أكذوبة أرض الميعاد
قال الله -تعالى-: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله}(الإسراء: 1)، وفي السنة ما جاء في زيادة أجر الصلاة في المسجد الأقصى، ولقد كانت تحركات اليهود نحو فلسطين قائمة على نصوص محرفة ووعود مكذوبة، أَضْفَتْ على هذا الصراع طابعاً دينياً؛ فدافعوا واستماتوا، وقد استطاع اليهود في غفلة منا -نحن المسلمين- الاستيلاء على فلسطين، كما استطاعوا أيضاً في غفلة منا أن يضموا إلى جوارهم العالم الغربي ليكون لهم منه أنواع الدعم بأشكالها المختلفة، ومن ساعتها والصراع قائم حول تلك الأرض التي ذكرها الله -عز وجل- في القرآن الكريم.
هل هناك اهتمام إسلامي؟
من الإجحاف والتعدي الكبير أن ننفي الاهتمام، لكن من الإنصاف ومصارحة النفس ونقد الذات، أن نعترف أن اهتمام المسلمين بقضية القدس، بدأ التراجع فيه منذ فترة ليست بالقليلة، بل وصل الأمر عند بعضهم إلى جعلها قضية محلية، استخدمت فيها بعض الشعارات مثل: حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، أو حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة؛ فبعدما كانت القضية إسلامية، أصبحت عربية، ثم انتهى بها المطاف لتكون مشكلة فلسطينية.
بداية الأكذوبة
في الوقت الذي يُعِدُّ فيه بعض المسلمين قضية القدس قضية فلسطينية كان لليهود توجه آخر، وهو أنهم تحركوا بناء على كذبتين كبيرتين، وجعلوهما منطلقا لدفاعهم عن هذه القضية:
- أولا: أكذوبة الحق الديني؛ حيث زعموا أن الله -تعالى- وعد أنبياءهم بتلك الأرض، وركزوا في هذا الادعاء على مجموعة من النصوص الموجهة لإبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، -عليهم السلام- ولنسلهم من بعدهم.
- ثانياً أكذوبة الحق التاريخي؛ إذ يدعون أن اليهود كانت لهم مملكة قديمة على هذه الأرض، وهي مملكة داود وسليمان؛ ولذا فإنهم يسعون الآن لإعادة هذه المملكة، والحق أن من أوجب الفرائض في هذه القضية، أن تُوعَّي الشعوب -على اختلاف أجيالهم- بهذه الأكذوبة حتى لا يكونوا فريسة لعمليات تقزيم القضية، وتحويلها عندهم من إسلامية إلى محلية.
الوعود المكذوبة
وقد أسس اليهود وجودهم في الأرض المقدسة على مجموعة من الوعود المكذوبة من أهمها:
أولاً: الوعد لنبي الله إبراهيم -عليه السلام:
يدعي اليهود دائماً أن بداية وجودهم في فلسطين، كانت يوم دخلها سيدنا إبراهيم بحسب زعم كتابهم، والله -تعالى- ينفي ذلك؛ كون سيدنا إبراهيم يهوديًا؛ فيقول -سبحانه-: {ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين}(آل عمران: 67).
ثانياً: من أفرى الفرى استئثار اليهود بنسبهم لسيدنا إبراهيم -عليه السلام-؛ لأنه أيضاً جد للعرب، ومن النصوص التي يعتمدون عليها ما جاء في سفر التكوين: «واجتاز إبرام في أرض إلى مكان شكيم -مدينة نابلس الحالية- إلى بلوطة مورة -موضع قريب من نابلس- وكان الكنعانيون حينئذ في الأرض، وظهر الرب لإبرام، وقال لنسلك أُعطي هذه الأرض».
ثالثاً: الوعد لنبي الله إسحاق
نؤمن -نحن المسلمين- أن ميراث سيدنا إسحاق من سيدنا إبراهيم، كان ميراث النبوة، بينما يؤمن اليهود أنه ورث الأرض كذلك، ومن أعظم جرائمهم في ذلك أنهم يعطون هذا الإرث لإسحاق دون أخيه إسماعيل حتى لا يكون لغيرهم ملك في هذه الأرض، يقول العهد القديم: «قال إبراهيم لله ليت إسماعيل يعيش أمامك فقال الله: سارة امرأتك تلد لك ابناً وتدعو اسمه إسحق وأقيم عهدي معه عهداً أبدياً لنسله من بعده» (سفر التكوين: 17 / 18، 19). وأنت ترى أيها القارئ الكريم أنهم بهذا الوعد، يخرجون سيدنا إسماعيل من الوعد الإلهي بهذه الأرض، ويجعلون ميراثها لسيدنا إسحاق فقط، الذي صدر له هذا العهد قبل أن يولد، بيد أن هناك عهداً مباشرة ينقلونه من الله -تعالى- لسيدنا إسحاق، جاء أيضاً في سفر التكوين: وفيه «لأني لك ولنسلك، أعطي هذه البلاد وأفي بالقسم الذي أقسمت لإبراهيم أبيك وأكثر نسلك كنجوم السماء، وأعطي نسلك جميع هذه البلاد وتتبارك في نسلك جميع أمم الأرض».
رابعاً: الوعد لنبي الله يعقوب
وهو النبي الذي يزعم اليهود نسبتهم المباشرة إليه، ويسمون دولتهم المزعومة أيضا باسمه (إسرائيل)، وقد جاء نص وعده يقول: «والله القدير يباركك ويجعلك مثمراً ويكثرك؛ فتكون جمهورك من الشعوب، ويعطيك بركة إبراهيم لك ولنسلك معلك لترث أرض غربتك التي أعطاها الله لإبراهيم». ولعلك لاحظت أيها الكريم أنه يشير إلى أن الأرض قد أعطاها الله -تعالى- لإبراهيم -عليه السلام-، وأن هذا مما سيرثه يعقوب وذريته، وهذا الكلام قد جاء في العهد القديم على لسان إسحاق -عليه السلام-، وفيه أيضاً -العهد القديم- ينشرون رؤيا منامية رآها يعقوب -عليه السلام- يزعمون أن الله قال له فيها: «الأرض التي أنت مضطجع عليها أعطيها لك ولنسلك ويكون نسلك كتراب الأرب وتمتد غرباً وشرقاً وشمالاً وجنوباً، ويتبارك فيك وفي نسلك جميع قبائل الأرض».
نقد الوعود المزعومة
لو صدقت الوعود المزعومة التي نسبوها لسيدنا إبراهيم ابتداء، لكانت لهم تلك الأرض من يومها، لكنك ترى بعينك أيها القارىء الكريم أنه لم يرد نص، أو واقع، يقول بأن سيدنا إبراهيم ملك أرض كنعان وسيطر عليها وكانت له، بل كل ما ذكره العهد القديم أنه -عليه السلام- «مات بشيبة صالحة»، وفوق ذلك يذكر العهد القديم، أن سيدنا إبراهيم لم يجد مكاناً لزوجته سارة ليدفنها فيه يوم ماتت؛ فذهب إلى (بني حث) يتوسل إليهم أن يبيعوا له مكاناً ليدفن فيه زوجته؛ فباعوا له مكاناً مقابل أربعمائة شاقل، وعند قراءتك لهذا النص الوارد في سفر التكوين: 23، تجد ما يؤكد على أن سيدنا إبراهيم كان ضيفاً عليهم، وأنه لم يكن له إلا ذلك الحقل الذي اشتراه.
أما نبي الله إسحاق
فإن العهد القديم لم يلمح أو يصرح أنه ملك أرض كنعان، بل يذكر الكتاب عكس ذلك، يذكر أنه كان يعيش في حماية ملك الفسطينيين (أبيمالك)، وأنه كان إذا حفر بئراً في الأرض التي كان يسكنها ردمها له أهل جرار، بل ونازعوه فيها، واستولوا عليها منه حتى ترك إسحاق أرض جرار، فهل من ملك تؤخذ آباره ويطرد من بلده ويعيش في حماية آخرين؟ وقد ورد هذا النص بطوله في (سفر التكوين: 26 / 6 : 11).
أما سيدنا يعقوب
فالعجب أن العبارة التي وجهت له الأرض التي أعطيتها لإبراهيم أعطيها لك؛ فإذا كان سيدنا إبراهيم لم يملكها؛ فكيف يزعمون أنه ملكها؟ إن العهد القديم لم يذكر شيئاً عن سيدنا يعقوب بعد هجرته إلى مصر سوى وصيته أن يدفنوه مع أبيه، بل ذكر عنه الكتاب أنه كان قد عاش يسجد مراراً لأخيه إسحاق؛ مما يفيد أنه لم يرث ملكاً ولم يكن ملكاً.
الوعود الكاذبة وخريطة السلام
لقد تأثر الغرب المسيحي قديماً وحديثاً بتلك النصوص؛ فقديماً قال: (وايزمان) عن بلفور: «إن الرجل كان يستجيب لعاطفة دينية يتجاوب بها مع تقاليد العهد القديم، حتى الكونجرس -فيما نقله جارودي- استند في ردوده يومها إلى النصوص التوراتية، لكون اليهود حكاماً لفلسطين، حتى الرئيس الأمريكي (ويلسون)، كان يُعِدُّ الفرصة قد أتته ليحقق الوعد الإلهي المذكور في النصوص؛ فالرجل كان ابن أحد رجال الكنيسة الإنجيلية المؤمنة بهذا الوعد, وإلى اليوم يتأثر الغرب المسيحي بهذه النصوص، فهم المتحدثون الرسميون باسم اليهود، والمدافعون عن حقهم المزعوم، من هنا وجب علينا جميعاً التوعية بكذب تلك الوعود، والتأكيد على أن ما يحدث، إنما هي عملية اغتصاب للحقوق وانتهاك غير مسبوق.
لاتوجد تعليقات