الحكم على الناس يحتاج إلى روية وتثبت
- هل يجوز للإنسان أن ينصّب نفسه حكماً على غيره في كل المواقف؟ ومتى يسوغ شرعاً للشخص أن يقول: هذا خبيث، وهذا غير ذلك؟
- لا يصلح للإنسان أن ينصّب نفسه حكماً على الناس وينسى نفسه، بل على الإنسان أن ينظر إلى عيوب نفسه أولاً قبل أن ينظر إلى عيوب غيره·· لكن إن نصّب المسلم نفسه ناصحاً لإخوانه آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر فهذا شيء طيّب ولا يقال: إنه نصّب نفسه حكماً على الناس، يقول الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} (الحجرات: 10)، والرسول [ يقول: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً»، ويقول الله تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (المائدة: 2)، ويقول [: (الدين النصيحة) قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» رواه الإمام مسلم في «صحيحه» (1/74) من حديث تميم الداري ]، ويقول [: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» رواه الإمام البخاري في «صحيحه» (1/9) من حديث أنس رضي الله عنه·
وعلى الإنسان أن يصلح نفسه أولاً ثم يحاول إصلاح الآخرين من باب محبة الخير لهم والنصيحة إليهم، وليس من باب تنقيص الآخرين أو التماس عيوبهم؛ فإن هذا هو ما نهى عنه الإسلام، وإنما في حب الخير لهم·
وبالنسبة لقول الإنسان: هذا خبيث وهذا غير ذلك·· فالإنسان المسلم لا يسوغ له شرعاً أن يقول ذلك في حق أخيه المسلم إلا إذا كان معروفاً بالانحراف ومعروفاً بالمقاصد السيئة، من يعرف حاله يجب عليه أن يقول ما يعلم عن خبثه وانحرافه إذا كان ذلك يترتب عليه مصلحة دينية بأن يحذر الناس منه حتى يمكنهم مقاومة خطره، أما إذا قال ذلك لمجرد النيل منه أو لمجرد الذم فهذا لا يجوز؛ لأن هذا يصبح تعرضاً شخصياً لا مصلحة فيه·
ولا شك أن الحكم على الناس يحتاج إلى روية وتثبّت·· فالإنسان لا يعتمد على ظنه، والله تعالى يقول: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً } (الحجرات: 12)·
كذلك يجب على الإنسان ألا يعتمد في هذا الموضوع على خبر فاسق·· فالله تعالى يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } (الحجرات: 6)، ولهذا على المرء أن يتجنب الظنون السيئة ولا يحكم لمجرد ظنونه، وعليه ألا يقبل الأخبار ممن جاء بها بدون تمحيص وبدون تثبّت، ولا يحكم على الناس إلا بموجب العلم الشرعي، فإذا كان عنده علم شرعي فإنه يحكم بموجب ما ثبت لديه، أما إذا كان جاهلاً بالأحكام الشرعية فلا يجوز له الحكم على تصرفات الناس·
وعلى المرء ألا يخوض في هذه المجالات التي ليس له بها علم: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } (الإسراء: 36) وقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } (الأعراف: 33)·
فالذي ليس عنده علم لا يصدر الأحكام بمجرد ظنه أو مجرد رأيه أو ما تمليه عليه نفسه، بل عليه أن يتوقف لأن الأمر خطير جدّاً، ومن رمى مؤمناً بما ليس فيه أو وصفه بصفة لا تنطبق عليه فإن ذلك يرجع وباله عليه، كما جاء في الحديث أن الإنسان إذا لعن من لا يستحق اللعنة فإن اللعنة ترجع على من قالها، وكذلك لا يجوز للمسلم أن يقول لأخيه: يا فاسق، أو يا كافر، أو يا خبيث أو ما شابه ذلك من الألقاب السيئة، يقول الله تعالى: {وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ} (الحجرات: 11)·
فالمسلم يجب عليه أن يتحفظ من هذه المجالات وأن يكون عنده علم وبصيرة يستطيع الحكم بها على نفسه أولاً، وعلى الناس ثانياً، كما أنه يجب أن تكون عنده تؤدة وتثبّت وبُعد نظر وعدم تسرع في الأمور·
لاتوجد تعليقات