ تَعَجَّلَ الْحُكْمَ قَبْلَ سَبَبِهِ».

انتهى من (المغني) (2/ 471).

 

     ومن تهاون في إخراج الزكاة فيما مضى من السنين فهو آثم، مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب، وتلزمه التوبة والاستغفار، وعليه المبادرة إلى إخراج الزكاة عما مضى، فإنَّ كان يعلم مقدار المال الذي كان يملكه، ووجبت فيه الزكاة، أخرج زكاته عن كل سنةٍ مضت عليه، بمقدارها المشروع، وإنْ عسر عليه الأمر، ولم يقدر على حساب المال وزكاته، أو عرفها في بعض الأعوام وجهلها في بعض: فليتحرّ قدر الزكاة بقدر طاقته، وليُخرجها على ذلك.

 

ظنُّ البعض أنه لا يجوز إخراج الزكاة قبل وقتها؟!

والصحيح: أنه يجوز إخراج الزكاة قبل وقت وجوبها، إذا كان قد ملك نصابها؛ بل لا بأس بإخراجها قبل حلول الحول بسنَة، أو سنتين، إذا اقتضت مصلحة الفقير أو المسلمين ذلك، ولا يجوز أكثر من سنتين.

1- لما رواه الخمسة إلا النسائي: عن علي -رضي الله عنه-: أنّ العباس سأل النبي -صلى الله عليه وسلم - في تعجيل زكاته قبل أنْ تحلّ، فرخّص له في ذلك». قال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.

2- وعن علي -رضي الله عنه -: أن النبي -صلى الله عليه وسلم - قال لعمر: «إنا قد أخذنا زكاة العباس، عام الأول للعام». رواه الترمذي. وقال: وقد اختلف أهل العلم في تعجيل الزكاة قبل محلها، فرأى طائفة من أهل العلم ألا يعجلها، وبه قال سفيان الثوري قال: أحب إلىَّ ألا يعجلها. وقال أكثر أهل العلم: إنْ عجلها قبل محلها أجزأت عنه، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق. اهـ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «وأَمَّا تَعْجِيلُ الزَّكاةِ قبلَ وُجوبِها، بعدَ سَبَبِ الْوجوبِ: فَيَجوزُ عند جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ كأَبي حَنِيفَة والشَّافعي وأَحمد؛ فَيَجوزُ تَعْجِيلُ زَكَاة الْماشيةِ والنَّقْدَيْنِ، وعُرُوضِ التِّجارةِ إذا مَلَكَ النِّصَابَ». مجموع الفتاوى (25/ 85).

ومن هذا: أن بعض الناس يحبُّ أن يكون رمضان هو شهر زكاته، فيجوز له أنْ يقدمها إلى رمضان، فإذا كانت زكاته مثلا تجب في شوال، فأخرجها في رمضان؛ أجزأه ذلك.

 

اعتماد الأشهر الميلادية

     تجب الزكاة في المال إذا مضى عليه حول، وهو اثنا عشر شهراً بالحساب القمري؛ والأشهر الهجرية، لقول الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} البقرة: 189، ولا يجوز تأخير إخراجها عن هذا الموعد، إلا لعذر شرعي لا يتمكن من إخراجها معه، وعلى ذلك: فلا يجوز اعتماد الأشهر الميلادية لإخراج الزكاة، أو لمعرفة حول الزكاة، ومن أخرج زكاة ماله على الأشهر الميلادية، وجب عليه إخراج زكاة الفرق مع التوبة. ويمكن حساب ذلك الفرق بطرق عدة، منها:

- أن تعرف التاريخ الهجري لأول مرة أخرجت فيها الزكاة، ثم تجعله الآن هو وقت إخراج الزكاة للسنوات القادمة.

- الفرق بين السَّنة الهجرية والميلادية: أحد عشر يوماً تقريباً، فحدد السنوات التي أخرجت فيها الزكاة بالميلادية، ثم تضربها في أحد عشر يوما، ثم تضيف ذلك إلى الحول الهجري، وتخرج الزكاة على هذا الحساب.

 

إخراجها وهو كاره

الزكاة ركنُ الإسلام الثالث، وهى حقّ الله في المال، ففرضٌ على المسلم أداؤها في وقتها لمستحقيها، طيبةً بها نفسُه، مُؤمناً بفرضيتها، متقرّباً بها إلى مولاه عزوجل، وإذا أخرجها وهو كاره، فلا أجرَ له فيها؟! بل هذا من المنكرات والمعاصي، لضعف الإيمان والتقوى.

 

     فروى البخاري في: كتاب الزكاة، باب قول الله تعالى {فَأَمَّا مَنْ أَعْطى واتقى (5) وَصَدَّقَ بالحسنى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لليسرى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ واستغنى (8) وَكَذَّبَ بالحسنى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ للعسرىالليل 5-10. اللهم أعط منفقَ مالٍ خلفاً، ثم روى: عن أبي هريرة -رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما من يومٍ يُصبح العبادُ فيه، إلا ملكان ينزلان فيقول: أحدُهما: اللهم أعطِ منفقاً خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط مُمسكا تلفاً».

 

     وعن عبد اللَّهِ بنِ مُعَاوِيَةَ الْغَاضِرِيِّ -رضي الله عنه - قال: قال النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم -: «ثَلَاثٌ مَنْ فَعَلَهُنَّ؛ فَقَدْ طَعِمَ طَعْمَ الْإِيمانِ: مَنْ عَبَدَ اللَّهَ وَحْدَهُ، وأَنَّهُ لا إِله إِلَّا اللَّهُ، وأعْطَى زَكَاةَ مالِهِ طَيِّبَةً بِها نَفْسُهُ، رَافِدَةً عليْه كُلَّ عَامٍ، ولا يُعْطِي الْهَرِمَةَ، ولا الدَّرِنَةَ، ولَا الْمَرِيضَةَ، ولا الشَّرَطَ اللَّئِيمَةَ، ولَكنْ مِنْ وَسَطِ أَمْوَالِكُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَسْأَلْكُمْ خَيْرَهُ، ولَمْ يَأْمُرْكُمْ بِشَرِّه»، أخرجه أبو داود (1582) وابن سعد (7/421)، والبيهقي (4/95) وصححه الألباني في السلسلة (3/ 38)، قوله «رَافِدَة علَيه» : الرَّافِدَة الْإِعانَة، أَي: تُعِينُهُ نَفْسه على أَدَاء الزَّكَاة، «وَلَا الدَّرِنَة «: هي الْجَرْبَاء، «ولَا الشَّرَط» : قال أَبو عُبيد: هِيَ صِغَار الْمال وشِرَارُهُ. وقال الْخطّابِيُّ: والشَّرَط رَذَالَة المال، «اللَّئِيمَة»: الْبَخِيلَة بِاللَّبَنِ، ويُقال لَئِيم لِلشَّحِيحِ، والدَّنِيِّ النَّفْس والْمُهِين، «ولَكِنْ مِنْ وَسَط أَموالكم»: فيه دلِيل على أَنَّهُ يَنْبغي أَنْ يُخْرِجَ الزَّكَاة مِنْ أَوْسَاط المال، لا مِنْ شِرَارِه، ولا مِنْ خِيَارِه.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك