رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 13 ديسمبر، 2010 0 تعليق

في الحكومة العراقيّة: الوزارات للبيع!

 

      بفضل التطور الهائل في الاتصالات صار العالم اليوم قرية صغيرة، وهذا التطور قاد إلى ثورة تجارية وصناعية في عموم العالم، وشمل مختلف الميادين السياسية والاقتصادية وغيرها، وبات كل ما يحلم به الإنسان يمكن أن يشتريه عبر الإنترنت. وكما هو معروف للجميع، فإن المال هو العامل الأهم في الاقتصاديات، وأحياناً في السياسة، وتحديداً في فترات الانتخابات البرلمانية في بعض الدول الفقيرة؛ حيث يحاول بعض المرشحين «الضعفاء» شراء ذمم وأصوات الناخبين عبر دفع الأموال، أو البطانيات، أو المراوح وغيرها من الضروريات التي تختلف من مكان إلى آخر، وهذا ما حدث في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في العراق.

       وبالمقابل فإننا اليوم أمام حالة نادرة بل مستحيلة في عملية تشكيل الوزارات في العالم؛ حيث إننا لم نسمع بمزاد، أو (بازار) لبيع الوزارات، في أي مكان في العالم إلا في العراق «الديمقراطي الاتحادي الجديد»؛ حيث تستمر المفاوضات «التجارية السياسية» من أجل بيع الوزارات الأكثر ربحاً في العملية السياسية الديمقراطية، وهي حالة نادرة في التاريخ السياسي العراقي، والانتخابي في العالم، وأسعار الوزارات تختلف بحسب المردود المالي لكل منها، والوزارات التي تدرّ أرباحاً للـ«دولة» تكون أسعارها خيالية كالنفط والتجارة والدفاع والداخلية والمالية.

وحتى لا يقال إننا نبالغ، أو نتهم من غير دليل، أو هو نوع من التحامل، فإنني سأذكر كلام النائبة عن القائمة العراقية (وحدة الجميلي)، التي حذرت يوم 23/11/2010 من إبرام صفقات مالية بين الكتل السياسية لبيع الوزارات، وأن هنالك صفقات مالية، خلف الكواليس، خلال عملية توزيع الوزارات بين الكتل السياسية، وأن الوزارات الأمنية وبالأخص الدفاع والداخلية تباع بأرقام خيالية قد تصل قيمة الواحدة منها إلى خمسة ملايين دولار، فيما بلغ سعر وزارات الإسكان والنقل والصحة والبلديات بين (3,5) إلى أربعة ملايين دولار، نظراً للعقود والمناقصات التي تنطوي عليها!!

       مصادر سياسية عراقية مطلعة قالت إن نواباً وسياسيين نافذين ومقربين من رئيس الوزراء المكلف نوري المالكي، يقومون بإدارة هذه العملية مقابل ما يسمى (الهدايا).

        وفي هذا السياق كشفت مصادر سياسية موثوقة لوكالة (أور) الإخبارية العراقية يوم 29/11/2010 عن وجود سوق سرية لبيع وشراء الحقائب الوزارية، وأن هذه السوق ازدهرت ونشط في عملها قبل أن يتم التكليف الرسمي من قبل الرئيس الحالي جلال طالباني لـ (نوري المالكي) بتشكيل الحكومة، وأن هذه السوق يكثر فيها السماسرة وذلك لتسهيل عمليات البيع والشراء، وأنهم قسموا الوزارات إلى مربحة وغير مربحة، ومربحة جداً وأخرى مربحة بصورة اعتيادية، وفي ضوء ذلك يتم التعامل مع البائع والمشتري وتحديد الأسعار وعقد الصفقة.

        هذه الصورة هي بعض الحقيقة المؤلمة من المأساة الديمقراطية التي يرفض ساسة المنطقة الخضراء في بغداد توصيفها إلا بأوصاف الكمال والتمام!! والوزارات في معظم دول العالم يتم تشكيلها اعتماداً على النزاهة والمهنية في شخص الوزير، وليس على اعتبارات حزبية وطائفية مقيتة، كما يقع اليوم في بلاد الرافدين.

وللتأريخ نذكر أن هذه الحادثة ليست الأولى في التاريخ السياسي الحديث للعراق الديمقراطي؛ حيث سبق أن بيعت وزارة الدفاع في حكومة المالكي السابقة من قبل ثلاث شخصيات قيادية معروفة لأغلب العراقيين.

       ومن الأهمية بمكان التذكير بالمادة (74) من الدستور العراقي المؤقت عام 1963 التي جاء فيها: «لا يجوز لرئيس الوزراء، أو نوّابه أو الوزير أثناء توليه منصبه، أن يزاول مهنة حرّة، أو عملاً تجارياً، أو مالياً، أو صناعياً، أو أي عمل اقتصادي آخر، أو أن يشتري، أو يستأجر شيئاً من أموال الدولة، أو يؤجرها، أو يبيعها شيئاً من أمواله، أو أن يقايضها عليه».

فكيف الحال إذا كانت الوزارة نفسها هي الصفقة الأهم في حياة السيد الوزير «المخلص المتفاني لخدمة البلاد والعباد»؟!

       هذا هو حال العراق الديمقراطي اليوم، فأين هذا القسَم الذي سيردده الوزير المنتخب المنافس في الحكومة المقبلة، وأين قولهم: «والله على ما أقول شهيد»، من كارثة السرقات والهدر المستمر للمال العام؟! هي كارثة بما تحمله هذه الكلمة من معان، وإلا فكيف نفسر أن الوزارات تباع في بلاد يقول ساستها إنهم يبنون دولة جديدة؟!!

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك