تحت العشرين – 1168
الأُخوَّة الإيمانية من أوثق عُرى الإيمان
الأُخوة الإيمانية من أوثق عُرى الإيمان، وتحقيقها عبادة من أعظم العبادات، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ - رضي الله عنه -؛ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ، وَأَعْطَى لِلَّهِ، وَمَنَعَ لِلَّهِ؛ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ» صحيح - رواه أبو داود. فدل على أنَّ مَنْ لم يُحِب لله، ويُبْغِض لله، لم يستكمل الإيمان.
وقد كَثُرَ التعبير عن المسلم بالأخ في القرآن الكريم، وفي سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -؛ حتى إنَّ الله -تعالى- سمَّى وَلِيَّ القتيل أخًا للقاتل، فقال -سبحانه-: { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ } (البقرة: 178)، وسمَّى أهلَ الجنة إخوانًا، فقال: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ } (الحجر: 47). وقال -تعالى-: { وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} (الحجرات: 12)، ويقول النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لاَ يَظْلِمُهُ، وَلاَ يَخْذُلُهُ، وَلاَ يَحْقِرُهُ، بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ» رواه مسلم.
لذلك فإنَّ أعظمَ رابطة تَجْمَعُ الناسَ هي رابطة الدِّين، ليس بين المسلمين فحسب، بل بين كُلِّ قومٍ يجمعهم دين واحد، ولكنَّ المسلمين يمتازون عن غيرهم بأنهم على الحق، وأنهم على صراطٍ مستقيمٍ من الله -تعالى-، والمؤمنون إخوةٌ في جميع الأزمان من أوَّلِ الخليقة إلى آخرها، كما قال -تعالى-: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} (الحشر: 10)، وهم إِخوةٌ في جميع أقطار الأرض، وإنْ تباعدت ديارهم، يدعو بعضهم لبعض، ويستغفر بعضهم لبعض، ويُحِبُّ بعضهم بعضًا، ويُعِينُ بعضهم بعضًا على البِرِّ والتقوى، وينصح بعضهم بعضا، ويحترم بعضهم حقوقَ بعض؛ لأنَّ اللهَ رَبَطَ بينهم برابطة الإيمان.
الأصل في الأُخُوَّة الإيمانية
قال الله -تعالى- {)قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون} (يوسف 69)، وقال رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: «المؤمنُ مرآةُ المؤمنِ والمؤمنُ أخو المؤمنِ يَكفُّ عنهُ ضيعتَه ويحوطُه من ورائِهِ»، فالأصل في الأخوة الإيمانية أن يُذهِب الأخ عن أخيه البؤس والحزن، ويبعث في نفسه الطمأنينة بالود والقرب منه، ويعينه على طاعة الله، وما أجمل الحياة حين تضيق بك الدنيا فتجد فيها أخاً عزيزاً أو صديقاً حميماً يشاركك أحزانك و يُواسيك في همومك! وأجمل من ذلك حين يُقاسمك، الشراكة في العمل الصالح! {اشدد بهِ أزري وأشركهُ في أمري كي نُسبحك كثيراً ونذكرك كثيرا}؛ فالتعاون على البر والتقوى والإعانة على الطاعة والتذكير بالله أجمل معاني الأخوة.
من صور
الأخوة عند السلف
كان السلف مثالاً وقدوة لغيرهم في الأخوة والحب في الله والتعاون على التقوى، ومن هذه النماذج: في كتاب الزهد لأحمد بن حنبل، أن عمر - رضي الله عنه - كان يذكر الأخ من إخوانه بالليل، فيقول: «ما أطولها من ليلة!»؛ فإذا صلى الغداة غدا إليه، فإذا لقيه، التزمه أو اعتنقه.
مقتضيات الأخوة الإيمانية
قال الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله-: الأخوة الإيمانية التي رتبها الله -تعالى- في القرآن، ونبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - في السنة يجب أن يكون لها مقتضاها، وهو النصيحة التامة لإخوانك المؤمنين، والقيام بحقوقهم، وأن يكون الأخ المؤمن لك كأنه أخوك من النسب، ولقد بيّن النبي - صلى الله عليه وسلم -، حقوق المسلم على أخيه. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ: إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْهُ، وإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَسَمِّتْهُ، وإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وإِذَا مَاتَ فَاتْبَعْهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
من حقوق الأخوة الإيمانية
قال الشيخ صالح الفوزان: من حقوق الأخوة الإيمانية والإسلامية، التعاون بين المسلمين على البر والتقوى، والتعاون على تحصيل مصالحهم ودفع المضار عنهم، قال -تعالى-: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (المائدة:2).
واجبات الأخوة في الله
من حقوق الأخوة الإيمانية ما يلي:
• إعانة أخيك في قضاء الحوائج: قال رَسولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ ولَا يُسْلِمُهُ، ومَن كانَ في حَاجَةِ أخِيهِ كانَ اللَّهُ في حَاجَتِهِ، ومَن فَرَّجَ عن مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عنْه كُرْبَةً مِن كُرُبَاتِ يَومِ القِيَامَةِ، ومَن سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَومَ القِيَامَةِ».
• زيارة أخيك ولا سيما عند المرض: «كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل على مَن يعودُه قال: لا بأسَ، طَهُورٌ إنْ شاءَ اللهُ».
• إهداء النصيحة لأخيك: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ، قُلْنا: لِمَنْ؟ قالَ: لِلَّهِ ولِكِتابِهِ ولِرَسولِهِ ولأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وعامَّتِهِمْ».
• حفظ عرض أخيك: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ ولَا يُسْلِمُهُ»، التماس الأعذار؛ فالتماس الأعذار للإخوان من أفضل الأمور التي يمكن أن يفعلها الإنسان، فكما يقول الناس: التمس لأخيك سبعين عذراً.
مَثَلُ الأخوة في الله
قال ابن تيمية -رحمه الله-: مثل الأخوة في الله، كمثل اليد والعين، إذا دمعت العين مسحت اليد دمعها، وإذا تألمت اليد بكت العين لأجلها .
كيف تعرف ود أخيك؟
- سئل حكيم: كيف تعرف ود أخيك؟
فقال: يحمل همي، ويسأل عني، ويسد خللي، ويغفر زللي، ويذكرني بربي .
فقيل له: وكيف تكافئه؟
قال: أدعو له بظهر الغيب .
من قصص الصالحين
- جاء رجل من السلف الصالح إلى بيت صديق له، فخرج إليه فقال: ما جاء بك؟
قال: عليّ أربعمائة درهم، فدخل الدار فوزنها، ثم خرج فأعطاه، ثم عاد إلى الدار باكيا، فقالت زوجته: هلا تعللت عليه، إذا كان إعطاؤه يشق عليك؟
فقال: إنما أبكي لأني لم أتفقد حاله، فاحتاجَ أن يقول ذلك.
لاتوجد تعليقات