فن السعادة الزوجية (6) أمور تنمي الحب بين الزوجين
لقد اهتم الإسلام بالحياة الزوجية اهتماماً كبيراً، وسمى الله عقد الزواج الذي يجمع بين الرجل والمرأة بالميثاق الغليظ، كما في قوله -تعالى-: {وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً} (النساء:21)؛ لأن صلاح الأسرة يؤدي إلى صلاح المجتمع، وفساد الأسرة يؤدي إلى فساد المجتمع؛ لذلك وضعت الشريعة قواعد ثابتة للحياة الزوجية، ولم تترك شيئاً يلزم هذه الحياة إلا بيَّنت حكم الله فيه، وبينت لكل من الزوجين ما له وما عليه، وحذرت من كل ما يكدر صفو العلاقة الزوجية، بل وتوعدت كل من تسول له نفسه إفساد هذه العلاقة بأشد العذاب؛ لذلك كانت هذه السلسلة التي نستكشف فيها أسباب السعادة الزوجية.
إن النفوس البشرية جبلت على حب من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها، وإن مما يُنَمِّي الحب بين الزوجين أمور غفل أو تغافل عنها الكثير من الأزواج:
(1) الكلام العاطفي الصريح
من الأمور المهمة التي تديم الود بين الزوجين الكلام العاطفي الصريح، وكلمات الحب والغرام، فقد جاء عن عائشة -رضي الله عنها- أنها كانت تقول: «كان حبيبي - صلى الله عليه وسلم - يكره كذا وكذا» رواه أبي داود (كتاب الترجل، باب في الخضاب للنساء) والإمام أحمد (23716).
(2) المخاطبة بالكنى والألقاب
مخاطبة شريك الحياة بالكنى والألقاب الحسنة، وتدليل الأسماء أو ترقيقها أو ترخيمها، كما كان يفعل - صلى الله عليه وسلم -: كان يخاطب عائشة -رضي الله عنها-: «يا عائش». رواه البخاري (كتاب المناقب، باب فضل عائشة) ومسلم (كتاب فضائل الصحابة، باب فضل عائشة)، فأين نحن من خلق النبي - صلى الله عليه وسلم ؟ عندنا أناس لا تحسن نطق أسماء زوجاتهم أصلاً، بعضهم يقول: (انتِ وينِك؟)، أو يا (هوش)، وهذا نداء البقر عند العامَّة.
(3) المزاح والمداعبة والابتسامة
المزاح والمداعبة والابتسامة من أهم وسائل الترويح عن نفسية شريك الحياة، وكان - صلى الله عليه وسلم - يمازح زوجاته ويداعبهُن، وكان يسابق عائشة -رضي الله عنها-، وكان يقول: «وإنك لن تنفق نفقة إلا أجرت بها، حتى اللقمة ترفعها إلى فيِّ امرأتك» البخاري (كتاب الفرائض، باب ميراث البنات) ومسلم (كتاب الوصية، باب الوصية بالثلث). وهو من صور الملاطفة.
(4) الإشادة بأخلاق الطرف الآخر
أن يشيد كل طرف بخلق الآخر وحسن تعامله، وشكره عن خدماته، ونغض الطَّرف عن الهفوات والزَّلاَّت وندفنها، وعلينا بذكر الحسنات؛ فأن بعض الأزواج قد جعل صدره خزانة ومستودعاً لأخطاء زوجته - كما سبق وأن بيّنا -، فالواجب على المسلم العفو والصفح؛ لأن تتبع الهفوات من شيم اللئام.
(5) الثناء على الزوجة ومدحها
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمدح الفعل الحسن والسلوك الحسن، فثناء الزوج ومدحه لزوجته، عن حسن اختيارها للباسها، وحسن صنعها في الطعام، وحسن ترتيبها لأثاث المنـزل، واهتمامها بشؤون العائلة من أهم الأمور التي تزيد الحب والألفة بينهما.
(6) احترام مشاعر الطرف الآخر
احترام مشاعر الطرف الآخر وأحاسيسه والابتعاد عما يكدر خاطره ويجرح مشاعره، وإن مما ينغص صفو السعادة الزوجية ويكدر صفو العلاقة بينهما: ثناء المرأة على بعض الأزواج، وثناء الرجل على بعض النساء من غير محارمه.
(7) تبادل الهدايا في المناسبات
تبادل الهدايا في المناسبات؛ فإن الهدية من أكبر أسباب المحبة، كما قال رسولنا - صلى الله عليه وسلم -: «تهادوا تحابوا» انظر الإرواء (1601).
(8) احترام أهل الطرف الآخر
احترام أهل الطرف الآخر، والإشادة بهم، وبحسن تربيتهم، وعدم ذكر عيوبهم والتنقص منهم؛ فإن في ذلك إيذاء للطرف الآخر، وتنقصا له، إلا إذا كان على سبيل التحذير من عادة أو خلق معين فينصحون به.
(9) الدعاء للطرف الآخر
من المهم أنَّ يُعَوِّد الزوجان أنفسهما على أن يدعوا لبعضهما، ويرددا: عسى الله أن يجمعنا في الدنيا والآخرة؛ فإن هذا يزيد من بنيان العلاقة الزوجية ويقوي الحب بين الزوجين، مثل: ما راح أجد مثلك زوجاً، لو عادت الأيام بنا لما قبلت بزوج غيرك، ما راح آخذ زوجة وفية مثلك.
(10) التحية الحارة والوداع
التحية الحارة والوداع، عند الدخول والخروج، وعند السفر والقدوم، وعبر الهاتف، بعض الأزواج والزوجات كأن لسانهم مربوط عند التحية، وكلٌّ منا يلاحظ، على سبيل المثال: عندما يَرِنّ صوت الهاتف ويَرُدّ الزوج على زوجته، وعندما ينتهي من الحديث معها، كأن الكلام بفلوس!
(11) المسارعة في إرضاء الطرف الآخر
المسارعة في أن يرضي أحدهما الآخر، في حالة الغضب أو وجود مشكلة، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في صفات الزوجة الصالحة: «ونساؤكم من أهل الجنة: الودود، الولود، العؤود على زوجها، التي إذا غضب جاءت حتى تضع يدها في يد زوجها وتقول: لا أذوق غمضاً حتى ترضى». صححه الألباني في الصحيحة (287).
(12) التفاعل في وقت الأزمات
التفاعل من الطرفين في وقت الأزمات، كأن تمرض الزوجة أو تحمل، فتحتاج إلى عناية حسية ومعنوية، أو يتضايق الزوج بسبب ما، فيحتاج إلى عطف معنوي وإلى من يقف بجانبه، فالتّألُّم لألم الآخر له أكبر الأثر في بناء المودة بين الزوجين، وجعلها أكثر قربة ومحبة.
علاقة مقدسة
اعلما أيها الزوجين الكريمين أن العلاقة بينكما ليست علاقة دنيوية مادية، إنها علاقة روحية كريمة، وحينما تصح هذه العلاقة، وتَصدُق هذه الصلة؛ فإنها تمتد إلى الحياة الآخرة بعد الممات: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ} (الرعد:23).
لاتوجد تعليقات