رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 1 يونيو، 2010 0 تعليق

لا تطلب المرأة المسلمة الشقاء لنفسها

 

   قبيلة سبأ، قبيلة عربية مشهورة كانت تسكن اليمن ، وقد منّ الله تعالى عليها بنعم كثيرة، كما بيّن الله ذلك في سورة سبأ - السورة التي سميت باسمها – فقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ}، ومن تلك النعم التي منّ الله بها عليهم كما في الآيات السابقة نعمة الأمن والرخاء والراحة أثناء السفر فقال تعالى: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ}.

 

   قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: «يذكر تعالى ما كانوا فيه من الغِبْطة والنعمة، والعيش الهني الرغيد، والبلاد الرخية، والأماكن الآمنة، والقرى المتواصلة المتقاربة بعضها من بعض، مع كثرة أشجارها وزروعها وثمارها؛ بحيث إن مسافرهم لا يحتاج إلى حَمل زاد ولا ماء، بل حيث نزل وجد ماء وثمرا، ويَقيل في قرية ويبيت في أخرى، بمقدار ما يحتاجون إليه في سيرهم» انتهى. ولكنهم للأسف بطروا النعمة وسئموا الراحة؛ قال تعالى: {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}، قال ابن كثير: «إنهم بَطروا هذه النعمة وأحبوا مفاوز ومهامِهَ يحتاجون في قطعها إلى الزاد والرواحل والسير في الحَرُور والمخاوف، كما طلب بنو إسرائيل من موسى أن يخرج الله لهم مما تنبت الأرض، من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها، مع أنهم كانوا في عيش رغيد في مَنّ وسلوى وما يشتهون من مآكل ومشارب وملابس مرتفعة؛ ولهذا قال لهم: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} (البقرة: 61)، وقال تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا} (القصص: 58)، وقال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} (النحل: 112). وقال في حق هؤلاء: {وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} أي: بكفرهم، {فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} أي: جعلناهم حديثا للناس، وَسمَرًا يتحدثون به من خبرهم، وكيف مكر الله بهم، وفرق شملهم بعد الاجتماع والألفة والعيش الهنيء، تفرقوا في البلاد هاهنا وهاهنا؛ ولهذا تقول العرب في القوم إذا تفرقوا: «تفرقوا أيدي سبأ» «وأيادي سبأ» و«تفرقوا شَذَرَ مَذَرَ».

 

  نعم! هذا ماحدث لـ (سبأ) ويحدث لكل من بطر النعمة وسئم الراحة التي منّ الله تعالى بها عليه ولم يقم بشكرها سواء من الأمم أم من الدول أم من الجماعات أم من الأفراد جزاءً وفاقاً: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}.

 

 

 

  الإسلام كرم المرأة

 

  طالعتنا الصحف العربية في الآونة الأخيرة بخبر عن المرأة العربية يقول: «أشارت دراسة من مركز (ستارش) البريطاني للأبحاث العالمية إلى أنَّ السوريات هن أكثر البنات دلالاً واحتراماً على مستوى العالم، وذلك بعد احتلالهن المركز الثالث في الدراسة السابقة؛ حيث تمت الدراسة بناءً على أنَّ الفتاة السورية تلبى طلباتها بدون عناء، ودائماً ما يقوم أحد بخدمتها، فضلاً عن أنَّها ليست بحاجة إلى عمل فمصروفها متوافر لها من أولياء أمورها، وأنَّ اهتمامهم بها منذ الولادة وحتى وفاتها يدلّ على احترامها، بينما تفضل الإقدام على العمل لتقف مع الرجل صفاً بصف؛ وذلك لتتساوى مع الرجل السوري». انتهى (نقلا عن صحيفة الوطن الكويتية بتاريخ 1/6/1431 هـ).

 

بفضل من الله ونعمة تعيش المرأة المسلمة عموماً والعربية منهن خصوصاً حياة في مجتمعاتها لايزال يُرى فيها أثر وسمة تعاليم ديننا الحنيف من: كفالة؛ فهي مكفولة محمولة سواء كانت أماً أم بنتاً أم زوجة.. إلخ، ومن حماية وصيانة من قبل المجتمع ، ومن خدمة ودلال واحترام وتقدير من أقاربها الرجال من الصغر إلى الكبر سواء في الحضر أم السفر، وغيرها من رعاية وخدمة، حتى من يقوم بذلك مراعاة للعادات والتقاليد فلتأثير الدين في تلك العادات والتقاليد - ولا يعكر على ذلك ما يقع على بعض النساء من ظلم وتعد في بعض المجتمعات الإسلامية أسوة بالمجتمعات الكافرة بسبب الجهل وغيره مما لم يأمر به الدين – فلا تبطر المرأة المسلمة تلك النعم وتسأم الراحة وتتمنى ما فضل الله به الرجل عليها فتطلب المساواة به خصوصاً في العمل والخروج من البيت – كما جاء في الخبر- قال تعالى: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} (سورة النساء)، قال الطبري رحمه الله في تفسيره: «يعني بذلك جل ثناؤه: ولا تشتهوا ما فضل الله به بعضكم على بعض، وذكر أن ذلك نزل في نساءٍ تمنين منازلَ الرجال، وأن يكون لهن ما لهم، فنهى الله عباده عن الأماني الباطلة، وأمرهم أن يسألوه من فضله؛ إذ كانت الأمانيّ تورِث أهلها الحسد والبغي بغير الحق». انتهى.

 

   فلا تسأم المرأة المسلمة من هذه الحياة وتبطر نعمة الله التي منّ بها عليها فيصيبها ما أصاب (سبأ) من تبدل النعمة وحلول النقمة؛ فإن الله تعالى لا يحابي أحداً، قال تعالى : {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} (سورة النساء)، فلا أحسن ديناً للمرأة المسلمة من دين ربها الذي سترها وحفظها وجعل القوامة للرجل عليها ليرعاها ويكفلها وأمرها بالقرار في البيت ليرحمها فهي أقرب إلى رحمته وهي في عقر بيتها؛ كما قال النبي[: «المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وإنها لا تكون أقرب إلى الله منها في قعر بيتها» رواه الطبراني وصححه الألباني، فلا تطلب الشقاء لنفسها من حيث لا تدري فيحق عليها قول ربها في سورة طه: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} ولا تكابر الحق وتجادل بالباطل وتأخذها العزة بالإثم وتظن أن دين الله يحابي الرجل – والعياذ بالله – بل هو حكم الله « {َواللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} (سورة الرعد}، {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ منَ اللَّه حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}، ولا يستخفنها الذين لا يوقنون من الرجال، ولا تتطلع أن تكون كالمرأة الكافرة – سواء الغربية منها أم الشرقية – التي أشقاها خروجها من بيتها ومساواتها بالرجل بعد أن سقطت شعارات الحرية والمساواة الزائفة التي أطلقها ويطلقها دائماً دعاة الغرب من الديمقراطيين والتحرريين الذين لايريدون الخير لأمة الإسلام كما قال الله وهو أصدق القائلين: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (سورة البقرة)، ويريدون أن نضل السبيل كما ضلوا كما قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا} (سورة النساء}، سواء في موضوع المرأة والأسرة أم غيره كما قال تعالى عندما ذكر شيئاً من أحكام النساء والأسرة في سورة النساء: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} (سورة النساء)، ولا يريدون أن تتميز أمة الإسلام عليهم بشيء من الأمن والايمان والطهر والعفاف، فأغلب المسلمين يتشبهون بالغرب وغيرهم من أمم الكفر بأصناف شتى في حياتهم ولم يبق لهم إلا معقل وحصن الأمة الأخير ألا وهو (الكيان الأسري) و(حياتهم الأسرية) فإذا هم تشبهوا بهم في ذلك فأخرجوا المرأة المسلمة من بيتها وجعلوها كالرجل، فقد أصابوا أنفسهم في مقتل.

 

   ولا تغرّنها الحياة الدنيا بزخرفها، ولا يغرّنها الجري خلف المادة بحجة أنها لا تريد أن تكون تابعة للرجل في مصروفها؛ فالله تعالى بحكمه وشرعه يريد أن تكون المرأة في قوامة الرجل ورعايته وكنفه كما قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} (سورة النساء)، وقال أيضاً: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (سورة البقرة)، بل يريد الله تعالى أن تكون المرأة عند الرجل كالأسيرة كما قال النبي[: «ألا واستوصوا بالنساء خيراً فإنما هن عوانٍ عندكم» رواه الترمذي وحسنه الألباني، و(عوانٍ) جمع (عانية) بمعنى: أسيرة، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: وليعلم أن مالك المرأة هو زوجها، كما قال النبي[: «اتقوا الله في النساء فإنهن عوانٍ عندكم»، عوانٍ، أي: أسيرات، وقال الله تعالى في سورة يوسف عن امرأة العزيز: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} (يوسف:25)، فجعل الزوج سيداً، وهذا يتضمن أن تكون الزوجة بمنزلة الرقيقة الأمة . انتهى (اللقاء المفتوح: 166 ) ، فالرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته كما قال النبي[: «وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا». رواه البخاري، وبنص الحديث فالمرأة راعيةُ أبنائها وشؤون بيتها، ومسؤولة أمام الله تعالى عن رعيتها! لمن تتركهم؟ ولكنه للأسف طغيان المادة وحب الدنيا والرفاهية في عصرنا الحديث رجالاً ونساءً – إلا من رحمه الله – فالرجل لا ينظر إلا للمادة فيأمر المرأة بالخروج للعمل من غير ضرورة، والمرأة تطاوعه في ذلك لحاجة في نفسها كما قيل في الأمثال: «وافق شنٌ طبقة»، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عندما سئل: حفظكم الله فضيلة الشيخ، في زماننا هذا كثرت الشركيات وكثر التقرب إلى القبور والنذور لها والذبح عندها، كيف يصحح المسلم هذه العقيدة؟

 

   الشيخ: أنا في ظني أن هذا الوقت هو وقت الوعي العقلي وليس الشرعي، قلّ الذين يذهبون إلى القبور من أجل أن يسألوها أو يتبركوا بها، اللهم إلا الهمج الرعاع، فعندي أن الناس الآن استنارت عقولهم الإدراكية لا الرشدية؛ فالشرك في القبور وشبهها في ظني أنه قليل، لكن هناك شركٌ آخر وهو محبة الدنيا والانهماك فيها والانكباب عليها؛ فإن هذا نوعٌ من الشرك؛ قال النبي[: «تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة» فسمى النبي[ من شغف بهذه الأشياء الأربعة عبداً لها فهي معبودةٌ له، وقد أصبح الناس اليوم في انكبابٍ بالغ على الدنيا حتى الذين عندهم شيء من التمسك بالدين تجدهم مالوا جداً إلى الدنيا، ولقد قال النبي[: «والله ما الفقر أخشى عليكم، وإنما أخشى أن تفتح عليكم الدنيا فتنافسوها كما تنافسها من قبلكم فتهلككم كما أهلكتهم» هذا هو الذي يخشى منه اليوم؛ ولهذا تجد الناس أكثر عملهم على الرفاهية، وهذا فيه ترفيه، وهذا فيه نمو الاقتصاد، وهذا فيه كذا، وهذا فيه كذا، قلَّ من يقول: هذا فيه نمو الدين، هذا فيه كثرة العلم الشرعي، هذا فيه كثرة العبادة، قل من يقول هذا، فهذا هو الذي يخشى منه اليوم، أما مسألة القبور ففي ظني أنها في طريقها إلى الزوال سواءٌ من أجل الدنيا أم من أجل الدين الصحيح. (فتاوى نور على الدرب:4 / 186).

 

   فمن مظاهر الجري خلف الرفاهية والمادة في زماننا هذا خروج المرأة للعمل من غير ضرورة – إلا من رحمها الله- ولو أدى ذلك إلى التقصير في رعايتها لأولادها وبيتها ، ويظن بعض النساء أنه لولا عملهن خارج البيت في طلب الرزق لما تمتعنّ بالرزق والعيش الرغيد، فأقول لهن: إنهن لو كنّ يؤمنّ حق الإيمان وأيقنّ حق اليقين أن الله تعالى هو الرّزاق وأنه قد كتب مقادير أرزاق العباد وأنه سييسر الرزق لمن كتُب له لما طلبن رزق الله بمخالفة أمره، وليعلمنّ أنه لن يأتيهن إلا ما كُتب لهن ولو جرين جري الوحوش، ولا تنخدع بعض النساء بوسوسة الشيطان الذي يوسوس أنه ليس هناك تقصير في رعاية الأبناء عند الخروج للعمل ومساواتها بالرجل؛ لأن الأخطاء والسلبيات الاجتماعية لا يظهر أثرها السّيئ إلا بعد حين قُدّر بنحو ثلاثبن سنة تقريباً، أي بعد جيل (كما ذكر بعض علماء الاجتماع)، فالأجيال القادمة هم الذين يتحملون أخطاء وسلبيات الجيل الحالي، ولك أن تتخيل طبيعة هذا الجيل الذي سينشأ وقد قصرنا في تربيته ، وتصحيح هذا الخطأ والسلبية الاجتماعية يحتاج إلى سنوات طويلة؛ لأن البعض قد يحتج بأنه لا يرى ضرراً من خروج المرأة للعمل ومساواتها بالرجل، فأقول لهم: {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِين}ٍ!!

 

   فلنتق الله تعالى رجالاً ونساءً ولا نبطر، ولنحافظ على النعم العظيمة التي أنعم الله بها علينا من تماسك الأسرة المسلمة وأمانها واطمئنانها واستقرارها في ظل شريعة الرحمن، ولنسأل الله تعالى العفو والعافية، ولنـا فيما حدث لـ (سبأ) آيـة وعبرة .

 

   والله تعالى أعلى وأعلم

 

 

  ksmksmg@hotmail.com    

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك