حكم الاجتماع على التعزية ودعوة الناس إلى الطعام
حكم الاجتماع على التعزية ودعوة الناس إلى الطعام
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
روى ابن ماجه في سننه في الجنائز: «باب ما جاء في النهي عن الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام» حديث رقم (1612) عن جرير بن عبدالله البجلي] قال: «كنا نرى الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام من النياحة»، قال في الزوائد: إسناده صحيح، رجال الطريق الأول على شرط البخاري، والثاني على شرط مسلم.
أقوال الفقهاء في المسألة:
أولاً- الحنفية: قال ابن عابدين في حاشيته على الدر المختار (3/148): ويكره اتخاذ الضيافة من الطعام من أهل الميت؛ لأنه شرع في السرور لا في الشرور، وهي بدعة مستقبحة. وروى الإمام أحمد وابن ماجه بإسناد صحيح عن جرير بن عبدالله قال: «كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعهم الطعام من النياحة». وفي «البزازية»: ويكره اتخاذ الطعام في اليوم الأول والثالث، وبعد الأسبوع، ونقل الطعام إلى القبر في الموسم، واتخاذ الدعوة لقراءة القرآن وجمع الصلحاء والقراء للختم، أو لقراءة سورة الأنعام أو الإخلاص.
وقال ابن عابدين أيضاً: وفي «الإمداد»: وقال كثير من متأخري أئمتنا: يكره الاجتماع عند صاحب البيت، ويكره له الجلوس في بيته حتى يأتي إليه من يعزي، بل إذا فرغ ورجع الناس من الدفن فليتفرقوا ويشتغل الناس بأمورهم، وصاحب البيت بأمره. اهـ.
ثانياً- المالكية: قال في مدونة الفقه المالكي:
اتفق العلماء على أن اجتماع الناس للطعام الذي يصنعه أهل الميت بدعة مكروهة؛ لأن الموت ليس مما تنصب فيه الولائم، ففي حديث جرير بن عبدالله البجلي قال: «كنا نرى الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام من النياحة». وقال العلماء: إنما يأكل من طعام الميت من لا خلاق له، واستثنوا من ذلك الغريب والمسافر. قال: هذا إذا كان الطعام المصنوع من مال الورثة البالغين باختيارهم، وليس الغرض منه الرياء والمفاخرة، أما إذا كان في الورثة يتامى صغار، وحسب عليهم ما أنفق من الطعام من مالهم، فمن يأكل منه حينئذ فإنما يأكل أموال اليتامى ظلماً. قال: ولا بأس أن يصنع أهل الميت طعاماً للفقراء صدقة على الميت إذا لم يجمعوا عليه الناس، فإذا جمعوا عليه الناس صار مذموماً؛ لأنه أشبه بالوليمة، وكل ما يصنع من الطعام في بيت الميت ويدعى له الناس فهو مذموم، سواء في ذلك ما يعمل في اليوم الثالث من الوفاة ويسمى (فراق العزاء) أم ما يعمل في الأربعين، أو غير ذلك.
ثالثاً- الشافعية: قال الإمام النووي - رحمه الله - في «المجموع شرح المهذب»: وأما إصلاح أهل الميت طعاماً، وجمع الناس عليه، فلم ينقل فيه شيء، وهو بدعة غير مستحبة، هذا كلام صاحب «الشامل»، ويستدل لهذا بحديث جرير بن عبدالله] قال: «كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنيعة الطعام بعد دفنه من النياحة». رواه أحمد بن حنبل وابن ماجه بإسناد صحيح وليس في رواية ابن ماجه «بعد دفنه». اهـ.
وقال أيضاً: وأما الجلوس للتعزية فنص الشافعي والمصنف وسائر الأصحاب على كراهته، ونقله الشيخ أبو حامد في التعليق وآخرون عن نص الشافعي، قالوا: يعني بالجلوس لها: أن يجتمع أهل الميت في بيت فيقصدهم من أراد التعزية، قالوا: بل ينبغي أن ينصرفوا في حوائجهم، فمن صادفهم عزاهم، ولا فرق بين الرجال والنساء في كراهة الجلوس لها، صرح به المحاملي، ونقله عن نص الشافعي - رحمه الله - وهو موجود في «الأم»، قال الشافعي في «الأم»: وأكره المآتم وهي الجماعة وإن لم يكن لهم بكاء؛ فإن ذلك يجدد الحزن، ويكلف المؤنة، مع ما مضى فيه من الأثر. اهـ.
رابعاً- الحنابلة: قال ابن قدامة في «المغني»: قال أبو الخطاب: يكره الجلوس للتعزية. وقال ابن عقيل: يكره الاجتماع بعد خروج الروح؛ لأن فيه تهييجاً للحزن. وقال أحمد: أكره التعزية عند القبر إلا لمن لم يعزِّ فيعزي إذا دفن الميت، أو قبل أن يدفن.
وقال أيضاً: فأما صنع أهل الميت طعاماً للناس فمكروه؛ لأن فيه زيادة على مصيبتهم، وشغلاً لهم إلى شغلهم، وتشبهاً بصنع أهل الجاهلية. اهـ.
استعمال الفقهاء المتقدمين لفظ «الكراهة» يريدون بها الحرام؛ قال المرغيناني في «الهداية»: والمروي عن محمد أن كل مكروه حرام، إلا أنه لما لم يجد فيه نصاً قاطعاً لم يطلق عليه لفظ الحرام.
وعن أبي حنيفة وأبي يوسف: أنه إلى الحرام أقرب.
وقد بين الإمام ابن قيم الجوزية أن السلف كانوا يستعملون لفظ «الكراهة» في معناها الذي استعملت فيه في كتاب الله وسنة رسوله[، ومرادهم التحريم.
المصدر: ملحق مجلة البحث العلمي الإسلامي
لاتوجد تعليقات