رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 6 فبراير، 2019 0 تعليق

لجنة الكلمة الطيبة تقيم ندوة: اعرف الحق تعرف أهله

عقدت (لجنة الكلمة الطيبة) بجمعية إحياء التراث الإسلامي الاثنين الماضي 28 يناير، ندوة بعنوان: (اعرف الحق تعرف أهله)؛ حيث استضافت اللجنة كلاً من الشيخ د. عثمان الخميس، والشيخ د. حسين القحطاني. وقد بين رئيس اللجنة د. خالد سلطان في افتتاحه للندوة، أن المتتبع لآيات القرآن الكريم وأحاديث السنة المطهرة، يرى أن الوحي الشريف أمرنا بأن نتعرف على الحق الذي جاء من عند الله، الذي دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم ، في وقت قد تداخلت فيه الأمور، واختلطت على كثير من الناس، حتى أصبحنا نسمع سؤالًا يتكرر على المشايخ والعلماء وطلبة العلم، سؤالا يتداوله الناس عبر وسائل التواصل وفي الإعلام وهو: قد غاب عنّي معرفة الحق فأين هو؟ وكيف أعرفه؟ من هنا وجب على دعاة الأمة والمشايخ وطلبة العلم أن يبينوا هذا الحق ويجلّوه للناس، كما فعل الهادي البشير محمد صلى الله عليه وسلم .

بين الحق والباطل

     وفي كلمته التي ألقاها أكد د. حسين القحطاني على أهمية عنوان الندوة، وأنه يُعدُّ تأصيلاً لأصلٍ عظيم من أصول الدعوة السلفية وهو: (اعرف الحق تعرف أهله)، مبينًا أن الحق مطلب لكل راغب في النجاة، والنجاة لا تكون إلا بالوصول للحق، وهذا الحق كل يدعيه، ولكن لا سبيل للوصول إليه إلا بمعرفة الدليل، الدليل من الكتاب والسنة وإجماع الأمة.

الحق الذي نتكلم عنه

     ثم أشار د. القحطاني إلى مفهوم الحق قائلاً: الحق الذي نتكلم عنه لا يكفي فيه أن يعرف بالدليل حتى ينضم إليه أيضًا اتباع له؛ ولذلك جاء في الدعاء المأثور عن بعض السلف: «اللهم إنا نسألك أن ترينا الحق حقًّا وأن ترزقنا اتباعه، وأن ترينا الباطل باطلًا وترزقنا اجتنابه»، وبالتالي لو كان مجرد معرفة الحق كافيًا في نجاة من عرفه، لكان أحق الناس بالنجاة هم اليهود، ومع ذلك حكم الله عليهم في كتاب يُقرأ وفي آيات تتلى في كل ركعة، بل سماهم المغضوب عليهم؛ لأنهم عرفوا الحق ولم يأخذوا به، ولم يتبعوه ولم يرفعوا به رأساً.

السبيل إلى معرفة الحق

     وأكد د. القحطاني على أن الدليل لابد أن يكون نابعًا من الكتاب والسنة وإجماع الأمة؛ فالحق لا يعرف بالرجال؛ لأن الرجال أفهامهم محل أنظار قد تقبل وقد ترد، وأيضًا ما من أحد إلا ويؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر»، كما هي الكلمة المشهورة عن الإمام مالك -رحمه الله-، ثم أيضًا من تمسك بالوحيين ولم يقدم عليهما آراء الرجال؛ فهذا الذي يُدعى بالموفق حقًّا.

أصحاب هذا المنهج

     ثم أضاف قائلاً: بعد تأصيل هذا الأصل لا يضر أصحاب هذا المنهج الذين يلتزمون بالدليل ويقدمونه على آراء الرجال، وأهواء الناس، والمذاهب، والآراء، والحزبيات بألوانها وأصنافها، يقول سهل بن عبد الله -رحمه الله-: «عليكم بالأثر والسنة؛ فإني أخاف أنه سيأتي عن قليل زمان إذا ذكر إنسان النبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء به في جميع أحواله، ذموه ونفروا عنه وتبرؤوا منه، وأذلوه وأهانوه»، هذا الكلام في زمانهم؛ فكيف في هذا الزمان الذي ربما تأصل في نفوس كثير من الناس التعصب المذموم للمذهب الفلاني أو للشيخ الفلاني، ويرد في سبيل ذلك الواضحات من الكتاب والسنة.

الخير كل الخير

     والخير كل الخير إنما يكون باتباع الوحيين من الكتاب والسنة، وقد رتب الله -سبحانه وتعالى- على ذلك أي اتباع هذا الوحي الفوز والفلاح، كما جاء في قوله -جلا وعلا-: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}{الأحزاب:71)، ورتب عليه أيضًا الهداية كما في قوله -جل وعلا-: { وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا}(النور:54)؛ فعلى هذا لا يحصل اهتداء إلا بطاعته -عليه الصلاة والسلام-؛ فإن وجدت الطاعة حصل الاهتداء.

التحذير الشديد

     وفي المقابل جاء التحذير الشديد من مخالفة أدلة الكتاب والسنة، بل ورتبت الشريعة على ذلك أمورًا: منها الوقوع في الفتنة عافانا الله وإياكم أو العذاب الأليم، قال ربنا -جل وعلا-: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}(النور:63)، قال الإمام أحمد -رحمه الله-: «أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ؛ فيهلك -عياذًا بالله-»؛ لأنه قدم رأي هذا الشيخ، وقول هذا الإمام المتبع المتبوع عنده، وترك في مقابل ذلك كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .

بل إن الشريعة قد توعدت من تولى عن طاعة الله، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، كما قال -سبحانه وتعالى-: {وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا}(الفتح: 17).

     بل إن مجرد التقدم بين يدي الله ورسوله نذير شر على صاحبه، قال -سبحانه وتعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(الحجرات:1)، تُقدموا على الكتاب والسنة الأفهام والآراء والأطروحات والمذاهب والأحزاب وما أشبه ذلك.

دليل وتعليم

     ثم بين د. القحطاني أنَّ الفقه قائم على دليل وتعليم: دليل من الكتاب والسنة أو تعليم قائم على ذلك الأصل، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ»؛ لأنه تمسك دعوات تريد منك أن تترك هذا الأصل، وتحرفك عن هذا المبدأ، ولكن الصبر عليه يورثك رضا الله -سبحانه وتعالى- والنجاة.

     وقوله صلى الله عليه وسلم : «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى» قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: «من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى»، وفي قصة عبد الله بن رواحة رضي الله عنه التي تدل على عظيم حرص السلف، وعلى رأسهم الصحابة على تنفيذ الأمر، واتباع الدليل، وعدم تجاوز الكتاب والسنة، والدليل الواضح على اهتمامهم بهذا الأصل.

      عبد الله بن رواحة يسير في طريق قريب من المسجد؛ فيسمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو داخل المسجد مخاطبًا مَنْ أمامه من الصحابة: «اجلسوا» فلما سمع هذا الصحابي هذا الأمر جلس صلى الله عليه وسلم وهو خارج المسجد؛ فلما سمع بذلك -عليه الصلاة والسلام- قال: «زادك الله طواعية لله ورسوله»؛ لأنه بذلك أتم اتباع النبي صلى الله عليه وسلم على أكمل وجه.

 

إنكار السلف

     وأكد د. القحطاني أن السلف من الصحابة خصوصًا والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، اشتد نكيرهم على كل من عُرف عنه مخالفة الدليل، ولو لم يكن قاصدًا ازدراءه؛ لأنه لا يلزم أن يكون المتنكب لصراط الدليل يعني بذلك: أنه لا يأبه بالدليل، أو لا يحترم أو لا يوقر الدليل.

     السلف وعلى رأسهم الصحابة كانوا يرون أن ترك الدليل وعدم العمل به وإعمال الذهن في مصادمة الدليل شيء عظيم, هذا بلال بن عبد الله بن عمر، سمع أباه عبد الله بن عمر يقول: حديث النبي «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله»؛ فقال غيرة على النساء: والله لنمنعهن، هو قطعًا لا يريد أن يخالف قول النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن ربما رأى في خروج النساء للمساجد فتنة، أو شيئا من المسوغات التي يراها أي رجل في هذه الأحوال.

لكن انظر إلى موقف أبيه في ذلك، قال: فعنّفه وسبّه سبّا سيئًا، قال: أقول لك قال النبي صلى الله عليه وسلم ، وترد عليّ!!

أقوال أئمة أهل السنة

قد تتابعت أيضًا أقوال أئمة أهل السنة المتبوعين في الفقه وغير الفقه لأتباعهم بضرورة حثهم على الأخذ بالدليل والعمل به حتى ولو كان هذا الأخذ يرد أو يصادم ما قالوا به من آراء.

فهذا أبو حنيفة وهو إمام لمدرسة الرأي في زمانه يقول: لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه، يربيهم على الأخذ بالأصل، والأصل الدليل من الكتاب، السنة، ليس الأصل قولي؛ فإنني أقول فأخطئ وأصيب ولست بمعصوم.

وهذا مالك إمام دار الهجرة يقول: إنما أنا بشر أخطئ وأصيب؛ فانظروا في رأيي؛ فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه، أي تجرد أعظم من هذا؟!

     فلو نظرت إلى حال كثير من المتبوعين لوجدت أن أهم ما عنده تجميع السواد الأكثر من الأتباع، ولو كان هذا على حساب ترك أدلة الكتاب والسنة، والشافعي أيضًا يقول: أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد كائنًا من كان، الله أكبر!!

     ويقول الإمام أحمد -رحمه الله-: عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان، طبعًا يقصد رأي سفيان ولو كان يصادم الدليل من الكتاب والسنة، ويقول أيضًا: لا تقلدني ولا تقلد مالكًا، ولا الشافعي، ولا الأوزاعي، ولا الثوري، وخذ من حيث أخذوا، وهذه تربية عملية من هذا الإمام.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك