أكدوا على أنه لم يأتي بجديد العلماء فتوى الكلباني لا تستند إلى دليل علمي وتخالف إجماع الأمة
أثارت فتوى الشيخ عادل الكلباني إمام وخطيب جامع المحيسن في الرياض، التي أباح فيها الغناء، ردود فعل قوية من قبل العلماء وطلاب العلم في المملكة وغيرها، وقد أكد الكلباني أن الغناء مباح بكل حالاته سواء أكان بالموسيقى أم بدونها، شريطة إلا يصاحبها مجون أو سكر أو التلفظ بكلام ماجن، وحاول استخدام عبارات عامة لا تستند إلى دليل علمي، كما أنه لم يأت بجديد، والكلام الذي أورده لا يختلف عن كلام من سبقه كالغزالي والقرضاوي والجديع، بل يبدو أنه متأثر بكلام الجديع في الكثير من نقاشاته التي تميل إلى النقاش الفلسفي أكثر من سرد الأدلة العلمية التي لم يستطع الإتيان بها.
وقال الكلباني في بيانه: فلو كان تحريم الغناء واضحا جليا لما احتاج المحرمون إلى حشد النصوص من هنا وهناك، وجمع أقوال أهل العلم المشنعة له، وكان يكفيهم أن يشيروا إلى النص الصريح الصحيح ويقطعوا به الجدل، فوجود الخلاف فيه دليل آخر على أنه ليس بحرام بيّن التحريم، كما قرر الشافعي، وقد قال ابن كثير رحمه الله، إذ تكلم عن البسملة واختلافهم في كونها من الفاتحة أم لا، قال ما نصه: «ويكفي في إثبات أنها ليست من الفاتحة اختلافهم فيها».
وأضاف: وإني أقول مثل ذلك: يكفي في إثبات حل الغناء أن النبي [ لم يحرمه نصا، ولم يستطع القائلون بالتحريم أن يأتوا بهذا النص المحرم له، مع وجود نصوص في تحريم أشياء لم يكن العرب يعرفونها كالخنزير، وتحدث عن أشياء لم يكونوا يحلمون بها كالشرب من آنية الذهب والفضة، ومنعوا من منع النساء من الذهاب إلى المساجد مع كثرة الفتن في كل زمان.
ولم يستطع الكلباني أن يأتي بدليل ينهض لتقوية ما ذهب إليه أقوى من أن الغناء كان موجودا ومسموعا ومنتشرا حيث قال: وهذا دليل من أقوى الأدلة على إباحته؛ حيث كان موجودا ومسموعا، ومنتشرا، حتى إن النبي [ قال لعائشة: «هذه قينة بني فلان». أتراه يعلم أنها مغنية ولم ينهها عن الغناء، ولم يحذر من سماعها؟! بل على العكس من ذلك فقد قال لعائشة: «أتحبين أن تغنيك»! فسبحان الله كيف تعارض مثل هذه النصوص بالمشتبهات من نصوص التحريم، ثم يعاب على المتمسك بالنص الواضح الصريح، الصحيح؟!
وأضاف: فعلى هذا فإن الذي أدين الله تعالى به، هو أن الغناء حلال كله، حتى مع المعازف، ولا دليل يحرمه من كتاب الله ولا من سنة نبيه [، وكل دليل من كتاب الله تعالى استدل به المحرمون لا ينهض للقول بالتحريم على القواعد التي أقروها، واعتمدوها، وكذا لم يصح من سنة نبينا وحبيبنا [، بأبي هو وأمي، شيء يستطيع المرء أن يقول بأنه يحرم الغناء بآلة أو بدون آلة، وكل حديث استدل به المحرمون إما صحيح غير صريح، وإما صريح غير صحيح، ولا بد من اجتماع الصحة والصراحة لنقول بالتحريم.
واستخدم الكلباني في بيانه لإباحة الأغاني والمعازف ألفاظا غير مهذبة ضد العلماء وطلاب العلم عندما قال: هناك فئة كبيرة من علمائنا وطلبة العلم منا مصابون بجرثومة التحريم.
اتهام عريض لعلماء المسلمين
من جانب آخر، فقد رفض الفتوى الباحث الإسلامي د. محمد الحمود النجدي ودعا إلى عدم الأخذ بها أو الالتفات إلى الأقوال الشاذة المخالفة لنصوص القرآن والسنة النبوية؛ لأن النصوص المنقولة عن الأئمة الأربعة كلها تصرح بتحريم الغناء والموسيقى، وتساءل النجدي هل اطلع الشيخ الكلباني على ما لم يطلع عليه علماء المسلمين وأئمتهم في الكتاب والسنة، أم إنه فطن إلى شيء وعرف شيئا لم يعرفه العلماء والفقهاء السابقون ولم يفطنوا إليه، أم إن علماء المسلمين اتفقوا على خطأ شرعي.
ألا يرى إلى المغنيات وهن يغنين في الحفلات والشاشات، كيف تكون الواحدة منهن في قمة التبرج واللبس العاري الذي لا يستر مفاتن المرأة ومحاسنها؟! بل يكاد الغناء اليوم أن يكون كله مصحوبا بالرقص الخليع، وهو ما يسمى: الفيديو كليب، والذي تتكسر فيه المرأة وتتلوى أمام المشاهدين، وتغريهم بحركاتها الفاسدة، فهل يرى الشيخ جواز الغناء مع رقص الراقصات أيضا؟! أم إنه يجوّز سماع غنائهن مع تغميض العينين عنهن في هذه الحالة؟!
وعن التشدد في التحريم علق د.النجدي قائلاً: وأما قول الكلباني هداه الله: هناك فئة كبيرة من علمائنا وطلبة العلم منا مصابون بجرثومة التحريم؟! فلا يرتاح لهم بال إلا إذا أغلقوا باب الحلال، وأوصدوه بكل رأي شديد، يعجز عن فكه كل مفاتيح الصلب والحديد؛ لأنه يغلق العقول فلا تقبل إلا ما وافقها، لأنها اعتقدت واقتنعت بما رأت.
فنقول: هذا اتهام عريض لعلماء المسلمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله، لا نملك حياله إلا نقول: حسبنا الله ونعم الوكيل! إذا كان هذا ظنك بعلماء المسلمين وأئمتهم، فماذا سيكون حال بقية المسلمين وعامتهم؟!
ومن جانبه يتساءل الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم عضو مركز الدعوة والإرشاد بالرياض في رده على من يرى بجواز استماع آلات الموسيقى اعتمادا على فتوى ضعيفة ويقول لا إنكار في مسألة خلافية، حيث قال: بماذا نرد على من يرى بجواز استماع آلات الموسيقى اعتمادا على فتوى ضعيفة ويقول لا إنكار في مسألة خلافية؟
وأجاب قائلا: ما من مسألة إلاَّ وفيها خِلاف، والخلاف قد يكون قويّاً، وقد يكون ضعيفاً؛ ولذا قيل:
وليس كل خلاف جاء معتبرا
إلاَّ خِلافا له حَظّ مِن النظرِ
والخلاف في هذه المسألة ضعيف، كما أن من العلماء من لا يعتدّ أصلاً بخلاف ابن حزم إذا انفرد .
قال الإمام النووي في (المجموع) في مناقشة مسألة أخرى: فكأنهم لم يعتدوا بخلاف داود، وقد سبق أن الأصح أنه لا يُعتد بخلافه، ولا خلاف غيره من أهل الظاهر؛ لأنهم نفوا القياس، وشرط المجتهد أن يكون عارفا بالقياس . اهـ .
والْمُخالِف في مسألة الغناء إما عالِم لَم تبلغه أحاديث التَّحْريم، وإما أن يَكون ضعَّف أحاديث التحريم، كابن حَزم، مع أن مِن العلماء من لا يعتدّ أصلا بِمخالفة الظاهرية كَما تقدَّم .
والإنكار مُتعيِّن في مثل هذه المسألة، ولو أجرينا قولهم : « لا إنكار في مسائل الْخِلاف» لَمَا أُنْكِر مسألة واحِدة ؛ لأنه لا تُوجَد مسألة إلاَّ وفيها خِلاف في الغالب!
والضابِط في عدم الإنْكَار في المسائل الْخِلافية هو ما يَكون في المسائل التي يَكون الْخِلاف فيها سائغا، أما الخلاف الضعيف فلا يُعتبر ولا يُعتَدّ به، وقد أنْكَر عمر رضي الله عنه على طَويس المغنِّي، وجاء عن عمر رضي الله عنه أنه كسر آلته.
وقد نصّ الفقهاء على أن من كسر آلة غِناء لا يضمنها، وقد كان يُعَدّ مِن العيب في الجواري أن تَكون مُغنِّيَة.
وسنورد هنا بعضا من أقوال العلماء وأئمة المذاهب الإسلامية عن حرمة الأغاني والمعازف التي تبين أن المجيزين لا يستندون إلى أدلة علمية، ولكنهم يقلدون أقوال من سبقهم التي تدور في فلك الإباحة المطلقة ضاربين بالأدلة الشرعية عرض الحائط.
أقوال أئمة أهل العلم:
قال الإمام عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه: الغناء مبدؤه من الشيطان وعاقبته سخط الرحمن (غذاء الألباب): ولقد نقل الإجماع على حرمة الاستماع إلى الموسيقى والمعازف جمع من العلماء منهم: الإمام القرطبي وابن الصلاح وابن رجب الحنبلي، فقال الإمام أبو العباس القرطبي: الغناء ممنوع بالكتاب والسنة، وقال أيضا: «أما المزامير والأوتار والكوبة (الطبل) فلا يختلف في تحريم استماعها، ولم أسمع عن أحد ممن يعتبر قوله من السلف وأئمة الخلف من يبيح ذلك، وكيف لا يحرم وهو شعار أهل الخمور والفسوق ومهيج الشهوات والفساد والمجون؟ وما كان كذلك لم يشك في تحريمه ولا تفسيق فاعله وتأثيمه» (الزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر الهيثمي). وقال ابن الصلاح: «الإجماع على تحريمه، ولم يثبت عن أحد ممن يعتد بقوله في الإجماع والاختلاف أنه أباح الغناء».
وقال القاسم بن محمد رحمه الله: «الغناء باطل، والباطل في النار».
وقال الحسن البصري رحمه الله: «إن كان في الوليمة لهو –أى غناء و لعب- فلا دعوة لهم» (الجامع للقيرواني).
وقال النحاس رحمه الله: «هو ممنوع بالكتاب والسنة، وقال الطبري»: «وقد أجمع علماء الأمصار على كراهة الغناء، والمنع منه». ويقول الإمام الأوزاعي رحمه الله: «لا تدخل وليمة فيها طبل ومعازف».
وقال ابن القيم رحمه الله في بيان مذهب الإمام أبي حنيفة: «وقد صرح أصحابه بتحريم سماع الملاهي كلها كالمزمار والدف، حتى الضرب بالقضيب، وصرحوا بأنه معصية توجب الفسق وترد بها الشهادة، وأبلغ من ذلك قالوا: إن السماع فسق والتلذذ به كفر، وورد في ذلك حديث لا يصح رفعه، قالوا: ويجب عليه أن يجتهد في ألا يسمعه إذا مر به أو كان في جواره» (إغاثة اللهفان).وروي عن الإمام أبي حنيفة أنه قال: «الغناء من أكبر الذنوب التي يجب تركها فوراً». وقد قال الإمام السفاريني في كتابه (غذاء الألباب) معلقاً على مذهب الإمام أبو حنيفة: «وأما أبو حنيفة فإنه يكره الغناء ويجعله من الذنوب، وكذلك مذهب أهل الكوفة سفيان وحماد وإبراهيم والشعبي وغيرهم، لا اختلاف بينهم في ذلك، ولا نعلم خلافا بين أهل البصرة في المنع منه».
وقد قال القاضي أبو يوسف تلميذ الإمام أبي حنيفة حينما سُئِل عن رجل سمع صوت المزامير من داخل أحد البيوت فقال: «ادخل عليهم بغير إذنهم؛ لأن النهي عن المنكر فرض».
أما الإمام مالك فإنه نهى عن الغناء وعن استماعه، وقال رحمه الله عندما سُئِل عن الغناء و الضرب على المعازف: «هل من عاقل يقول بأن الغناء حق؟ إنما يفعله عندنا الفساق» (تفسير القرطبي). والفاسق في حكم الإسلام لا تُقبَل له شهادة ولا يصلي عليه الأخيار إن مات، بل يصلي عليه غوغاء الناس وعامتهم.
وقال ابن القيم رحمه الله في بيان مذهب الإمام الشافعي رحمه الله: «وصرح أصحابه - أي أصحاب الإمام الشافعى - العارفون بمذهبه بتحريمه، وأنكروا على من نسب إليه حله كالقاضي أبي الطيب الطبري والشيخ أبي إسحق وابن الصباغ» (إغاثة اللهفان). وسئل الشافعي رضي الله عنه عن هذا؟ فقال: «أول من أحدثه الزنادقة في العراق حتى يلهوا الناس عن الصلاة وعن الذكر» (الزواجر عن اقتراف الكبائر).
قال ابن القيم رحمه الله في بين مذهب الإمام أحمد: «وأما مذهب الإمام أحمد فقال عبدالله ابنه: سألت أبي عن الغناء فقال: الغناء ينبت النفاق بالقلب، لا يعجبني، ثم ذكر قول مالك: إنما يفعله عندنا الفساق» (إغاثة اللهفان). وسئل رضي الله عنه عن رجل مات وخلف ولداً وجارية مغنية فاحتاج الصبي إلى بيعها، فقال: «تباع على أنها ساذجة» لا على أنها مغنية، فقيل له: إنها تساوي ثلاثين ألفاً، ولعلها إن بيعت ساذجة تساوي عشرين ألفاً، فقال: لا تباع إلا على أنها ساذجة. قال ابن الجوزي: «وهذا دليل على أن الغناء محظور؛ إذ لو لم يكن محظوراً ما جاز تفويت المال على اليتيم» (الجامع لأحكام القرآن). ونص الإمام أحمد رحمه الله على كسر آلات اللهو كالطنبور وغيره إذا رآها مكشوفة، وأمكنه كسرها» (إغاثة اللهفان).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «مذهب الأئمة الأربعة أن آلات اللهو كلها حرام...ولم يذكر أحد من أتباع الأئمة في آلات اللهو نزاعا» (المجموع). وقال أيضا: «فاعلم أنه لم يكن في عنفوان القرون الثلاثة المفضلة لا بالحجاز ولا بالشام ولا باليمن ولا مصر ولا المغرب ولا العراق ولا خراسان من أهل الدين والصلاح والزهد والعبادة من يجتمع على مثل سماع المكاء والتصدية، لا بدف ولا بكف ولا بقضيب، وإنما أحدث هذا بعد ذلك في أواخر المائة الثانية، فلما رآه الأئمة أنكروه» وقال في موضع آخر: «المعازف خمر النفوس، تفعل بالنفوس أعظم مما تفعل حُمَيّا الكؤوس» (مجموع الفتاوى).
لاتوجد تعليقات