رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 17 أكتوبر، 2022 0 تعليق

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية – الفوائد الفقهية المستفادة من قوله -تعالى-: {وَظَنَّ دَاوُودُ أَن

لا نزال مع قوله -تعالى-: {قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} (سورة ص:24)، قال الشيخ ابن سعدي: «{وَظَنَّ دَاوُدُ} حين حكم بينهما {أَنَّمَا فَتَنَّاهُ} أي: اختبرناه ودبرنا عليه هذه القضية ليتنبه {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ} لما صدر منه، {وَخَرَّ رَاكِعًا} أي: ساجدا {وَأَنَابَ} للّه -تعالى- بالتوبة النصوح والعبادة».

والمراد بالركوع المذكور في الآية (السجود)، قال القرطبي: «أي خر ساجدا، وقد يعبر عن السجود بالركوع.

قال الشاعر :

فخر على وجهه راكعا

                                                                 وتاب إلى الله من كل ذنب

     قال ابن العربي: «لا خلاف بين العلماء أن المراد بالركوع هاهنا السجود، فإن السجود هو الميل، والركوع هو الانحناء، وأحدهما يدخل على الآخر، ولكنه قد يختص كل واحد بهيئته، ثم جاء هذا على تسمية أحدهما بالآخر، فسمي السجود ركوعا».

سجود التلاوة

وسجود التلاوة: هو السجود الذي يؤدى عند قراءة آية من آيات السجدة.

واتفق الفقهاء على أن سجود التلاوة مشروع، وذهب الجمهور إلى أن سجود التلاوة سنة مؤكدة، ودليلهم:

1- عن زيد بن ثابت قال: قرأت على النبي - صلى الله عليه وسلم - (والنجم) فلم يسجد فيها متفق عليه، فلم ينكر عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أمره بالسجود، فدل على عدم الوجوب.

2- روى البخاري عن عمر أنه قرأ يوم الجمعة على المنبر سورة النحل حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد، فسجد الناس، حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها حتى إذا جاء السجدة قال: «يا أيها الناس إنا نمر بالسجود فمن سجد فقد أصاب ومن لم يسجد فلا إثم عليه»، ولم يسجد عمر - رضي الله عنه - وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكروا عليه.

 

مواضع السجود في القرآن الكريم

     وأما مواضع السجود في القرآن الكريم، فقد اتفق الفقهاء على عشرة مواضع يشرع فيها سجود التلاوة، وهي في السور الآتية : (الأعراف الرعد النحل الإسراء مريم الحج في قوله -تعالى-: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ} النمل الفرقان السجدة فصلت).

واختلفوا في مواضع:

الموضع الأول: سجدة سورة الحج الثانية

وهي قوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ} على مذهبين:

المذهب الأول: ليست من عزائم السجود، وهو قول أبي حنيفة والمالكية، ودليلهم:

     أنه جمع فيها بين الركوع والسجود فلم تكن سجدة كقوله لمريم -عليها السلام-: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} (سورة آل عمران:43)

المذهب الثاني: هي من عزائم السجود، وهو قول الجمهور، ودليلهم: عن عمرو بن العاص أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن منها ثلاث في المفصل، وفي الحج سجدتان. أخرجه أبو داود وابن ماجه.

     وهو الأظهر لقوة دليله ولأنه قول جمع من الصحابة كعمر وعليّ وابن عمر قال ابن قدامة: «ولا نعرف لهم مخالفا في عصرهم»، وأما دليل المذهب الأول فيرد عليه أن ذكر الركوع مع السجود لا يقتضي ترك السجود كما ذكر البكاء مع السجود في قوله: {خروا سجدا وبكيا}.

الموضع الثاني: سجدة سورة (ص)

وقد اختلف الفقهاء في سجدة سورة (ص) هل هي من مواضع سجود التلاوة أم لا؟ على مذهبين:

المذهب الأول: هي ليست من عزائم السجود، وهو قول الشافعية والحنابلة، ودليلهم: أنها سجدة شكر، وليست تلاوة لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «سجدها داود توبة ونسجدها شكرا» أخرجه النسائي وصححه الألباني.

المذهب الثاني: هي من عزائم السجود، وهو قول الحنفية والمالكية، ودليلهم: عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: (ص) لَيْسَتْ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ، وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يسجد فيها. روَاهُ الْبُخَارِيُّ.

     قال الصنعاني: «أي: ليست مما ورد في السجود فيها أمر ولا تحريض ولا تخصيص ولا حث، وإنما ورد بصيغة الإخبار عن داود -عليه السلام- بأنه فعلها، وسجد نبينا - صلى الله عليه وسلم - فيها اقتداء به لقوله -تعالى-: {فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ}(سورة الأنعام:90)».

     ونقل البخاري عن مجاهد قال: سألت ابن عباس: من أين سجدت؟ فقال: أوما تقرأ: {ومن ذريته داود وسليمان}؟ ( الأنعام : 84 ) إلى قوله: {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} ( الأنعام : 90) فكان داود -عليه السلام- ممن أمر نبيكم - صلى الله عليه وسلم - أن يقتدي به فسجدها داود -عليه السلام- فسجدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم ».

     وأخرج أبو داود عن أبي سعيد الخدري قال: قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على المنبر (ص) فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه، فلما كان يوم آخر قرأها فلما بلغ السجدة تشزَّن الناس للسجود، فقال: «إنما هي توبة نبي ولكني رأيتكم تشزنتم» فنزل وسجد وسجدوا. وصححه الألباني

     وهو الأظهر لقوة دليله، ولأنه ثبت عن عثمان - رضي الله عنه - أنه قرأ (ص) في الصلاة فسجد وسجد الناس معه وكان بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليه أحد، ولو لم يكن مشروعا لما جاز إدخالها في الصلاة.

الموضع الثالث: سجدات المفصل

سجدات المفصل، وهي آخر سورة النجم، وسورة الانشقاق، وسورة العلق، وقد اختلف الفقهاء فيها على مذهبين:

المذهب الأول: هي من عزائم السجود، وهو قول الجمهور ودليلهم:

1- عن عمرو بن العاص أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن منها ثلاث في المفصل وفي الحج سجدتان. أخرجه أبو داود وابن ماجه.

 2- عن أبي هريرة قال: «سجدنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في (إذا السماء انشقت) و(اقرأ باسم ربك)» رواه مسلم.

3-عن ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ سورة النجم فسجد بها، وما بقي أحد من القوم إلا سجد «متفق عليه

المذهب الثاني: لا سجود في شيء من المفصل، وهو قول المالكية في المشهور ودليلهم:

1- عن زيد قال: قرأت على النبي - صلى الله عليه وسلم - النجم فلم يسجد.

2- عن أبي الدرداء قال: سجدت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إحدى عشرة سجدة ليس فيها من المفصل شيء. رواه ابن ماجه.

     والأول أظهر لقوة دليله أما حديث زيد فقد يكون تركه لعدم وجوبه لا لأنه ليس موضع سجود، قال أبو داود: “كان زيد الإمام فلم يسجد فيها». ومعلوم أن المستمع إنما يسجد إذا سجد من يقرأ القرآن. وقد تقدم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد فيها، أما حديث أبي الدرداء فهو ضعيف.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك