من آثار التوحيد حصــول الأمــن وعصمــة الدمـــاء
تغطية – فيصل الحربي
ألقى عضو هيئة كبار العلماء فضيلة الشيخ أحمد بن علي سير مباركي محاضرة بعنوان: “أثر سلامة العقيدة على حياة الفرد وأمن المجتمع” في جامع الإمام تركي بن عبدالله قال فيها: إن مما لا ريب فيه أن كل مسلم في حاجة شديدة إلى التذكير بحق الله وحق عباده والترغيب في ذلك وفي حاجة شديدة أيضاً إلى التواصي بالحق والصبر عليه وتحمل الأذى الحاصل من جراء التمسك به، وقد أخبر الله تعالى في كتابه المبين عن صفة الناجين وأعمالهم الحميدة وعن صفة الخاسرين وأعمالهم الدنيئة؛ وذلك في آيات كثيرة من كتاب الله وسنَّة نبيه[.
وأوضح أن العلماء أجمعوا على ذلك فقد بيَّن الله تعالى في سورة العصر أسباب الفوز والربح وأنها تنحصر في أربعة هي:
أولاً: الإيمان بالله تعالى ورسوله[ وجميع ما يجب الإيمان به.
ثانياً: العمل الصالح.
ثالثاً: التواصي بالحق.
رابعاً: التواصي بالصبر على الحق.
وأضاف: أن من كمَّل هذه المقامات فاز بأعظم الربح من الكرامة والشكر للنعم في يوم القيامة ومن حاد عن هذه الصفات، ولم يتخلق بها باء بأعظم الخسران وما يتبع ذلك من الذل والهوان؛ وقد وعد الله المؤمنين وهو وعد من الرب الرحيم أن من آمن به وبرسوله إيماناً حقاً وعمل الأعمال الصالحة، فقد تكفَّل الله له بأن تطيب له حياته الدنيا والآخرة سواء كان ذكراً أم أنثى، والحياة الطيبة في الدنيا ليس من شرطها الثراء ورغد العيش ولكن قد تكون به وقد تكون بدونه، فمن أعظم أنواع الطيب في الحياة التعلق بالله والطمأنينة بذكره والأنس بمناجاته والبعد عن الحيرة والتشتت، ومن طيب الحياة أيضاً الصحة والعافية والقناعة ومحبة الخير ومحبة أهله؛ إذاً من شرط الربح والسعادة الحقيقيين والنجاة والوصول إلى الحياة الطيبة: الإيمان، وهذا هو العنصر الأول من العناصر التي سأتحدث عنها، الإيمان كما هو في عقيدة أهل السنَّة والجماعة: قول وعمل واعتقاد يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان.
مفتاح العقيدة ومفتاح الجنة
وتابع: إن هذه الجوانب الثلاثة تشمل الدين كله والإيمان درجات خصال وأعمال ولكن يجمعها كلها أنها من الإيمان وتندرج هذه الأعمال تحت اسم الإيمان، وأعلى شعب الإيمان وأساسها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله فلا إله إلا الله أعظم كلمة وهي مفتاح العقيدة ومفتاح الجنة، ومعناها: لا معبود بحق إلا الله وما عداه من الآلهة المزعومة لا تستحق العبادة، فتوحيد الله الذي نصت عليه هذه الكلمة هو أساس الدين وأول واجب على المكلف، وعليه رسالة الرسل من أولهم إلى آخرهم فمن حقق هذا التوحيد فقد بنى حياته وأعماله على أساس صالح، واستثمر حياته وأعماله استثماراً طيباً، ومن لم يحقق هذا التوحيد وقع في الشرك وقد بنى حياته وأعماله على أساس فاسد فعاقبته وخيمة، وهذا التوحيد الذي تصلح به الحياة وتزهو به الأعمال يشمل توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات وهذه الثلاثة متداخلة وبعضها متضمن لبعضها الآخر ونصوص الكتاب والسنَّة الدالة عليها لا حصر لها، فالإيمان بالله معناه الاعتقاد الكامل بأن الله تعالى رب كل شيء وأنه المستحق وحده للعبادة وأنه المتصف بصفات الكمال المنزه عن كل عيب ونقص، فهذا التوحيد إذا حققه الفرد وحققته الجماعة حصل له من الآثار العظيمة على حياته ما لم يمكن حصره، ومن هذه الآثار:
- أولاً: التعلق بالله تعالى وحده رجاء وخوفاً ورغبةً ورهبةً وتوكلاً واستعانة، وبهذا تحصل عدم الرهبة من المخلوقين والتعلق بهم والعمل الجاد في الحياة ثقة بالله وطلبا لتوفيقه وتسديده، وهذا التعلق بالله يورد الإخلاص بالأعمال كلها لله وحده وعدم النظر للمخلوقين فالكل بيد الله تعالى.
- ثانياً: حصول طمأنينة النفس وانشراح الصدر للإنسان، فمن يعبد رباً واحداً يصل إلى مراده فيعمل ما يرضيه ويتجنب ما يغضبه.
- ثالثاً: من عرف الله حقاً بأسمائه وصفاته ووحَّده في عبادته، يجعله ذلك يقوم بفعل ما أمر به واجتناب ما نهى عنه والبعد عن مساقطه ومواطنه ومحاسبة النفس على تقصيرها في جنب الله ودوام مراقبته سبحانه، وكلما قوي إيمان العبد وتوحيده قل ارتكابه للمحرمات وقل وقوعه في المعاصي، وإذا قلَّت معاصي العبد قلَّت معاصي المجتمع فانتشر الخير وعمت البركات.
كمال العقل وصحة الرأي
- رابعاً: ومن آثار التوحيد كمال العقل وصحة الرأي وسداده، وقوة الفراسة وحدة البصر.
- خامساً: ومن آثار التوحيد حصول الأمن والأمان وعصمة الدماء والأموال والأعراض فمن يؤمن بأن لا إله إلا الله ويحقق لوازمها فإنه يأمن على نفسه ويأمنها غيره ممن في المجتمع لأنه يعرف ما يحل له ويأخذه ويعرف ما يحرم عليه فيجتنبه وينكف عن الاعتداء والظلم والعدوان وهدم حظوظ الآخرين تضامناً مع عقيدته التي تملي عليه ذلك فتحل بالمجتمع المحبة والموالاة لله والتعاون على الخير والرحمة والمودة ونصرة المظلوم وكف الظالم، فحال العرب قبل الإسلام كانوا أعداء متناحرين يقومون بالسب والنهب والقتل فلما جاء التوحيد وتحقق الإيمان في قلوبهم وجوارحهم أصبحوا إخوة متحابين آمنين مطمئنين.
اجتماع القلوب
- سادساً: ومن آثار التوحيد والإيمان اجتماع القلوب على الإيمان ووحدة الكلمة، وبذلك تحصل القوة للمسلمين والانتصار على أعدائهم وحصول السيادة والاستقلال في الأرض والثبات أمام الأعداء وأمام التيارات والأفكار الباطلة والأديان الفاسدة، والاختلاف في العقيدة يسبب التفرق والنزاع والتناحر فانظر إلى حال الصدر الأول من هذه الأمة وكيف تآلفوا بهذا التوحيد وبهذه العقيدة ففتحوا العالم بأقل مدة وسادوا على الناس.
هذه بعض آثار توحيد الله تعالى والإيمان به وهذا كله من هذه الكلمة لا إله إلا الله التي إذا اعتقدها المسلم وعمل بما اقتضاها وكذلك المجتمع تحققت لهم تلك الثمار الطيبة والآثار العظيمة، وهذه الشعبة الأولى من شعب الإيمان عليها تنبني كل شعب الإيمان، ومن شعب الإيمان وأركان العقيدة الإيمان بالرسل والأنبياء من أولهم آدم عليه السلام إلى آخرهم محمد[، والإيمان بالرسل يتطلب التصديق بهم جميعاً والتصديق برسالاتهم وأنها حق من عند الله تعالى، كما يتضمن التصديق مفصلاً بما جاء في كتابه الكريم، ومن الإيمان بهم العمل بشريعة من أرسل إلينا وهو محمد[ المرسل إلى جميع الناس يوم القيامة وهو خاتم الرسل وواجب علينا تصديقه فيما أخبر من الأمور الماضية والمستقبلية كما يجب علينا طاعته فيما أمر به واجتناب ما نهى عنه {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول}، {ومن يطع الرسول فقد أطاع الله}، ومن الإيمان به[ محبته وتقديم محبته على محبة الولد والوالد والناس أجمعين، ومن الإيمان بالرسول[ العمل بشريعته وتحكيمها في جميع الأمور دقيقها وجليلها فلا تقبل شهادة أن لا إله إلا الله إلا ومعها شهادة أن محمداً رسول الله.
والإيمان بالرسل عموماً وبمحمد[ خصوصاً يورد محبتهم وتعظيمهم والثناء عليهم من غير غلو ولا جفاء لأنهم رسل بين الله وخلقه بلغوا الناس رسالة الله وأوامره ونواهيه ونصحوا للخلق وبينوا لهم كيف يعبدون الله وهذا من رحمة الله بعباده وعنايته بهم فلولا رسالة الرسل لكان الناس في ظلمات الجهل يعمهون لأن العقول البشرية لا تستقل بمعرفة تفاصيل ما يجب لله تعالى وما يستحقه من صفات الكمال، والإيمان بالرسول[ يستوجب شكر الله تعالى على هذه النعمة والتمسك بهديه وتقديم قوله على قول كل أحد؛ لأن الصراط المستقيم هو ما جاء به عليه الصلاة والسلام فإنه يجب على المسلم اتباع قول الرسول[، وكذلك المجتمع المسلم وحينئذ يكون قد رشد واهتدى وصار له نور يمشي في هذه الحياة وانحلت المشكلات وانكشفت المعضلات وخرج المجتمع من الظلمات إلى النور.
توقير وتعظيم واحترام
- فانظروا في سيرة النبي[ وسيرة الخلفاء الراشدين تجدوا ذلك واضحاً جلياً، ومن تحقيق شهادة أن محمداً رسول الله توقيره وتعظيمه واحترامه وحماية جنابه الكريم من التنقص ومن الطعن ومن الشتم؛ وبذلك تحصل العزة والكرامة والسعادة للأمة وأفراد المجتمع ومن أظهر في المجتمع شيئاً مما يحط من قدره أو يطعن في شخصه[ أو رسالته أو يعترض على حكم من أحكامة أو حديث من أحاديثه الثابتة فقد خسر خسراناً مبيناً، فإذا ظهر شتم النبي[ في المجتمع من هؤلاء السفهاء المستهينين الساخرين بالرسول[ فحري بهم أن ينتقم الله تعالى منهم ويذيقهم من العقوبات ويذهب عنهم الأمن ويسلط عليهم أنواعاً من البلاء والأذى.
ومن أمور العقيدة وشعب الإيمان، الإيمان بالملائكة الكرام عليهم الصلاة والسلام والإيمان بهم يعني التصديق بوجودهم وصفاتهم وأعمالهم والملائكة لا يحصي عددهم إلا الله، ومن أعمال الملائكة قبض الأرواح ومنهم الموكلون بالأجنة في بطون أمهاتهم ومنهم الموكلون بحفظ أعمال بني آدم وكتابتها ومنهم من يشهدون صلاة الفجر وصلاة العصر مع المصلين ومنهم الموكلون بحفظ الناس من الحوادث، وللملائكة أعمال أخرى لا يحصيها إلا من خلقهم فالإيمان بالملائكة والاعتقاد الصحيح فيهم يوردنا موارد صحيحة، ومنها:
موارد الاعتقاد الصحيح
- العلم بعظمة الله تعالى وقوته وقدرته ونصرته فإن عظم خلق الملائكة وما أُوتوا من القدرات يدل على عظمة خالقهم.
- شكر الله على عنايته ببني آدم حيث وكل عليهم من يقوم بحفظهم وحمايتهم.
- محبتهم وموالاتهم لأنهم عباد الله مطيعون له ولا يسعون إلا بالخير.
- التشبه بهم في أعمالهم الصالحة كعبادة الله والخضوع له والطاعة وترك المعصية.
- الإيمان بالملائكة يجعل الإنسان المسلم يستحيي منهم أن يرد على أمر سيئ أو أن يعمل معصية لأنهم معه أينما ذهب فلنحذر أن يكتبوا علينا شيئاً لا يليق ولا يرضي الله. وإذا استشعر المسلم هذه المعاني من إيمانه بالملائكة فإن المجتمع المسلم سيكون عامراً بالطاعات والخيرات خالياً من المعاصي والمنكرات إلا ما شاء الله.
التصديق بالكتب السماوية
- ومن الإيمان بالعقيدة الإيمان بالكتب السماوية أي التصديق الجازم بالكتب التي أنزلها الله على رسله رحمة للخلق وهداية لهم، ومن هذه الكتب ما علمناه وما لم نعلم فيجب الإيمان بها وأن أعظمها هو هذا القرآن العظيم الذي أنزله الله على نبيه محمد[ ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، وحقيقة الإيمان بهذا القرآن أنه كلام الله المحفوظ من الزيادة والنقصان والذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، أنزله الله للعمل به لينقل الناس من الظلام إلى النور، وصحائف التاريخ التي يقرأها الناس ليل نهار تشهد بهذا فعودوا إلى تاريخكم واستفيدوا من عبره تفوزوا بإذن الله، فالناس الآن مقصرون في القرآن، مقصرون في تدارسه والعمل به، فما أحوجنا اليوم إلى تصحيح معاملاتنا مع القرآن الكريم، وذلك بالتفكر فيه والاستجابة لأوامره ونواهيه وتطبيق أحكامه في جميع أمور حياتنا جليلها ودقيقها؛ فإن السعادة والراحة والطمانينة والأمن للخلق في الدنيا والآخرة مرهونة بالتمسك بهذا القرآن، الذل والهوان مرهون بالبعد عن هذا القرآن.
الإيمان باليوم الآخر
- ومن شعب الإيمان، الإيمان باليوم الآخر وحقيقته التصديق الجازم بيوم القيامة وما فيه من أهوال وضعف الناس وحسابهم على أعمالهم التي عملوها في الدنيا من خير أو شر فإما إلى الجنة أو إلى النار، ودلائل هذا اليوم كثيرة من الكتاب والسنَّة وإجماع العلماء، ومن الإيمان باليوم الآخر الإيمان بكل ما يكون بعد الموت من الإيمان بالقبر وعذابه والبعث بعد الموت، ولا شك أن الإيمان باليوم الآخر يدفع إلى الاستعداد التام لهذا اليوم بالأعمال الصالحة والبعد عن المعاصي خوفاً من الجبار في ذلك اليوم.
ومن شعب الإيمان، الإيمان بالقدر خيره وشره، والإيمان بالقدر هنا: التصديق الجازم بأن الله تعالى عارف بكل شيء جملة وتفصيلاً بما يتعلق بأعمال العباد ومقدر خيراً كان أو شراً، إلى النار أو إلى الجنة، والإيمان بالقدر على الوجه الصحيح السليم الذي جاء بالقرآن الكريم والسنَّة هو:
- الإيمان بربوبية الله جلَّ وعلا وعلمه وإحاطته وقدرته على كل شيء؛ لأن القدر جاء من عند الله ومن لم يؤمن بالقدر فقد وصفه ربه جلَّ وعلا بالجهل.
- إذا علم المسلم أن الله تعالى قادر كل شيء فإن ذلك الإيمان يجعله يخلص أموره لله تعالى ويعتمد على الله في كل شيء ويفوض أمره لله تعالى.
- أن الإيمان بالقدر يهون على الإنسان المصائب.
- البعد عن السخط والاعتراض، وعمل الخير والأعمال الصالحة.
- معرفة حكمة الله سبحانه وتعالى؛ لأن النظر في أحكام الكون وتقلباته والتدبر فيها يزيد الإيمان عند المسلم.
- الإيمان بالقدر يساعد على التوبة إلى الله عزَّ وجل.َّ
وهذه الأمور التي ذكرناها هي أركان الإيمان الستة وشعب الإيمان التي يجب أن يتدبرها المسلم.
لاتوجد تعليقات