رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: سليمان العربيد 25 أبريل، 2021 0 تعليق

من عظيم نعم الله سعة الأوقات وقلة المشاغل والملهيات

من تدبر مرور الأيام والسنوات وسرعة انقضائها وكأنها لحظات، علم أنه كلما انقضى منها شيء اقترب العبد إلى أجله، وأزفت ساعته، ونقص عمره، وهو بعد ذلك مجزي على ما أداه فيها من الطاعات، ومؤاخذٌ على اقترافه للسيئات. قيل لمحمد بن واسع -رحمه الله-: كيف أصبحت؟ قال: «ما ظنك برجل يرتحل كل يوم مرحلةً إلى الآخرة؟»، وقال الحسن -رحمه الله-: «إنما أنت أيام مجموعةٌ، كلما انقضى منها يوم انقضى بعضُك»، والله -تعالى- لما أقسم بالعصر الذي هو الدهر بَيَنَ أن الناس جميعا في خسارة {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}.

اكتساب الأوقات في الطاعات

     فالسعيد من اكتسب تلك الأوقات في الطاعات، واغتنمها في القربات، ولم يفرط في الليالي والأيام فيما يرضي الله ذا الجلال والإكرام، والخاسر المغبون من ضيع عمره فيما لا ينفعه وفاته من الخير مالا يقدر على استدراكه، حتى إذا حان أجله ندم على ما فرط حين لا ينفع الندم {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}، وقد أمرنا المولى -سبحانه- بطاعته في جميع الأوقات، والثبات على ذلك حتى الممات، فقال: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}.

وفرة كبيرة في الوقت

     ونحن نعيش في هذه الأثناء ظروفا استثنائية؛ نتيجة الأوضاع الصحية الصعبة التي اجتاحت العالم عامة، ونال بلدنا منها ما نال غيره من البلاد، واقتضى ذلك أن تفرض السلطات المسؤولة حظرا في ساعات محددة، وهذا الإجراء مكننا من وفرةٍ كبيرةٍ في الوقت لا ينبغي أن تضيع سُدى، بل ينبغي أن نستقبلها ونشمر لها عن ساعد الجد لعلنا نستثمرها وننجز فيها مالم نستطع أن ننجزه في أيام وشهور مضت، فتكون خيرا عظيما علينا وعلى أبنائنا، وقد بين لنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - أهمية الوقت للمسلم، وحث على استغلاله واغتنامه، وحذر من التفريط فيه وتضييعه؛ فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل وهو يعظه: «اغتنم خمسا قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك». كما أخبرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن العباد مسؤولون أمام الله -تعالى- عمّا أفنوا فيه أعمارهم، وقضوا فيه أوقاتهم، فعن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه؟ وعن شبابه فيما أبلاه؟ وماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه؟ وماذا عمل فيما علم؟».

من عظيم نعم الله -تعالى

     من عظيم نعم الله -تعالى- على العبد أن يرزقه السعة في الأوقات، وقلة المشاغل والملهيات، مع صحةٍ وعافية، وإذا أعطى الله العبد هاتين النعمتين فاستغلهما في الخير فهو المفلح الرابح، ومن فرط فيهما فهو المغبون الخاسر، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس الصحة والفراغ».

استغلال الأوقات

     علينا استغلال الأوقات في الطاعات أينما كنا وفي كل زمان، ما بين قراءة قرآن وتعلم ما هو مفيد، وبين جلوس مع الأولاد ومع أهل البيت لمدارسة التوحيد، وتعلم أحكام الطهارة والصلاة، وغيرها مما يحتاجه المسلم فلا تفرطوا في النعم فإنكم محاسبون ومسؤولون.

إضاعة الوقت أشد من الموت

     يقول العلامة ابن القيم -رحمه الله-: «إضاعة الوقت أشد من الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله -تبارك وتعالى- وعن الدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها، فالدنيا من أولها إلى آخرها لا تساوي غم ساعة، فكيف بغم العمر، محبوب اليوم يعقب المكروه غدا، ومكروه اليوم يعقب المحبوب غدا، أعظم الربح في الدنيا أن تشغل نفسك كل وقت بما هو أولى بها وأنفع لها في معادها.

حال المؤمن في الدنيا

     إن حال المؤمن في هذه الدنيا كالغريب المسافر، وعابر السبيل الذي يعلم أن هذه الدار دار مفر وليس بدار مستقر، عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنكبي فقال: «كن في الدنيا كأنك غريبٌ أو عابر سبيل»، وكان ابن عمر-رضي الله عنهما- يقول: «إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك»، وقد ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحاله مع الدنيا بمثل عظيم فقال - صلى الله عليه وسلم -: «مالي ومال الدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت ظل شجرة ثم راح وتركها»، فأحسنوا عباد الله فيما بقي من أعماركم، ولا تحقروا من المعروف شيئا؛ فقد يكون فيه نجاتكم.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك