رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 16 مارس، 2021 0 تعليق

الشيخ الحذيفي: الأمن نعمة عظمى يَغْفُل عنها أكثر الناس

 

جاءت خطبة الحرم المدني بتاريخ 21 من رجب 1442هـ - الموافق 5/3/2021م لإمام الحرم المدني الشيخ علي بن عبدالرحمن الحذيفي مذكرًا فيها بنعم الله على عباده، ومؤكدًا على أن تَذَكُّر النعم يُزيد الإيمان ويُغيظ الشيطان، ويوجب الشكر، والشكر يعصم من الكفر، قال -تبارك وتعالى-: {فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، وقال -سبحانه-: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}. ولمّا قرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - سورة الرحمن بعد نزولها قال: «لَلْجِنُّ كانوا أحسن ردًا منكم، ما قرأت فبأي آلاء ربكما تكذبان إلا قالوا: ولا بشيء من نعمائك ربنا نُكَذِّب فلك الحمد». رواه الترمذي من حديث جابر.

أعظم النِّعَم

ثم أكد الشيخ الحذيفي أن أعظم النعم هي نعمة الإيمان والتقوى واليقين، ثم القرآن والعافية، عن أبي بكر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «سلوا الله العفو والعافية، فإنّ أحدًا لم يُعط بعد اليقين خيرًا من العافية» رواه الترمذي.

نعمة الأمن

     وأضاف، من أعظم النعم، نعمة الأمن قال الله -تعالى-: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، وقال -تعالى-: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ}، وقال -سبحانه-: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ}. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: «من أصبح معافىً في بدنه، آمنا في سربه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها» رواه الترمذي وقال حديث حسن.

يَغْفُل عنها أكثر الناس

والأمن نعمة عظمى يَغْفُل عنها أكثر الناس، ولا يقومون بشكرها ولا يتفكرون في منافعها، ولا يحرص أكثر الناس على حفظ أسباب هذه النعمة، من العمل بالطاعات ومجانبة المحرمات.

     فنعمة الأمن بهجة الحياة، وحارس ما يخاف عليه الإنسان من الحرمات والمصالح والمنافع والآمال، والأمن أخو الإسلام وقرينه وتابع الدين وخدينه، وصاحب الإسلام في كل زمان ومكان، فحيثما حلّ الإسلام صَحِبَه الأمن ولزمه، عن خباب بن الأرت - رضي الله عنه - قال: «أتيت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو متوسد بردة في ظل الكعبة، وقد لقينا من المشركين، فقلت يا رسول الله: ألا تدعو لنا ألا تستنصر لنا؟! قال: إنكم قوم تستعجلون، إنّ مَنْ كان قبلكم يُمَشّط أحدهم بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه لا يَرُدُّه ذلك عن دينه، والذي نفسي بيده ليُتِمَّن الله هذا الدين حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه». وقال - صلى الله عليه وسلم - لعدي بن حاتم: «والذي نفسي بيده ليُتِمَّن الله هذا الأمر حتى تسير الضعينة من الحيرة إلى الكعبة لا تخاف إلا الله» قال حاتم: فلقد رأيت ذلك.

الأمن الذي يحبه الله

     ثم بين الشيخ الحذيفي أن الأمن الذي يحبه الله ويرضاه وشرعه لنا هو الأمن على الدين، فلا يُفتن المسلم في دينه ولا يُغيّره إلى غيره. والأمن على الدماء، فلا يُعتدى عليها ولا تُسفك وتُضَيّع. والأمن على العقول من المسكرات والمخدرات وأسباب الأمراض. والأمن على الحرمات والأعراض، فلا تُنتهك ويعبث بها المفسدون المجرمون. والأمن على الأموال، فلا يُعتدى عليها ويتسلّط عليها أحد.

الأمن حماية للمجتمع

      وأضاف، الأمن هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو حارس الدين، وقد جعله بعض أهل العلم ركنًا من أركان الدين، والأمن حماية المجتمع من كل ضررٍ وشر وإيصال كل نفع وخير إليه، كل فرد مسلم بحسب قدرته على ذلك. وهذا الأمن لا يحققه إلا الدين الإسلامي العظيم؛ لأنه من عند الله العليم الحكيم، الرحمن الرحيم، أما القوانين التي يضعها الناس بأهوائهم فلا تحقق شيئا من هذا كله، والحمد لله أنّ دستور بلادنا القرآن والسنة.

الأمن التام

      وقد وعد الله بالأمن التام لمن لم يظلم نفسه بالشرك والكبائر والإصرار على الصغائر، قال الله -تعالى- «الذين آمنوا ولم يلبثوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون». فالأمن في الدنيا بالحياة الطيبة المباركة السعيدة في كل شيء، قال الله -تعالى-: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، فمع الأمن التام لهم الهُدى التام فلا يَضلون، وفي الآخرة أخبر الله عنهم بقوله الحق: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ}. والأمن يتسع به العمران، وتزدهر به الحياة، وتنتظم به التجارة، وتأمن معه السبل، ويتبادل معه الناس المصالح والمنافع في الأرض كلها، وتنبسط معه الآمال التي تُقَوِّي العزائم لتستبشر بالمستقبل.

اجتماع الكلمة وارتفاع الفُرقة

      ومع الأمن يتعاون المجتمع، ويتراحم، ويتناصر، وبه تجتمع الكلمة وترتفع الفُرقة، وتتيسر الأرزاق والأمور. وأعظم من منافع الدنيا ومرافق الحياة، قوة الدين بالأمن. فبالأمن تُقام شعائر الإسلام فتُقام الصلوات جماعة والجُمَع والأعياد، وتُجبى الزكاة، ويقوم الحج، وتُقام الحدود، وتُحفظ الحقوق للكل. ويُكبت العدو، ويَكُف المفسد عن إفساده قال الله -تعالى-: {فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا}، وقال -سبحانه-: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}، وقال -تعالى-: {فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}.

نعمة الأمن مرتبطة بالإسلام

     وأشار الشيخ الحذيفي إلى أنّ نعمة الأمن مرتبطة بالإسلام ارتباط الدوام واللزام قال -تعالى-: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}.

من دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم 

     ثم ذكر الشيخ الحذيفي أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو ويسأل ربه إذا رأى الهلال فيقول: «اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام هلال خير ورشد ربي وربك الله». رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. وكان يدعو قائلا: «اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، واحفظنا من بين أيدينا، ومن خلفنا، وعن أيماننا وعن شمائلنا، ومن فوقنا ونعوذ بك أن نغتال من تحتنا»، ولنا فيه - صلى الله عليه وسلم - القدوة الحسنة، فالحياة لا تطيب إلا بالأمن، ولا يتمتع الإنسان بالطيبات إلا بنعمة الأمن، وهل ينتفع الناس بالمعيشة مع فقد نعمة الأمن؟ فاسألوا الله الأمن والإيمان والعافية، واحذروا المعاصي ومُحَرّم الشهوات، وظلم النفس وظلم الإنسان لأخيه الإنسان، فإن الله حرّم على نفسه الظلم وجعله بين العباد محرما ولو كان الظلم على كافر.

سنن لا تتبدل

      فعلينا أن نشكر الله -تعالى- على نعمة الأمن والاستقرار، فما نزلت النِّقَم والعقوبات والغِيَرْ إلا بانفتاح أبواب الأهواء والشهوات، ولله -تعالى- سنن لا تتبدل يسير عليها الكون، وهل شقي بطاعة الله أحد؟! أو هل سَعِد بمعصية الله أحد؟! والله يحب الصالحين المصلحين ويكره المفسدين، فأصلح أيها العبد ما بينك وبين الله -تعالى-، يُصلح الله ما بينك وبين الناس. قال الله -تعالى-: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}، وقال -تعالى-: {نَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا}.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك