رحلـة البحـث عن قلـبي
عند تلاوتي لقول الله تعالى {إلا من أتى الله بقلب سليم} يقشعر جنبي وأقرأ تفسيرها للسعدي: أي سليم من الكفر والنفاق والرذيلة، نعم أخشى على نفسي وعلى من أحب، يا ربي عفوك ورضاك عنا يا رب. السؤال الذي يراودني ويراود الكثير: أين قلبي؟ وبم يُوصف وبما يُصنف؟ أقلوبنا التي في صدورنا ستوصلنا إلى الجنان العالية الجنان الغالية؟
هل تربية القلوب كتربية الأذهان والعقول؟ هل على كثرة حضوري لحلقات العلم والدروس أتربى على الصبر والتواضع هل سأقوى على الثبات على الدين كيف أنأى بنفسي عن الفتن ما ظهرمنها وما بطن؟
أكثر ما نخشاه على قلوبنا أن يتسلل إليها النفاق ويهرب منها الإخلاص دون أن نشعر بعدها ولا حول ولا قوة إلا الله بحبوط الأعمال، وإن كانت كالجبال يا الله رحماك رحماك بنا يا رب العالمين.
قبل أيام التقيت بإحدى الأخوات بعد عودتها سالمة من الحج، حدثتني عن موقف نحتاج جميعا أن نتوقف عنده كثيرا ونتأمل لعلنا نفيق من غفلتنا ونضرب بالسياط على قلوبنا التي ألفت الدعة والراحة والنعيم، لكنه وللأسف كله مآله الزوال مما لا شك فيه فالدنيا كلها ستزول، السموات والأرض والجبال والله لو أننا دوما نتذكر مشهد يوم القيامة لهانت علينا الدنيا ولخرجت من قلوبنا غير مرحب بها فهي لا تساوي عند الله جناح بعوضة ولو كانت تساوي جناح بعوضة لما سقى الله بها كافر شربة ماء كما قال [.
الموقف في مطار جدة عندما بدأت الرحلة إلى أعظم بلاد الله لأداء ركن عظيم من أركان الإسلام، إنه الحج فيه يتساوى الكبير والصغير والغني والفقير، الأبيض والأسود كلهم سواء عند رب الأرباب.
وعند الدخول - أجلكم الله - لدورات المياه كانت بحالة يرثى لها من عدم حرص الناس وللأسف على النظافة التي أوصانا بها الإسلام لكن ما الذي حصل أن الكل إشمأز من المنظر، واكتفت كل واحدة بتنظيف جزء بسيط مما تحتاجه لنفسها مع الأنفة والاشمئزاز ثم مغادرة المكان، فجأة تتقدم أخت ومعها أخرى من الجنسية الإندونسية بابتسامة شمرت يديها وتبرعت بتنظيف المكان وهي سعيدة بما تعمل، تقول الأخت إنها اندهشت من الموقف وسألتها هل تعملين هنا ؟ قالت: لا أنا حاجة، فلم تترك المكان هي ومن معها إلا وهو في غاية النظافة, والعجيب أن كل من أتت ورأت المنظر اكتفت بالمشاهدة والانتظار، بينما هذه الأخت ومن معها تنظفان دورات المياه، ظنا منهن أنهما تعملان في المطار، والحقيقة أنهما حاجتان وليستا خادمات، بل مثلهما مثلنا والفرق أنهما سعيدتان بما تقدمانه لحجاج بيت الله وهما على يقين بعظم ما قدمتاه للحاجات من عمل يصعب على أي نفس أن تقدمه، فلننظر إلى الفرق بين من يبادر بحل المشكلة وبين من يكتفي بإطلاق التذمر، الفرق كبير وكبير جدا.
فيا نفس متى تتربين? ومتى تتواضعين? ومتى تعملين? ويا قلب متى تخضع لكل ما يحبه الله ورسوله؟ نعم أتذكر أيام بداية الدعوة كنا لا نأبه أن يتوزع العمل بالرحلات بيننا، هناك من تكون مسؤولة المطبخ، وهناك من تكون مسؤولة عن تنظيم البرامج، وهناك من تكون مسؤولة عن تنظيف المكان و دورات المياه، وهكذا سيظل الإنسان إنسانا مهما ملك من نعيم الدنيا فهو ضعيف، كذلك تذكرت من المتطوعات أيام العشر الأواخر من رمضان في المسجد الكبير، فتيات قمة في رقي المعاملة نجدهن في دورات المياه تقف كل واحدة منهن ساعات طويلة توجه كبيرات السن لدورات المياه وتقدم المحارم الورقية وتبتسم وهي وسط الزحام في داخل دورات المياه!! إنهن نماذج جميلة ورائعة جمعتهن الفرحة بالمكافأة الربانية بالأجر الكبير لمساعدتهم لمن حولهن ولكسرهم الحواجز النفسية التي قد تقف أمامنا لتجعلنا عاجزين عن عمل شيء بحجة مكانتي الرفيعة.
أقول بأعلى صوت: فلنكسر, بل نحطم هذه الحواجز قبل أن تحطمنا من الداخل فبعدها يصعب علينا أن نصلح الأمور فلنسرع ونبدأ برحلتنا في البحث عن قلوبنا، وأولكم أنا سأبدأ من الآن برحلتي في البحث عن قلبي، وربي المعين.
لاتوجد تعليقات