درر الفــوائــد من اللقاءات الرمـضـــانـيــة للعــلامــــة ابــن عـثـيمـيـن رحمه الله
ما زال حديثنا مستمرًا عن درر الفوائد للشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-، من لقاءات الشيخ المباركة في شهر رمضان، بعد صلاة التراويح في جامعه بمدينة عنيزة؛ حيث كان يتكلَّم عن فضائل شهر رمضان المبارك، وجملة من الأحكام التي تختصُّ بالصيام والقيام والزكاة، ثم تُعْرَض عليه الأسئلةُ فيجيب عنها، وقد طُبِعت أسئلة وأحاديث تلك اللقاءات في كتاب بعنوان (اللقاءات الرمضانية)، وهذه بعض المباحث منها، نسأل الله الكريم أن ينفعَ بها.
الغرض من الصيام
قال الشيخ -رحمه الله-: الغرض من الصيام ليس ترويضَ البدن على تحمُّل العطش والجوع والمشقَّة، ولكن هو ترويض النفس على ترك المحبوب لرضا المحبوب، والمحبوب المتروك هو الأكل والشرب والجماع، هذه هي شهوات النفس، أما المحبوب المطلوب رضاه، فهو الله -عز وجل-، فلا بدَّ أن نستحضر هذه النية، وهي أننا نترك هذه المفطرات طلبًا لرضا الله -عز وجل.
الإنسان الموفَّق يَقلِبُ عاداته عبادات
قال الشيخ -رحمه الله-: في الإفطار، نتناول الإفطار؛ لأن الطبيعة تقتضي ذلك وتَطلُبه، فنأكله تمتُّعًا وتلذُّذًا، لكن هل نشعُر بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إذا أفْطَرَ أحدُكم، فليُفْطِرْ على رُطَبٍ، فإن لم يجد فعلى تَمْرٍ، فإن لم يجِدْ فعلى ماء»، هل نشعر بهذا؟ وأننا نفطر امتثالًا لأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم -؟ أو نشعُر بأننا نُفْطِر ونبادر بالفطور رجاء الخير؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا يزال الناسُ بخيرٍ ما عجَّلوا الفطر»، وقال -رحمه الله-: إذا انقلبت هذه النعمة التي يتمتَّع بها أكثرُ الناس تَشهِّيًا، انقلبت عبادةً، فبإمكان الإنسان الموفَّق أن يقلِب عاداتِه عباداتٍ، والغافل تكون عباداته عادات.
التوفيق بين تصفيد الشياطين في رمضان
قال الشيخ -رحمه الله-: المعاصي التي تقع في رمضان لا تُنافي ما ثبت من أن الشياطين تُصَفَّد في رمضان؛ لأن تصفيدها لا يمنع من حركتها؛ ولذلك جاء في الحديث: «تُصَفَّد فيه الشياطينُ، فلا يَخْلُصون إلى ما يَخْلُصون إليه في غيره»، وليس المراد أن الشياطين لا تتحرَّك أبدًا، بل هي تتحرَّك، وتُضِلُّ مَنْ تُضِلُّ، ولكنَّ عملَها في رمضان ليس كعملها في غيره.
فوائد السحور
قال الشيخ -رحمه الله-: السحور فيه فوائد:
- أولًا: امتثال أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه قال: «تسحَّروا».
- ثانيًا: الاقتداءُ بالرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه كان يتسَحَّر، ولم يكن بين سحُوره وبين صلاته إلا مقدار خمسين آية، فكان يُؤخِّر السحور.
- ثالثًا: أن هذه الأكلة معينةٌ على طاعة الله؛ لأن الإنسان إذا تَسَحَّر كفَاهُ ذلك كُلَّ اليوم، فأنت تشرب في اليوم - إذا لم تَكُنْ صائمًا - كثيرًا، لكن إذا كنت صائمًا، فالشرب الذي في السحور يكفيك، سبحان الله! هذا من بركته؛ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «تسحَّروا؛ فإن في السحور بركةً».
- رابعًا: إظهار المخالفة لليهود والنصارى؛ لأن هذا السحور هو فصلُ ما بيننا وبين صيام اليهود والنصارى، ولا شك أن إظهار مخالفة اليهود والنصارى مما يُقرِّبُ إلى الله: «مَن تشبَّه بقوم فهو منهم»، بل إغاظة اليهود والنصارى مما يُقرِّبُ إلى الله، بل إغاظة كُلِّ كافر مما يُقرِّب إلى الله؛ قال الله -تعالى-: {وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} (التوبة: 120)، وقال الله -تعالى- في وصف الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ومن معه قال: {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} (الفتح: 29)، لا نصانعُ الكفَّار؛ لأن الكفار لا يصانعوننا.
- خامسًا: السحور أكل، فيه التنعُّم بنِعَمِ الله، وحفظ البدن، وامتثالُ أمر الله، وغير ذلك.
لكن كل هذه الأمور تحتاج من الإنسان أن يتذكَّر، فأكثر الناس لا يتذكر، يأكلُ الأكل ويتنعَّم به ترفُّهًا بدنيًّا، لا أنه يتنعَّم به تنعُّمًا عباديًّا، إلا مَنْ شاء الله.
عدم تحويل دعاء القنوت إلى خطبة وعظ
قال الشيخ -رحمه الله-: تحويل دعاء القنوت إلى خطبة وعْظٍ؛ بحيث يذكر الجنة والنار والقبر وفِراق الأحباب، وما أشبه ذلك؛ فهذا لا شك أنه خلاف السنة؛ لأن الوعظ له وقت، والدعاء له وقت آخر، والذي ينبغي للإنسان ألَّا يشُقَّ على المأمومين بكثرة الدعاء، فكيف إذا حوَّل الدعاء إلى خطبٍ ومواعِظَ؟ فإن هذا يكون أشقَّ على الناس، وأهم شيءٍ أن يسير الإنسان في عباداته وَفْقَ ما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، هذا هو الخير والبركة، فليست العبادة ذوقًا إذا استحسَنه الإنسان، تعبَّد لله به!
شهر رمضان فرصة
قال الشيخ -رحمه الله-: إنني بهذه المناسبة أزُفُّ إلى إخواني الذين ابتُلوا بشُرْب الدُّخان نصيحة باستقبال هذا الشهر المبارك: أن يحاولوا ترك الدخان؛ لأنه يسهل عليهم ذلك في هذا الشهر أكثر من غيره؛ إذ إنهم سيكونون في النهار مُمتنعين بحُكْم الصيام، وفي الليل يتلهَّون عنه بالقراءة، أو بأيِّ شيءٍ، فيتصبَّرون في الليل، فإذا مضى شهرٌ كاملٌ وهم لم يتناولوا الدخان، انقطع عنهم بإذن الله، فهي فرصةٌ أن يتوب الإنسان من شرب الدخان، ومَنِ استعان بالله أعانه، ومن اتَّقى الله جعل له مخرجًا، ومَنِ اتَّقى الله جعل له من أمره يُسْرًا، أسأل الله أن يجعلني وإيَّاكم من المتقين.
وقال -رحمه الله-: على مَن ابتُلِيَ بالدخان أن يسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يَعصِمَه منه، وأن يَلجَأَ إلى الله، وأن يستعين به على تركه، وأن يتركه شيئًا فشيئًا، وأن يبتعد عن الذين يشربونه، حتى لا يحنُّ إليه مرةً أُخرى، والإنسان إذا أراد الله -سبحانه وتعالى- عصمته أعطاهُ عزيمةً قويَّةً؛ فإننا شاهدنا أُناسًا كانت عندهم عزيمةً، فتركوا الدخان قطعًا، ولم يعودوا إليه.
وقال -رحمه الله-: إن هؤلاء الذين ابتُلوا بشُرْب الدخان، سيجدون في أول الأسبوع مشقَّةً عظيمةً شديدةً، لكن عليهم أن يتحمَّلوا ويصبروا؛ لأنَّه وإن كان الثمنُ باهظًا، فالسلعة غالية، فسيتكلَّفون ويشُقُّ عليهم، لكن السلعة غالية، وهي أن يعصمهم الله من هذا الدخان الخبيث، وإذا مضى أسبوع تتغيَّر الأحوال، والأسبوع الثاني تتطوُّر إلى أحسن، وهَلُمَّ جرًّا، فلا يخرج هذا الشهر المبارك إلا وقد عصَم الله -تعالى- مَنْ شاء من عباده من شُرْبِ هذا الدخان الخبيث، لكن يبقى عليه أن يتعاهد هذه العصمة؛ بحيثُ يبتعد عن الذين يشربونه؛ حتى لا ينتكس بعد الاستقامة.
تناول النساء حبوبَ منع الحيض
قال الشيخ -رحمه الله-: المرأة لم تَختر أن يأتيَها الدم في رمضان، فيَمنَع صحة صومها؛ وإنما هذا شيء كَتَبهُ الله على بنات آدم، فلا تَجزَعْ مما كتب الله، فقد دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - على عائشة -رضي الله عنها- وهي تبكي، وكانت مُحرِمةً بالعُمْرة، فأتاها الحيض قبل أن تصل إلى مكة، فقال: «ما بالُكِ؟ لعلَّكِ نَفِسْتِ»؛ يعني: أتاها الحيضُ، قالت: أجل، قال: «إن هذا شيء كَتَبَه اللهُ على بنات آدم»؛ يعني: ليس خاصًّا بك، بل كل النساء تحيض، لهذا نقول للمرأة: لا تُتْعبي نفسَك وضميرك، هذا شيء مكتوب على النساء، فإذا أتاها الحيضُ فلا تَصُم، وما يفعَله بعض النساء من محاولة منع الحيض في شهر رمضان خطأٌ منهن؛ وذلك لأن هذه الموانع - الحبوب - ثبت عندنا أنها مُضِرَّة، وأنها تؤثِّر على المرأة، وعلى الرَّحِم، وعلى الدم، وعلى الأعصاب، وعلى النَّسْل؛ ولهذا نرى الآن كثرة الأولاد المشوَّهين؛ يقول بعض الأطباء: إن هذه التشوُّهات نتيجةُ تناول هذه الحبوب والعقاقير، وقال الشيخ -رحمه الله-: توجيهنا ألا تستعمل المرأة حبوبَ مَنْع الحيض من أجل أن تصوم في رمضان، وتقوم ليله؛ لأن هذا خلاف الطبيعة التي جبل الله عليها المرأة من خروج هذا الدم... ثُمَّ إنَّ في حبس الحيض إبَّان خروجه ما لا شك أنه ضررٌ على الجسم، فالذي أرى أن المرأة تُعرِضَ عن هذا، وتُبقي الأمر على طبيعته، والقضاء والحمد لله سهلٌ لا يضرُّ في مثل عهدنا هذا، فكلُّ شيء متوافر؛ تبريد المساكن متوافر، تبريد الماء متوافر، الركوب لقضاء الحاجة متوافر، كلُّ شيءٍ سهل، والحمد لله.
لاتوجد تعليقات