رسالة إلى الدعاة الكبار
ترددتُ كثيرا في الكتابة في هذا الموضوع؛ لا لعدم أهميته ولا لتنوع فروعه، وإنما لكثرة متغيراته وسرعة تحولاته ومستجداته، ولعموم البلوى التي أحلت بديار الإسلام بسببه حتى نرى سجالاً طويلاً وجدلاً عقيماً في كل حدث، وانقسامات كبيرة وتناقضات كثيرة في مناقشة كل ما يقع؛ بين طاعن ومنافح وبين مادح وقادح.
تشخيص الواقع
تعددت التشخيصات والتحليلات لما يجري في الواقع، فمنهم من يقول: الدعاة غيروا مناهجهم، وآخر يقول: الدول تنازلت عن مبادئها، وثالث يقول: الناس تركوا دينهم، وربما تعقل أحدهم فقال: الأعداء تكالبوا على فريستهم.
واستمر المحللون الغيورون في تفسيراتهم لأحداث الواقع المتزايدة والمتسارعة؛ فقالوا:إن وسائل التواصل الاجتماعي قد أطبقت على الواقع وصارت تسيره على وفق أجندة وقواعد، في حين ذهب بعضُ المصلحين إلى عزو ما يجري من أحداث ومتغيرات إلى مؤامرات كبيرة وخطط عظيمة تريد إسقاط القدوة وتغييب النخبة وتحطيم الأسرة، وبعض الواعظين علل ما يجري من أحداث بأنها من أشراط الساعة الكبرى؛ فهي من سنن الله القدرية، في حين وقف بعضهم مع التسليم المحض بأن الأمر عظيم والخطب كبير ولا دافع له؛ {فَفِرُّواْ إِلَى اللَّهِ إِنِّى لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ}.
السبب فيما يجري في واقعنا الجديد
ومع أن كثيرًا من هذه التفسيرات دقيقة ونافعة، لكنها هي أعراض وآثار لأسباب قائمة أو أمراض باقية، أما السبب فيما يجري في واقعنا الجديد والتحول السريع، هو:
أولا: دوام الغفلة.
ثانياً: التخادم بين الشبهة والشهوة.
وثالثا: التنافس في الفُرقة والإعراض عن كل أنواع اجتماع الكلمة.
رابعاً: عدم وضوح الرؤية، والعمل بلا أهداف ولا خطط.
وخامسًا: عدم تمكين القدوات والنخب.
الحلول الشرعية
وهنا بدأت الجهود وتظافرت الهموم واشتركت القصود بضرورة الخروج من مأزق الواقع وتحديات ترك الواجب تارة بإجراء المحاسبة والمراقبة، وتارةً بتفعيل الحوار والمناصحة، وتارة ثالثة بالمشاريع الهادفة واللجان الفاعلة، لهذا أحببت المشاركة
الإجراءات العلاجية
وحتى لا يقول قائل: لقد شبعنا من التنظير، وأكثرنا من التحليل، وصرخنا بالتحذير، لكن نريد حلولا عملية وإجراءاتٍ علاجية.
أقول لهذا السائل: إن الإجراء العلاجي يبدأ من قيام المؤسسات المختصة والهيئات الفاعلة بتكليف الباحثين والمختصين من خلال المؤتمرات والندوات واللقاءات العلمية بدراسة الموضوعات التالية وتقديم التوصيات العلمية فيها؛ لأن الحل في الأمة يبدأ من (وصية عالم) أو (وصفة طبيب)؛ ولا تبدأ الحلول من الدخلاء على العلم ولا من أدعياء الطب.
وهذه الموضوعات التي ينبغي أن تكون منطلقاً للنقاش في المجلات والمؤسسات العلمية والدعوية هي ثلاثة محاور رئيسية:
- الأول: فقه المتغيرات، وضوابط التعامل معها.
- الثاني: ضوابط الانتقاد وأصول الاعتذار عند المجريات ووقوع الأحداث.
- الثالث: فقه التعامل مع وسائل الدعوة في ظل هذا الانفتاح.
فهذه رسالة إلى الدعاة الكبار حتى لا تتحول الأزمات إلى مرض عضال لا يرجى منه حصول الشفاء، والله من وراء القصد.
لاتوجد تعليقات