رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر المحلي 30 مارس، 2021 0 تعليق

ملتقى ثقافي توعوي أقامته تراث الجهراء – جائحة كورونا وتوجيهات شرعية

 

تحت شعار جائحة كورونا وتوجيهات شرعية، أقامت لجنة الدعوة والإرشاد في تراث الجهراء ملتقىً توعويا إيمانيا، استضافت فيه عددا من المحاضرين، وهم د. أحمد بن جمال أبو سيف، الذي ألقى محاضرة بعنوان: حسن الظن بالله، ود.عوض يحيى المعاون الذي ألقى محاضرة بعنوان: الصبر على البلاء، ود. فهد بن عبدالعزيز الكثيري وكانت محاضرته بعنوان: فضل التوكل على الله، والشيخ: حمود بن منديل الدوسري الذي كانت محاضرته: فضل الصبر على البلاء.

المحاضرة الأولى: حسن الظن بالله

      أكد د. أحمد أبو سيف في محاضرته أن حسن الظن بالله أمر عظيم، ونفعه على المؤمنين جليل، ثم بين المقصود بحسن الظن فقال: حسن الظن بالله، هو قوة اليقين بما وعد الله تعالى، وحسن الظن بالله أن تستشعر في حياتك معاني لطف الله -عز وجل- وكرمه ورحمته وحلمه ومغفرته ومعيّته للمؤمنين الموحدين، وحسن الظن بالله أن توقن بالإجابة عند الدعاء، وأن توقن بالمغفرة عند الاستغفار، وأن توقن بقبول التوبة إذا وقعت منك، معتمدًا في ذلك كله على فضل الله -عز وجل- وجوده وإحسانه، هذا هو حسن الظن بالله، نعمة عظيمة ومنة جليلة من منن الله على عباده.

أنواع الناس في الظن بالله

     ثم أشار أبو سيف إلى أن الناس في ظنهم بربهم يتفاوتون، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه يقول الله -تعالى-: «أنا عند ظن عبدي بي»، فالناس في ظنهم بالله -عز وجل- طائفتان: طائفة ظنهم بالله ظنٌ مُنْجٍ، وهؤلاء يظنون بالله خيرا، ويحسنون العمل، لأنهم متأكدون من لقاء الله، ويعلمون أن الخير بيد الله، فأحْسَنوا ظنهم بالله رجاء الخير في الدنيا، ورجاء الثواب في الآخرة، وطائفة أخرى أساؤوا ظنهم بالله، قال الله -عز وجل-: {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}. ظنوا بالله ظن السوء فأدّاهم ذلك إلى أن يقترفوا من الكبائر والمعاصي ما الله به عليم، وكان عاقبة هذا الظن قال -تعالى-: {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}، فعند كل بلية لا يستصحبون الفأل الحسن، ولا يستصحبون حسن الظن بالله.

الإقبال على الله -سبحانه

     وأكد أبو سيف على ضرورة العمل مع حسن الظن بالله من العمل، وتمام الإقبال على الله -سبحانه-، فحسن الظن بالله يكون مع طاعته والتقرب إليه، أما المقارف للشهوات، فكل ما أوغل في المعصية وابتعد عن ربه -سبحانه- ابتعد عن حسن الظن بالله، ولا يزال شيطانه يزيّن له المعصية حتى إذا انتهى إلى كثير من المعاصي حاول الإفاقة فذكّره شيطانه بعظيم جُرمه وما اقترفت يداه فيأّسه من رحمة الله -عز وجل- وأورثه سوء الظن بالله -عز وجل. قال الحسن البصري رحمه الله: «إنّ المؤمن أحسن الظن بربه فأحسن العمل، وإنّ الفاجر أساء الظن بربه فأساء العمل».

متى يتأكد حسن الظن بالله؟

كما بين أن الأصل في العبد المؤمن أنه يستحضر حسن الظن بالله -عز وجل- في جميع أحواله، لكن هذا الاستحضار يزداد تأكدًا في أحوال مختلفة ذكرها أهل العلم ودلت عليها نصوص القرآن والسنة:

الحال الأولى: عند الموت

      يعيش العبد في حياته بين الخوف والرجاء، خوف ذنوبه، ورجاء رحمة ربه، يقول أبو سليمان الداراني -رحمه الله-: «من حَسُن ظنه بالله ثم لا يخاف الله فهو مخدوع». فإذا نزل بالعبد الموت، فيستحب له تغليب جانب الرجاء وحسن الظن بالله -عز وجل- وأنه مقبل على رب كريم عفوٌ غفور رحيم، وعن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل وفاته بثلاث يقول: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يُحسن الظن بالله -عز وجل». لذلك قال علماؤنا: العبد في حال الدنيا يُغَلّب الخوف ليتخلص من المعصية، وفي حال الإقبال على الله -عز وجل- عند الموت يُغَلّب جانب الرجاء وحسن الظن. وكان السلف -رحمهم الله كما قال ابراهيم النخعي-: كانوا يستحبون أن يلقنوا العبد محاسن عمله عند موته لكي يحسن ظنه بربه -عز وجل.

الحال الثانية: عند الشدائد والكُرَب

      وأضاف، من المواطن التي تتأكد فيها حسن الظن بالله: الشدائد والكُرَب كالحال التي نحيا، فيُستحب للعبد عند شدّته وبلائه أن يستذكر فضل الله وعطائه ورحمته، ويطمع أن يدفع عنه كل شر ومكروه، ويستحضر قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «عجبًا لأمر المؤمن، إنّ أمره كله له خير، إنْ أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإنْ أصابته ضراء صبر، فكان خيرًا له». العبد متى استحضر هذا زمن البلاء، يهون عليه البلاء.

الحال الثالثة: عند الدعاء

      ثم ذكر أبو سيف الحال الثالثة التي يُستحب فيها ويتأكد حُسن الظن بالله وهي الدعاء، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة»، فالداعي إذا لم يكن متحققا في الرجاء لم يكن رجاؤه صادقا، وإذا لم يكن رجاؤه صادقا لم يكن دعاؤه خالصًا ولا الداعي، فإن الرجاء هو الباعث على الطلب، لذلك لابد عند الدعاء استحضار كرم الله، وحُسن الظن بالله، وأيضًا تُحسن ظنك بالله كما أخبرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنّ الله صَرَفَ عنك من الشر بمقدار ما طلبت من الخير، وهل بعد هذا الخير من خير؟ إنه ربٌ كريم رحيم ودود سبحانه وبحمده.

الحال الرابعة: عند التوبة والاستغفار

       كذلك أيضًا من الأحوال التي يُستحب بها حُسن الظن بالله -عز وجل-: التوبة والاستغفار، وهذا لابد من بَثّه في خلق الله، أنّ التائب إذا تاب فلابد أن يتوب ويُقبل على ربه، وفي قصة الذي قتل مئة نفس عبرة وعظة، ماذا قال له العابد؟ يأّسه من رحمة الله، قال: أين أنت من الرحمة؟! وماذا قال له العالم؟ دلّه على حُسن ظنه بالله، قال: ومن يمنعك من التوبة! لما دُلّ على حُسن الظن بالله وأنّ الله يقبله، كان ذلك سببًا لأن يُقبِل على ربه، ولمّا آيسوه من رحمة الله ازداد في طغيانه، بينما لمّا دُلّ على حُسن الظن بالله كان ذلك سببا لنجاته، فكان حُسن ظنه بالله من حُسن عمله؛ لأن التوبة عمل حسن، وكانت سببًا لنجاته عند الله -عز وجل.

كيف أُحَسِّن ظني بربي؟

      وعن كيفية إحسان العبد الظن بربه قال أبو سيف: إن أعظم سبيل لحسن الظن بالله -عز وجل- هو التَّعَبُّد له بمعرفة أسمائه وصفاته، وما اشتملت عليه من المعاني العظيمة؛ فحُسن الظن بالله فرع عن المعرفة بالله، فكل ما كان العبد أعْرَف بربه، كان أعظم رجاءً له. تذكّر أن الله غفور رحيم تواب كريم، يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، لا يتعاظمه ذنب، وأنه واسع المغفرة، وكلما ازداد حظك من معرفة ربك بأسمائه وصفاته، زاد نصيبك من حسن ظنك بالله -عز وجل. وهذه أعظم وسيلة لحسن الظن بالله -عز وجل-، لأن حسن الظن من تمام التوحيد، ومن أعظم التوحيد، توحيد الله بأسمائه وصفاته، وأيضا الوصية بتحقيق الإيمان الكامل في باب القضاء والقدر، وأن تعلم بأن الأمر كله بيد الله، فإذا جمعت هذا إلى من سبق من معرفة الله بأسمائه وصفاته اجتمع لك الخير كله.

المحاضرة الثانية: الصبر على البلاء 

      وفي المحاضرة التي ألقاها د.عوض يحيى المعاون التي كانت بعنوان الصبر على البلاء قال فيها: قد يُبتلى الإنسان بمرض أو بنقص ما، فلابد من الصبر، ولا سيما في هذه الأيام مع وجود مرض كورونا، وما له من محاذير شرعية، وما له من تداعيات على صحة الإنسان، فلابد للإنسان أن يصبر ويحتسب، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا}، يقول الله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} خوف من نقص مال، خوف من عدو، خوف من أي شيء.

وبشر الصابرين

      {وبشر الصابرين}. والبشارة هي الجنة، وقال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}. بشرط أن يكون صبرًا بغير جَزع. قال -تعالى-: {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}، قال الله -عز وجل-:{اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} الصبر أولًا ثم الصلاة، فمن جاءه ضيق فعليه أن يلجأ إلى الله -تبارك وتعالى-، فكيف بك وأنت في معية الله -عز وجل-؛ حيث قال -تعالى-: {إن الله مع الصابرين}.

مفهوم الصبر

والصبر في اللغة الحبس، حبس النفس على أمور ثلاثة: على طاعة الله، وعن محارم الله، وعلى أقدار الله المؤلمة. الصبر على طاعة الله، كالصبر على أداء الصلوات الخمس في جماعة، ويصبر ألا يغتاب أحدا.

حالات الإنسان عند المصيبة

والإنسان عندما تصيبه المصيبة له ثلاث حالات:

التسخط بالقلب واللسان

       إما أن يتسخّط بقلبه أو بلسانه، وهذا لا يجوز وهو على خلاف سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأم سلمة لمّا مات زوجها قيل لها: قولي: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيرًا منها، فقالت: من هو خير من أبي سلمة؟! وقالت الدعاء، فجاءها مَن هو خير مِن أبي سلمة وهو النبي - صلى الله عليه وسلم - وتزوجها.

الصبر والاحتساب

أما الحالة الثانية: يصبر ويحبس نفسه وهو يكره المصيبة.

الرضا

أما الحالة الثالثة: الرضا، أن يكون منشرح الصدر بهذه المصيبة مادامت هي من عند الله، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا رأى ما يكره قال: «الحمد لله على كل حال».

ماذا علينا أن نفعل؟

وأضاف، مرض كورونا طال العهد به، فماذا علينا أن نفعل؟ علينا أن نقول: الحمد لله على كل حال، ففروا إلى الله، نلجأ إلى الله بالاستغفار وبالدعاء أن يزيل الله -عز وجل- هذه الغمة، وبالدعاء الوارد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم إنا نعوذ بك من البرص والجنون والجذام ومن سيئ الأسقام» فيزيل الله -عز وجل- بعونه هذه الغمة، وعلى جميع الناس أن يستغفروا؛ لأن الاستغفار يزيل الغمة، يقول الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، وقوله: {وصابروا} كأن أحدًا يصابرك كما يصابر الإنسان عدوه في القتال والجهاد. فالفلاح كل الفلاح في الصبر.

نحن متفائلون بالله

       وأبشركم أن غُمّة كورونا إلى زوال إن شاء الله، ونحن متفائلون بالله، مثلها مثل الابتلاءات والأمراض السابقة. فلا تتسخط ولا تستهزئ بالمرض كما نرى في مواقع التواصل الاجتماعي، لأنه لا يجوز أن تستهزئ بالمرض فالنبي - صلى الله عليه وسلم - عاتب أحد الصحابة لمّا استهزأ بالحمى وقال: «إنها من الله». فلابد من صبر ولابد من احتساب الأجر.

المحاضرة الثالثة: فضل التوكل على الله 

      وفي المحاضرة الثالثة للشيخ د. فهد بن عبدالعزيز الكثيري، فتحدث فيها عن عبادة من أعظم العبادات القلبية، قال ابن رجب رحمه الله: السّير إنما يكون سَيْر القلوب لا سَيْر الأقدام، ومِن أعظم العبادات التي يجب أن تكون حاضرة في قلب المسلم ألا وهي عبادة التوكل على الله -عز وجل.

تعريف التوكل

       ثم عرف الكثيري التوكل قائلاً: للعلماء رحمهم الله تعاريف عدة، ومِن أجمع هذه التعاريف وأعظمها، هي صِدق اعتماد القلب على الله -عز وجل- مع بذل الأسباب، هذه هي حقيقة التوكل، أن يكون هناك اعتماد في قلبك على رب العزة والجلال، وتفويض للأمر إليه، وسكونٌ إلى قضائه وقدره. ويقابل ذلك فِعل الأسباب المشروعة التي أمر الله -جل وعلا- بها في تحقيق المطلوب. فلابد من هذين الأمرين، وقد جاءت آيات كثيرة وأحاديث عدة في الأمر بالتوكل، وفي الثّناء على المتوكلين، وبيان عِظَم أجرهم، يقول الله -جل وعلا- على لسان موسى: {يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ} فجاء الجواب {فقالوا على الله توكلنا}. ويقول الله -جل وعلا-: {وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا}.

استشعار عظمة الله -تعالى

       وأضاف، التوكل على الله لا يقع في قلب المسلم إلّا إذا استشعر عَظَمَة الله -جل في علاه-، ولا يكون هذا إلا إذا فوضت أمورك إليه وركنت إليه، ولذا يقول العلماء: التوكل على الله لا يأتي إلا وقد سبقه حُسن ظن بالله ومعرفةً به؛ لأن المرء لا يتوكل على أحد، ولا يفوّض أمره إليه إلّا إذا عرف قُدْرة ذلك المُتَوَكّل عليه، ولذلك إذا استشعر المرء عَظَمَة الله تبارك وتعالى وعظيم قُدرته وسلطانه النافذ في السماوات والأرض، أتى بعد ذلك تفويض القلب واعتماده على الله -عز وجل.

استعن بالله ولا تعجز

       ثم ضرب مثلا من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم  وتوكله فقال: انظر لقول النبي -  حيصلى الله عليه وسلم -نما قال: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تَعْجَز». لذلك فنبينا - صلى الله عليه وسلم  وهو قدوتنا في التوكل وهو خير المتوكلين- كان يبذل الأسباب، ألم يَلْبَس المِغْفَر في حروبه - صلى الله عليه وسلم ؟ ألم يدخل وعلى رأسه المغفر في فتح مكة؟ ألم يختبئ في الغار حينما خرج مهاجرًا من مكة إلى المدينة؟ ولمّا أمر الله -عز وجل- مريم أن تهز الجذع لتأكل وهو القادر -سبحانه- أن يُسقط عليها الثمر ابتداءَ، كان في هذا تأكيد على فعل الأسباب، فأين الخلل إذًا؟ الخلل يكون في الاعتماد على الأسباب والركون إليها ونسيان مسبب الأسباب (رب العزة والجلال).

عقوبة الغفلة عن مسبب الأسباب

      وعن الركون على السباب وحدها قال: من حِكْمَة الله -عز وجل-، أنّ الله -جل وعلا- قد اقتضت سُنّته أنّ مَن رَكَنَ إلى الأسباب واعتمد عليها، وغفل عن مسبب الأسباب (رب العزة والجلال)، فإن الله -عز وجل- يعامله بنقيض قصده من هذا السبب الذي يرجوه. ليس فقط يَخْرُج معافى سالمًا، بل يُعامل بنقيض قصده.

امتلاء القلب بمعنى التوكل

       وعن امتلاء القلب بمعاني التوكل قال الكثيري: الله -جل وعلا- أَمَرَك أنْ تتوكل عليه، وإذا امتلأ القلب بهذا المعنى، أُورث لنا ذلك الطمأنينة. {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} إذًا علام القلق والخوف إذا كان الله -جل وعلا- سيتولى أموري؟ وهو القائل: {وكفى بالله وكيلا}، وإنك إذا بذلت الأسباب فلا تلتفت إليها بعد ذلك، ولذا كان من تعريف بعض السلف لحقيقة التوكل قولهم: عدم النظر إلى الأسباب بعد تهيئة الأسباب. يعني المطلوب منك أن تفعل السبب وأنْ تسعى في بذله، فإذا فعلت فلا تلتفت إليه ولا تركن إليه، بل فوّض أمرك إلى الله.

التحذير من الشرك الخفي

       وعن الركون إلى الأسباب قال: ربّما وقع الإنسان في الشِرك الخفي حينما يركن إلى السبب وحده، يقول ابن القيم: كثير من المتوكلين إنما يركنون في حقيقة الأمر إلى الأسباب المعلومة، ولكنهم إذا غابت هذه الأسباب وذهبت، اضطربت نفوسهم، وركبهم الهَمْ وحصل لهم الغم، ولو كانوا متوكلين على الله حق توَكله، لما حصل لهم ذلك. ولذا اسْتَشْعِر دائمًا أن الخلق مهما أوتوا من القوة والقدرة والاستطاعة فإن أمرهم بيد الله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك. كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في وصيته لابن عباس: «إذا استعنت فاستعن بالله، وإذا سألت فاسأل الله».

تحقيق التوكل في ظل جائحة كورونا

        وعن تحقيق التوكل في ظل جائحة كورونا قال الكثيري إذا أردنا أنْ نستشعر هذا المعنى في ظل جائحة كورونا، فهذا الفيروس الذي لا يُرى بالعين المجردة، ما هو إلا دليل على قدرة الله -جل وعلا-، فمَنْ الذي أوجده؟ ومَنْ الذي يَقْدر على إزالته؟ الله -جل وعلا-. فنحن نبذل الأسباب، وهذا لا يُنافي التوكل مِنْ أّخْذ الدواء والسعي في البحث عنه، لكن لا نركن إلى قوتنا، ولا نركن إلى قدرتنا، ولا نركن إلى خبراتنا وإمكاناتنا، وإنما نَعْلَم أنّها مجرد أسباب، وأنّ الله -جل وعلا- هو مسبب الأسباب، إنْ شاء رفع هذا البلاء، وإن شاء أبقاه ابتلاءً وامتحانًا.

من مظاهر التوكل على الله

      وأضاف، الأمر الثاني من مظاهر التوكل على الله -جل وعلا- والتي ينبغي أنْ تَظْهَر في نفوسنا في تعاملنا في هذه الجائحة، أنْ نُحسن الظن بالله، وأنْ نتوكل على الله في أنّ هذا البلاء سيُرفَع بإذن الله. فلا يُصيب المرء القُنوط أو العجز أو الخوف والهلع من هذا المرض، وأنّه قد أهَلَك الناس، بل يُحسن التوكل على الله؛ لأن الله -عز وجل- قادر على أنْ يرفع هذا البلاء، ولكل داء دواء كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم .

تجديد التوبة لله -عز وجل

      وعن المعاني الإيمانية التي ذكرها الكثيري قال: يقول بعض أهل العلم: بعض العبادات لا تَخرُج إلّا في مواطن المِحَن والابتلاءات؛ ولذا لا يَخْلُق الله شرًا محضًا. يعني هذا البلاء وهذا الفيروس لا يمكن أن يكون شرًا محضًا؛ لأنه حينما نزل ربّما أَوْرَثَ في قلوبنا الاستكانة إلى الله، والتضرع إليه، وتجديد التوبة لله -عز وجل-، والاعتراف بقصور البشر وعدم قدرتهم، والتقرّب إلى الله بفعل الطاعات. هذه كلها مصالح ما أنتجها إلّا هذا الفيروس، وما أنتجها إلّا هذا البلاء. وربّما لولا هذا البلاء لكان الناس في غفلة وانصراف عن هذه المعاني العظيمة. لذلك لا يَخْلُق الله شرًا محضًا.

إذا لم يكن عوْنٌ من الله للفتى

                                      فأوّل ما يجني عليه اجتهاده

المحاضرة الرابعة: فضل الصبر على البلاء 

وفي المحاضرة الرابعة تحدث الشيخ: حمود بن منديل الدوسري عن معاني الصبر عند المصيبة فقال أنه على المرء يتسلى ببعض المعاني الواردة في الصبر وذكر منها ما يلي:

الإيمان بالقضاء والقدر

      وقال أن أول الأمور التي يتسلى بها المؤمن: أنْ يعلم أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأنّ ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وهذا من أهم المهمات، وهو الإيمان بالقضاء والقدر، وهو جزء لا يتجزأ عن الدين، بل هو من أهم أركان الإيمان الستة، حتى أنه في حديث جبريل أُفرِدَ بالفعل، أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ثم قال وتؤمن -ذكر الفعل مرة أخرى- بالقدر خيره وشره؛ ولذلك كثير من الصحابة أقسم، منهم حذيفة وابن مسعود وأُبي بن كعب وعبدالله بن عمر يقولون: والذي نفسي بيده لو أنفق أحدٌ مثل أحدٍ ذهبًا ما تُقُبّل منه حتى يؤمن بالقدر خيره وشره.

الإيمان بالقدر أربع مراتب

      وبين الدوسري أن الإيمان بالقدر، لابد فيه من الإيمان بأربع مراتب: الأولى: العلم، الثانية: المشيئة، الثالثة: الكتابة، الرابعة: الخَلْق، هذه المراتب أساسيات للإيمان بالقضاء والقدر، هذه الأمور الأربعة أساسيات للإيمان بالقضاء والقدر، ولذلك أول بدعة خرجت فرقة في الإسلام في عهد الصحابة تقول: ليس هناك قَدَر، وفي حديث عمر أن اثنين من التابعين ذهبا لعلهم يلقون أحدًا من صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا في حج أو عمرة، فلقوا عبدالله بن عمر، يقول أحد الرواة التابعين: فاختلفت أنا وصاحبي فظننت أنّ صاحبي سيتكلم عنّي، فسألناه قلنا: يا أبا عبد الرحمن، إنه قد خرج قِبَلنا أناس يقولون لا قدر وأنّ الأمر أُنُف، يقول: فوقف عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - وأعطاهم الاهتمام وقال: أخبرهم بأنّ ابن عمر بريء منهم، وأنهم بُرءاء من ابن عمر، والذي نفسي بيده لو أنفق أحدهم مثل أُحد ذهب ما تُقُبِّل منه حتى يؤمن بالقدر خيره وشره، ثم ساق الحديث العظيم الذي صار سياقه بسبب هذه القصة، وهو حديث جبريل، الذي رواه عمر في صحيح مسلم، والذي قال في آخره: «هذا جبريل أتاكم يُعَلّمكم دينكم»، فالدين كله في هذا الحديث.

المرض من قدر الله -تعالى

ونعلم أنّ الله -جل وعلا- يُقَدّر المرض على عباده، وكما جاء في الحديث «عجبًا لأمر المؤمن إنّ أمره كله له خير، إنْ أصابته سرّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرًا له». ولذلك يصيب الإنسان في هذه الدنيا أمران:

الأمر الأول: إمّا تكفير وإمّا ابتلاء

      التكفير قد يكون بسبب ما يجنيه الإنسان على نفسه من الذنوب التي يقترفها صباحًا ومساءً، كما جاء في الحديث «يا عبادي إنكم تخطئون بالليل وبالنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعًا، فاستغفروني أغفر لكم، فيُقَدّر الله على العبد رحمة به هذه المصائب وهذه الأمراض وهذه الهموم لكي يُكَفّر عنه ما هو أهون له من عذاب الآخرة؛ ولذلك جاء في الحديث أنّ الله إذا أراد بعبد خيرًا عَجّل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد به شرًا أخّر عقوبته في الآخرة.

       وذكر شيخ الإسلام أنّ من موانع الوعيد عشرة، منها: المصائب المُكَفّرة، سواء في نفس الإنسان أم في أهله أم ماله، والاستغفار، والتوبة، والأعمال الصالحة، ودعاء المؤمنين بعضهم لبعض، وسكرات الموت، وفتنة القبر، وشفاعة الأنبياء يوم القيامة، ثم رحمة أرحم الراحمين. هذه الموانع تمنع تحقيق الوعيد في العبد الذي قد استحق الوعيد من الله، إلّا أنْ يعفو الله عنه. ومنها إصابة الإنسان بالأمراض فيحتسب ويصبر.

الأمر الثاني: قد لا يكون عقوبة ولكن يكون ابتلاء

      والأمر الثاني الذي ذكره الدوسري مما يسلي على العبد أنَّ هذا الأمر ابتلاء من الله وتمحيص واختبار، لماذا يبتليه؟ لأنه يحبه، قد يكون الإنسان مؤمنًا حافظًا عالمًا عابدًا زاهدًا تقيًا، كل الأمور الطيبة فيه، لكن يُصاب بمرض لأن الله -جل وعلا- أراد له خيرًا، لذا يُقال: إنّ العبد المؤمن يُعِد الله له منزلة عالية في الجنة، لا يصلها بعمله، فيبتليه الله -جل وعلا- حتى يرتقي بهذا البلاء إلى هذه المنزلة العظيمة إذا صبر واحتسب، ولذلك كان أشدَّ الناس بلاء الأنبياء والرسل والأولياء والمؤمنون على قدر الإيمان، وبيّن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث بقوله: «الصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء». كذلك بيّن في الحديث قال: «واعلم أنّ النصر مع الصبر».

الحيرة في أخذ لقاح كورونا

     ثم ذكر أنَّ كثير الناس مِن الناس متحير بين أخذ لقاح كورونا وبين ترك هذا اللقاح، فماذا يفعلون؟ هذه نازلة أراد الله -عز وجل- أن يُرِي عباده بعض مظاهر قوته وقدرته، فيروس لا يُرى بالعين المجردة غيّر كل ما على الأرض من سياسات واقتصاديات وغيرها، ووجب أن نعلم أنّ هذا من القضاء والقدر، فينبغي علينا في مثل هذه الأمور أنْ نتوكل على الله، وأنْ نأخذ بالأسباب الشرعية والطبية التي أرادها الله وخلقها لنا، كما جاء في الحديث «ما أنزل الله داء إلا أنزل له دواء عَلِمه من عَلِمه وجَهِلَه مَن جَهِلَه»، وبعض الناس -مع الأسف الشديد- يتأثر بما يُقال وما يُشاع في وسائل التواصل، وأنّ هذه مؤامرة، الأمر الثاني يُقال: إنّ هذا الدواء سيسبب للناس كذا وكذا، هل أتى وحي من السماء بهذا الكلام؟! هذا عرّاف ودجّال ويدعي علم الغيب.

يجب الأخذ بالأسباب الشرعية

      وفي ختام محاضرته ثم أكد على ضرورة الأخذ بالأسباب الشرعية من التوكل على الله تعالى، ولا يتركها إلا جاهل أو صاحب هوى، أمّا المؤمن الذي يعرف الحق من الباطل فيحمد الله أنْ وفّق الناس، وعلّمهم ما لم يكونوا يعلمون، علّمهم هذا الدواء وهذا الطب، كما أنزل الداء أنزل الدواء، فيحب على الإنسان أن يأخذ اللقاح ليقي نفسه من الهلاك، ويقي من حوله من الناس، وألّا يلتفت لما يُشاع وما يُذاع من الأباطيل التي تُخالف الشرع وتُخالف العقل.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك