كيف تثبت أن القرآن الكريم كلام الله -تعالى؟
من أصول الدين وما لا خلاف فيه أن القرآن هو كلام الله -تعالى- المنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - بواسطة أمين الوحي جبريل -عليه السلام-، المتعبد بتلاوته في الصلاة والمتحدى بأقصر سورة منه، وأن الإيمان به واجب، وأن إنكار شيء منه ينقض الإيمان، ولما كان القرآن الكريم كلام الله -تعالى- وقد نزل يتحدى العرب والعجم منذ بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم- إلى قيام الساعة، فإنه قد حمل في آياته ما يدل على أنه كلام الله -تعالى-، وأنه لا ريب في نسبته إليه -سبحانه وتعالى-.
وقد ظهرت الافتراءات قديما وحديثاً بل ودراسات كثيرة مخالفة للإسلام، تحاول النيل من القرآن، وقد أشار الله -تعالى- إلى ذلك: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} (النحل:103)، وقال -تعالى-: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} (الفرقان: 5)، وحتى عصرنا الحديث فإن دعوات التشكيك في القرآن الكريم لم تنقض، سواء من الملحدين أم من المتدينين بدين غير الإسلام، والسؤال الآن: كيف نثبت أن القرآن كلام الله -تعالى؟ فهيا إلى الإجابة أيها القارئ الكريم.
أولاً: التحدي المعجز
ما من كاتب يستطيع أن يعتقد أن كتابه حوى الكمال، أو أنه لا يعتريه نقص، إلا القرآن الكريم فإن الله -تعالى- افتتح آياته بالتحدي المعجز فقال: {ذلك الكتاب لا ريب فيه} البقرة: والمعنى كما في تفسير الإمام ابن كثير: لا شك أنه نزل من عند الله -تعالى-، وقد تحدى الله -تعالى- العالمين بهذا القرآن فعجزوا عن الإتيان بمثله، ولو كان القرآن من عند غير الله لاستطاع البشر مضاهاته والإتيان بمثله، قال -تعالى-: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}، وقد أثبت القرآن عجز البشرية حين تحداهم أن يأتوا بمثل القرآن فعجزوا، ثم تحداهم أن يأتوا بعشر سور فعجزوا ثم تحداهم أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا قال -تعالى-: {أمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ} (هود: 13) وقال -تعالى-: {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ} (البقرة: 23).
لماذا لم يتحداهم الله أن يأتوا بآية ؟
كان من الملفت أن الله لم يتحد البشرية أن يأتوا بآية مثل آيات القرآن، فهل هذا دليل على أنهم يستطيعون الإتيان بآية؟ بالتأكيد لا، بل عدم التحدي بآية هو تعجيز لهم وإغلاق للأبواب دون أهدافهم، حتى لا يستخدم بعضهم بعض الكلمات القرآنية في جملة وجملتين ليقول هذه آية، فقطع الله الطريق دونهم، فإن استطعتم أن تستخدموا آيات القرآن نفسها لتأليف سورة أو لكلمات عربية مشابهة لتأتوا بسورة من مثله فافعلوا، ولن تفعلوا. ولعلك أخي الكريم تلاحظ إعجازاً آخر في قول الله -تعالى- لهم في سورة البقرة: {فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا} فالله هو الذي خلقهم وهو الأعلم بإمكاناتهم وما يستطيعون.
ثانياً: استحالة وجود تناقض في القرآن الكريم
جاء الجزم في القرآن الكريم بأنه لا تناقض بين آياته، فما جاء في أوله لا ينقضه آخره أو ما جاء بعده، وذلك في آية سورة النساء في قول الله -تعالى-: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} (النساء: 82 )، كيف يأتيه التناقض وهو كتاب {لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (فصلت: 42 ) وما كان من تناقض يتناقله الملحدون وغيرهم من الطاعنين في القرآن فهو تناقض في فهمهم للآيات وليس من ذلك تناقض صحيح، وما يلبث ذلك الادعاء أن يبطل بمجرد ذكر الفهم الصحيح للآيات القرآنية الكريمة. فمثلا قالوا: هناك تناقض بين قوله -تعالى: {فاصفح الصفح الجميل} (الحجر: 85 )، وقوله -تعالى-: {جاهد الكفار والمنافقين} (التوبة 73 )، وهو لا يعلم أن الأمر بالصفح كان قبل الأمر بالقتال في فترة قبل نزول آيات الجهاد.
ثالثاً: الإخبار بما سيحدث في حياة بعض الكفار
اخي القاريء الكريم، أنت تحفظ سورة (الكافرون)، تلك السورة القصيرة التي تثبت أن القرآن من عند الله -تعالى-؛ إذ جاء أربعة نفر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يقولون له: يا محمد، هلم، اتبع ديننا ونتبع دينك، تعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة، فإن كان الذي جئت به خيرا مما بأيدينا قد شركناك فيه وأخذنا بحظنا منه، وإن كان الذي بأيدينا خيرا مما في يدك قد شركت في أمرنا وأخذت بحظك، فقال: معاذ الله أن أشرك به غيره ونزلت السورة الكريمة {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} أي إنني في هذا الوقت لا أعبد آلهتكم ولا تعبدون إلهي، ثم قال لهم {وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ} أي في المستقبل من الأيام، وكان هؤلاء النفر يستطيعون أن يدعوا الإسلام فيتهم الناس النبي - صلى الله عليه وسلم - بالكذب؛ إذ كيف يقول كتابك إنهم لن يؤمنوا وها هم أولاء آمنوا ! لكن الله -تعالى- ختم على ألسنتهم وقلوبهم فأصبحت السورة دليلاً على أن القرآن كلام الله -تعالى- وهو علام الغيوب.
رابعاً: الإخبار بأحداث عالمية قبل أن تحدث ثم حدثت
كان الفرس قد انتصروا على الروم قبل نزول سورة الروم في القرآن الكريم، تلك السورة المكية التي جاءت تبيينا للعقيدة شأنها في ذلك شأن القرآن المكي، وقد أخبرت السورة في مطلعها أن الروم سينتصرون على الفرس، قال -تعالى-: {غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} (الروم 2-5) وأما فرح المؤمنين فقد كان لأن المشركين أحبوا أن ينتصر الفرس لأنهم عباد أوثان، وأما الروم فكانوا أهل كتاب. ومثل هذا الخبر لا يأتي إلا من الله -تعالى-، فدل على أن القرآن كلام الله -سبحانه- ومثل ذلك في القرآن كثير.
خامساً: الإعجاز العلمي للعرب وللعجم
لم يكن إعجاز القرآن الكريم في لغته فقط كما اتضح من الفقرتين السابقتين، بل كان إعجازه في الإخبار بالغيب، وكان أيضاً معجزا بالعلم للعرب والعجم، فكم من علوم اكتشفها العالم اليوم كان القرآن الكريم قد تحدث عنها قبل ألف وأربعمائة عام! مثل نظرية الانفجار العظيم التي تفيد بأن السموات والأرض كانتا ملتصقتين ثم انفجرتا وتفرقتا، وهذا ما جاء في سورة الأنبياء في قوله -تعالى-: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} (الأنبياء: 30 ) فهذا إخبار من الله -تعالى- بقضية علمية لم تكن معلومة آنذاك، ولم تكن لديهم القدرة لمعرفة ذلك أصلاً، ثم أثبتت النظريات العلمية أنَّ الأرض كانت جزءًا من المجموعة الشمسية في بداية الخلق ثمَّ انفصلت عنها، وبدأت تتبرَّد وتتلاءم في درجة حرارتها حتَّى أصبحت صالحة للعيش عليها، ويستند أصحاب هذه النظرية إلى وجود البراكين والحمم في باطن الأرض؛ حيث قالوا: «إنَّ هذه البراكين الموجودة في نواة الأرض إنَّما هي بقايا العهد القديم الذي كانت فيه الأرض جزءًا من الشمس». ومثل ذلك أيضاً في القرآن كثير تسطيع أيها القارئ مراجعة الأبحاث العلمية في الإعجاز العلمي في تطور الجنين في بطن الأم وكيف أن الله أخبرهم به قبل ظهور أجهزة تكشف ذلك التطور، وكذلك الإعجاز في قوله -تعالى-: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} (الأنبياء 30) وغيرها من آيات الإعجاز التي تثبت أن هذا الكلام لا يقوله بشر، وأن الله -تعالى- هو الذي تكلم به.
سادساً: التحدي بأن الله سيحفظ القرآن
جاء في سورة الحجر قوله -تعالى-: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر: 9). وقد حملت هذه الآية الكريمة في مضمونها التحدي بأن القرآن لن تطاله يد المحرفين على مر الزمان، ولو حاول أحد من الناس أن يفعل ذلك لانتهى أجله وهو يحاول ولن يستطيع؛ لأن الذي تكفل بحفظ القرآن الكريم هو الله -تعالى-، وقد حفظه بطريقين، الأولى: أنه -تعالى- حفظه مكتوباً على عهد نبيه - صلى الله عليه وسلم - ومخطوطاً ومن هذه الرقاع التي كتب عليها القرآن كان المصحف بعد ذلك، والثانية: حفظه في صدور المسلمين، يتلقاه الرجل بالسند المتصل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا من أعظم النعم التي أنعم الله بها على المسلمين (السند) بخلاف الكتب السماوية الأخرى التي حرفت وطالها انقطاع في السند قد يصل إلى مئات السنين بخلاف القرآن الكريم.
لاتوجد تعليقات