رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: إعداد: قسم التحرير 17 ديسمبر، 2020 0 تعليق

أساليب النقد وتصحيح الأخطاء (3)


ما زال الحديث مستمرًا عن أساليب النقد وتصحيح الأخطاء، وقد ذكرنا في المقال السابق بعض تلك الأساليب وهي النقد بذكر خطورة الخطأ أو ضرره، والنقد بأسلوب التعليم، والنقد بالتصحيح وإيجاد البديل، والنقد غير المباشر، ومراعاة حدود النقد وحفظ مكانة المخطئ، واليوم نستكمل ما بدأناه.

الحادي عشر: النقد باستهداف نقطة الخطأ

      إن من الحكمة أن تفهم النقطة الأساسية للخطأ حتى ترمي سهمك إلى هدف صحيح، وحتى لا تتساقط في عالم هو في الحقيقة خارج عن ميدان الخطأ، وبذلك يكون نقدك محققاً للغرض. وإليك بعض الأمثلة مما يفيد هذا الأسلوب من الأحاديث: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً، وَاكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: «ارْجِعْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ». صحيح البخاري: (كتاب النكاح 7/37)، وعن الرُّبَيِّعُ بِنْتُ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ، قَالَتِ: جَاءَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم - فَدَخَلَ حِينَ بُنِيَ عَلَيَّ، فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي، فَجَعَلَتْ جُوَيْرِيَاتٌ لَنَا، يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ وَيَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِي يَوْمَ بَدْرٍ؛ إِذْ قَالَتْ إِحْدَاهُنَّ: وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ، فَقَالَ: «دَعِي هَذِهِ، وَقُولِي بِالَّذِي كُنْتِ تَقُولِينَ». (صحيح كتاب النكاح 7/19)، وفي رواية الترمذي: «اسْكُتِي عَنْ هَذِهِ، وَقُولِي الَّتِي كُنْتِ تَقُولِينَ قَبْلَهَا». (سنن الترمذي: أبواب النكاح 3/391). وفي رواية ابن ماجه: «أما هذا فلا تقولوه، ما يعلم ما في غد إلا الله». (سنن ابن ماجه: كتاب النكاح 1/611).

     وعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ حِمْيَرَ رَجُلًا مِنَ الْعَدُوِّ، فَأَرَادَ سَلَبَهُ، فَمَنَعَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَكَانَ وَالِيًا عَلَيْهِمْ، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم  -عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لِخَالِدٍ: «مَا مَنَعَكَ أَنْ تُعْطِيَهُ سَلَبَهُ؟» قَالَ: اسْتَكْثَرْتُهُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «ادْفَعْهُ إِلَيْهِ»، فَمَرَّ خَالِدٌ بِعَوْفٍ، فَجَرَّ بِرِدَائِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَلْ أَنْجَزْتُ لَكَ مَا ذَكَرْتُ لَكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَسَمِعَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَاسْتُغْضِبَ، فَقَالَ: «لَا تُعْطِهِ يَا خَالِدُ، لَا تُعْطِهِ يَا خَالِدُ، هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي أُمَرَائِي؟ إِنَّمَا مَثَلُكُمْ وَمَثَلُهُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتُرْعِيَ إِبِلًا، أَوْ غَنَمًا، فَرَعَاهَا، ثُمَّ تَحَيَّنَ سَقْيَهَا، فَأَوْرَدَهَا حَوْضًا، فَشَرَعَتْ فِيهِ فَشَرِبَتْ صَفْوَهُ، وَتَرَكَتْ كَدْرَهُ، فَصَفْوُهُ لَكُمْ، وَكَدْرُهُ عَلَيْهِمْ».ومن قول الإمام النووي عقب هذا الحديث: «وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ يُسْتَشْكَلُ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْقَاتِلَ قَدِ اسْتَحَقَّ السَّلَبَ فَكَيْفَ مَنَعَهُ إِيَّاهُ؟ وَيُجَابُ عَنْهُ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا لَعَلَّهُ أَعْطَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْقَاتِلِ، وَإِنَّمَا أَخَّرَهُ تَعْزِيرًا لَهُ وَلِعَوْفِ بْنِ مَالِكٍ؛ لِكَوْنِهِمَا أَطْلَقَا أَلْسِنَتَهُمَا فِي خَالِدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -وَانْتَهَكَا حُرْمَةَ الْوَالِي وَمَنْ وَلَّاهُ، الْوَجْهُ الثَّانِي: لَعَلَّهُ اسْتَطَابَ قَلْبَ صَاحِبِهِ فَتَرَكَهُ صَاحِبُهُ بِاخْتِيَارِهِ، وَجَعَلَهُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ الْمَقْصُودُ بِذَلِكَ اسْتَطَابَةَ قَلْبِ خَالِدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -لِلْمَصْلَحَةِ فِي إِكْرَامِ الْأُمَرَاءِ». (شرح صحيح مسلم للإمام النووي: 12/64).

     وعن أَبُي إِدْرِيسَ الخَوْلاَنِيّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، يَقُولُ: كَانَتْ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مُحَاوَرَةٌ، فَأَغْضَبَ أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ، فَانْصَرَفَ عَنْهُ عُمَرُ مُغْضَبًا، فَاتَّبَعَهُ أَبُو بَكْرٍ يَسْأَلُهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَهُ، فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى أَغْلَقَ بَابَهُ فِي وَجْهِهِ، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَنَحْنُ عِنْدَهُ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَمَّا صَاحِبُكُمْ هَذَا فَقَدْ غَامَرَ» قَالَ: وَنَدِمَ عُمَرُ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ، فَأَقْبَلَ حَتَّى سَلَّمَ وَجَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَقَصَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -الخَبَرَ، قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: وَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يَقُولُ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَأَنَا كُنْتُ أَظْلَمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: « هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي صَاحِبِي؟ هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي صَاحِبِي؟ إِنِّي قُلْتُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا، فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقْتَ « قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: «غَامَرَ: سَبَقَ بِالخَيْرِ». (صحيح البخاري: كتاب التفسير 6/59).

وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: «لَا تُؤْذُوا خَالِدًا فَإِنَّهُ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، صَبَّهُ اللهُ عَلَى الْكُفَّارِ». (المعجم الكبير للطبراني: باب الخاء 4/104).

الثاني عشر: النقد بالإنكار الشديد وإظهار الغضب

     كما أشرنا سابقاً، لا يمكن أن يستعمل الناقد أسلوباً واحداً في كل الحالات، ومن هنا، يأتي هذا الأسلوب في حينه ليؤدي دوره، ويستثمر من فوائده، ولكن فلابد أن يصاحب هذا الأسلوب بعض الأساليب التي ذكرنا مثل: مراعاة حدود النقد، وعدم التجاوز، واستهداف نقطة الخطأ وغيرهما، وهذا طرف من الأحاديث الكثيرة التي ترشدنا إلى هذا الأسلوب: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -فَدَعَوْتُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ هَذَا؟» قُلْتُ: أَنَا، قَالَ: فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ: «أَنَا أَنَا». (صحيح مسلم: كتاب الآداب 3/1673).

     عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ، فَقَالَ: «أَلَا تُصَلُّونَ؟» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّمَا أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللهِ، فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا، فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -حِينَ قُلْتُ لَهُ ذَلِكَ، ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُدْبِرٌ، يَضْرِبُ فَخِذَهُ، وَيَقُولُ {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} (الكهف: 54). (صحيح مسلم: صلاة المسافرين).

     عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الحَارِثِ، - قالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً، فَجَاءَتْنَا امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ، فَقَالَتْ: أَرْضَعْتُكُمَا، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: تَزَوَّجْتُ فُلاَنَةَ بِنْتَ فُلاَنٍ، فَجَاءَتْنَا امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ، فَقَالَتْ لِي: إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا، وَهِيَ كَاذِبَةٌ، فَأَعْرَضَ عَنِّي، فَأَتَيْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ، قُلْتُ: إِنَّهَا كَاذِبَةٌ، قَالَ: «كَيْفَ بِهَا وَقَدْ زَعَمَتْ أَنَّهَا قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا، دَعْهَا عَنْكَ». (صحيح البخاري: كتاب الشهادات).

     عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم - على أصحابه، وهم يختصمون في القدر، فكأنما يفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب، فقال: «بهذا أمرتم، أو لهذا خلقتم؟ تضربون القرآن بعضه ببعض، بهذا هلكت الأمم قبلكم» قال: فقال: عبد الله بن عمرو، ما غبطت نفسي بمجلس تخلفت فيه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ما غبطت نفسي بذلك المجلس وتخلفي عنه. (صحيح: سنن ابن ماجه، كتاب القدر 1/33).

     عن جابر قال: كان معاذ يصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم يرجع فيؤمنا- وقال مرة: ثم يرجع فيصلي بقومه - فأخر النبي - صلى الله عليه وسلم- ليلة - وقال مرة: الصلاة وقال مرة: العشاء - فصلى معاذ مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم جاء يؤم قومه، فقرأ البقرة، فاعتزل رجل من القوم فصلى، فقيل: نافقت يا فلان، قال: ما نافقت، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم-، فقال: إن معاذا يصلي معك، ثم يرجع فيؤمنا يا رسول الله، إنما نحن أصحاب نواضح، ونعمل بأيدينا، وإنه جاء يؤمنا فقرأ سورة البقرة، فقال: «يا معاذ، أفتان أنت؟ أفتان أنت؟ اقرأ بكذا وكذا». (مسند الإمام أحمد: مسند جابر رقم 14307).

     عن النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ، أَنَّ أُمَّهُ بِنْتَ رَوَاحَةَ، سَأَلَتْ أَبَاهُ بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ مِنْ مَالِهِ لِابْنِهَا، فَالْتَوَى بِهَا سَنَةً ثُمَّ بَدَا لَهُ، فَقَالَتْ: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -عَلَى مَا وَهَبْتَ لِابْنِي، فَأَخَذَ أَبِي بِيَدِي وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أُمَّ هَذَا بِنْتَ رَوَاحَةَ أَعْجَبَهَا أَنْ أُشْهِدَكَ عَلَى الَّذِي وَهَبْتُ لِابْنِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا بَشِيرُ أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا؟» قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: «أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا، فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ». (صحيح مسلم: كتاب الهبات).

عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: أَنَّ رَجُلًا عَضَّ يَدَ رَجُلٍ، فَنَزَعَ يَدَهُ مِنْ فَمِهِ، فَوَقَعَتْ ثَنِيَّتَاهُ، فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم -فَقَالَ: «يَعَضُّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ كَمَا يَعَضُّ الفَحْلُ؟ لاَ دِيَةَ لَكَ». (صحيح البخاري: كتاب الديات).

الثالث عشر:  أسلوب الإعراض والهجران

     لا شك أن هذا الأسلوب تنكيل للمخطئ والعاصي. وكما يتضح لنا من الأمثلة الآتية، يستعمل الناقد هذا النوع لمن يرجى رجوعه عن الخطأ إن شاء الله -تعالى. ومن الأمثلة: عن أبي سعيد الخدري قال: إن رجلا قدم من نجران إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه خاتم من ذهب، فأعرض عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: «إنك جئتني وفي يدك جمرة من نار». (سنن النسائي: كتاب الزينة 8/170).

     وعن كعب بن مالك في حديثه الطويل قَالَ: وَنَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلَامِنَا، أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ، مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ، قَالَ: فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ، وَقَالَ: تَغَيَّرُوا لَنَا حَتَّى تَنَكَّرَتْ لِي فِي نَفْسِيَ الْأَرْضُ، فَمَا هِيَ بِالْأَرْضِ الَّتِي أَعْرِفُ، فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، فَأَمَّا صَاحِبَايَ فَاسْتَكَانَا وَقَعَدَا فِي بُيُوتِهِمَا يَبْكِيَانِ، وَأَمَّا أَنَا فَكُنْتُ أَشَبَّ الْقَوْمِ وَأَجْلَدَهُمْ، فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَشْهَدُ الصَّلَاةَ وَأَطُوفُ فِي الْأَسْوَاقِ وَلَا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ، وَآتِي رَسُولَ اللهِ -[-فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَأَقُولُ فِي نَفْسِي: هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلَامِ، أَمْ لَا؟ ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ وَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ، فَإِذَا أَقْبَلْتُ عَلَى صَلَاتِي نَظَرَ إِلَيَّ وَإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنِّي، حَتَّى إِذَا طَالَ ذَلِكَ عَلَيَّ مِنْ جَفْوَةِ الْمُسْلِمِينَ، مَشَيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ جِدَارَ حَائِطِ أَبِي قَتَادَةَ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّي، وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَوَاللهِ مَا رَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ. فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا قَتَادَةَ أَنْشُدُكَ بِاللهِ هَلْ تَعْلَمَنَّ أَنِّي أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ؟ قَالَ: فَسَكَتَ، فَعُدْتُ فَنَاشَدْتُهُ، فَسَكَتَ، فَعُدْتُ فَنَاشَدْتُهُ، فَقَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَفَاضَتْ عَيْنَايَ..إلى آخر الحديث. (صحيح مسلم: كتاب التوبة 4/2120).

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك