رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 7 يونيو، 2011 0 تعليق

قطيعة الرحم من كبائر الذنوب

- في هذا العصر كَثُرَت القطيعة بين الناس، ولاسيما بين القرابة؛ فكيف السبيل إلى إصلاحهم مع بعضهم؟ وهل أعمالهم مقبولة وهم بهذه الحالة رغم تقاربهم في النسب والجوار؟

 

- إن الله سبحانه وتعالى أوجب صلة الأرحام وحرَّم قطيعتها؛ قال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى} (النساء: 36)، وقال تعالى: {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ} (الروم: 38)، وقال تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (النساء: 1)·

      والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، توجب صلة الأرحام، وتُحرِّم قطيعتها، وقد لعن الله قاطع الرحم؛ قال تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} (محمد: 22 - 23)·

      فقطيعة الرحم كبيرة من كبائر الذنوب بلا شكٍّ، وعظيمة وتُوجِب تأخير المغفرة للقاطع؛ كما جاء في المتشاحنين، وأن الله سبحانه وتعالى يقول: «أنظِروا هذين حتى يصطَلِحا» (رواه الإمام مسلم في صحيحه (4/1987) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه)·

      وهذا فيه خطورة عظيمة على المسلم، وفيه ضرر عاجل وآجل· أما ما ذكر السائل من أن أقارب جرى بينهم من القطيعة ما وصفه، حتى إن بعضهم لا يُكلِّم بعضًا، ويقول إذا نصح: أنا لا أقدر على السيطرة على قلبي، وربما يبالغ فيقول: إن كان دخول الجنة لا يحصل إلا عن طريق فلان؛ فأنا لا أريدها· هذا كله من الكلام الفظيع، وكله من مجاراة الشيطان والهوى·

      فيجب التوبة إلى الله سبحانه وتعالى، وصلة ما بينهم، وألا يتمادوا مع عدوهم الشيطان، ولا سيما إذا كان بينهم رابطة عائلية؛ كما في السؤال أن أحدهم معه أخت الآخر، فهذا أيضًا يؤثِّر على زوجاتهم ويؤثِّر على ذرياتهم، فينشأ الجميع متقاطعين متعادين فيما بينهم، والخطر في هذا عظيم، والواجب التوبة إلى الله سبحانه وتعالى·

       وكما في الحديث: «لا يَحِلُّ لمسلمٍ أن يَهجُرَ أخاهُ فوقَ ثلاث» (رواه الإمام مسلم في صحيحه (4/1984) من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه)؛ فالهجر – وهو ترك الكلام مع الشخص أو ترك زيارته أو الاتصال به – لا يحل فوق ثلاث، وأما إن كان لأجل دينه من أنه عاص لله ورسوله، ونُصِح، ولم يمتثل؛ فالهجر في حقه إذا كان يزجره عن المعصية ويؤثّر فيه فإنه يكون واجبًا، ولو زاد على ثلاثة أيام، حتى يتوب إلى الله سبحانه وتعالى، وهذا من حقوق الإسلام: أن يُهجَرَ العصاة الذين أبوا أن يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى حتى يتوبوا·

وقد هجر النبي[ الثلاثة الذين خُلِّفُوا خمسين يومًا، حتى نزلت توبة الله عليهم·

       أما الهجر من أجل أمر من أمور الدنيا أو لأجل ضغينة في النفوس؛ فإنه حرام إذا زاد عن ثلاثة أيام؛ كما في الحديث·

      فعلى كل حال، الواجب على هؤلاء أن يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى، وأن يصلوا ما بينهم؛ قال سبحانه وتعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} (الأنفال: 1)، وأخبر النبي[ أنَّ فساد ذات البين هو الحالِقَةُ، وبيَّن أنه يحلق الدين؛ بمعنى أنه يجني على الدين ويقضي على الحسنات؛ فالخطر هنا عظيم·

       والواجب على المسلم أن يصل رحمه وإن قطعته؛ فإنه كما في الحديث: «ليس الواصِلَ بالمُكافِئِ، ولكن الواصِلَ الذي إذا قطعَتُ رحمُة وصَلهَا» (رواه الإمام البخاري في صحيحه (7/73) من حديث عبد الله بن عمر)؛ فالواجب مواصلة ذي الرحم وإن أساء إليك وإن أخطأ في حقك؛ فإنك تواصله، ويكون هذا سببًا في تأليفه وفي ندمه على ما حصل منه؛ قال تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} (فصلت: 34 - 35)·

       وهذا يحتاج إلى صبر، ويحتاج إلى حمل على النفس، وإلى ابتعاد عن الهوى ونزغات الشيطان، ويحتاج إلى تذكر الوعيد والعقوبة العاجلة والآجلة وسوء العاقبة لمن قطع رحمه؛ فإذا تذكر الإنسان هذه الأمور واستشعرها؛ حمله ذلك على التوبة وعلى صلة الرحم؛ لأن في صلة الرحم أجرًا عظيمًا، وفي قطيعتها إثم كبير وأضرار عاجلة وآجلة، والله الموفق·

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك