رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: مركز ابن خلدون للدراسات الإستراتيجية 25 نوفمبر، 2019 0 تعليق

التغريب والعلمنة وأثرهما على المجتمعات المسلمة (9) مراكز الاستشراق الجديدة وأثرها في تغريب المجتمعات المسلمة

البحث الفائز بالمركز الأول في المسابقة البحثية الأولى للمركز

 

عقد مركز ابن خلدون للدراسات الإستراتيجية المسابقة البحثية الأولى، وكانت تحت عنوان: (التغريب والعلمنة وأثرهما على المجتمعات المسلمة)، وقد فاز بالمركز الأول البحث المقدم من الباحث رامي عيد مكي بحبح من جمهورية مصر العربية، وتعميمًا للنفع تنشر مجلة (الفرقان) هذا البحث على حلقات، واليوم نتكلم  عن  مراكز الاستشراق الجديدة وأثرها في تغريب المجتمعات المسلمة.

     نتناول في هذه الحلقة مراكز الاستشراق الجديدة وأثرها في تغريب المجتمعات المسلمة عن طريق بيان تعريفها وأهميتها, ثم التعريج سريعاً على أنواع من اهتمام هذه المراكز بالعالم الإسلامي, وأخيراً نتناول (مؤسسة راند) بوصفها نموذجا من هذه المراكز؛ وذلك عن طريق بيان تعريفها وعلاقاتها بالعالم الإسلامي, ثم نتطرق لأثر هذه المؤسسة في تغريب المجتمعات المسلمة, وذلك من خلال النقاط الآتية :

تعريف مراكز الاستشراق الجديدة

     يشار إلى هذه المراكز في الغرب بعبارة (Think Thanks) التي تترجم إلى اللغة العربية تراجم مختلفة؛ فهناك من يترجمها إلى (مراكز التفكير)، وهناك من يترجمها إلى (بنوك التفكير أو الفكر), ويطلق عليها أيضاً (خلايا التفكير)، و(مختبرات الأفكار)، و(مصاهر الفكر)، وهي نصف نَوادٍ سياسية، ونصف مراكز أبحاث أكاديمية؛ حيث يلتقي مسؤولون سياسيون، وجامعيون، ومديرو مؤسسات كبرى وفاعلون في المجتمع.

     هذه المراكز كان يطلق عليها في أثناء الحرب العالمية الثانية عبارة (Brain Boxes) أي (صناديق الأدمغة), ويرجع أول استخدام مدون لعبارة (Think Thanks) إلى السبعينيات؛ إذ استُخدمت هذه العبارة عموما للإشارة إلى مؤسسة راند(Rand)  وإلى المجموعات الأخرى التي ساعدت القوات المسلحة الأمريكية في ذلك الوقت.

بدأت هذه المراكز على شكل اتحادات ولجان لتقديم النصح والمشورة, وغدت اليوم أشبه بالمنظومات الفكرية التنفيذية؛ حيث تصنع الأفكار، وتسعى في الوقت نفسه لتطبيقها على أرض الواقع.

أهمية مراكز الاستشراق الجديدة

إن مراكز الاستشراق الجديدة في عالمنا المعاصر أصبحت -في غضون عقد واحد من الزمن- تستطيع أن تضع التصور المقبل, وما هي إلا سنوات حتى تصل المفاهيم وصانعوها إلى السلطة لتنفذ تصوراتها.

(1) إن هذه المراكز لم تعد مراكز استشارية فقط، بل انتقلت إلى موضع التنفيذ في كثير من الأحيان, على سبيل المثال مركز الـ (PNAC) وهو مركز للفكر بالولايات المتحدة الأمريكية، قام بوضع مقترح وتصور جديد لقيادة الولايات المتحدة الأمريكية للعالم, واقتنعت مؤسسة الرئاسة الأمريكية بالمقترح؛ فقامت بتعيين ستة عشر من المساهمين المباشرين في الـ (PNAC) ضمن الفريق الرئاسي؛ فأصبح واضعو التقرير بإمكانهم تحقيق تصوراتهم بأنفسهم, وبالفعل قاموا بتنفيذ مقترحاتهم.

(2) تطوير هذه المراكز لتقنيات جديدة لتسويق الأفكار, حتى إن بعض هذه المراكز خصصت خُمْسَ ميزانياتها لذلك.

(3) تعد هذه المراكز من الطرق المختصرة لتغيير العالم؛ حيث إن تغيير العالم له أساليب مجهدة، مثل الاستيلاء على السلطة، أو الثراء المفرط، والتحكم في الاقتصاد العالمي، أو القوة الهائلة, وهناك أساليب مختصرة منها هذه المراكز.

(4) تعمد هذه المراكز إلى إعادة صياغة الخارطة الذهنية للتنفيذيين الدوليين ووسائط الإعلام وقطاع كبير من المواطنين في الدول الغربية.

اهتمام هذه المراكز بالعالم الإسلامي

تعددت صور اهتمام مراكز الفكر الغربية بالعالم الإسلامي, ومنها ما يلي:

متابعة أسبوعية

     إصدار مركز الدراسات الأمريكية العربية متابعة أسبوعية دائمة، ترصد التغيرات، ومؤشرات السياسة الخارجية للدول العربية؛ مما يؤثر على صياغة السياسات الأمريكية في صنع قراراتها تجاه هذه المنطقة التي تمثل مركز العالم الإسلامي؛ وذلك استناداً إلى ما يصدره المركز من توجهات، وأبحاث، وتقديم المشورة، وتوسيع دائرة الخيارات أمام الساسة.

مراكز فكر متخصصة

إنشاء مراكز فكر متخصصة في شؤون العالم الإسلامي, ومن أمثلة ذلك:

 أ- (معهد الشرق الأوسط) تأسس عام 1946م في العاصمة الأمريكية واشنطن, أسسه مجموعة من العلماء البارزين ورجال الدولة، من أجل زيادة المعرفة بين الشرق الأوسط ومواطني الولايات المتحدة, ومن أجل توفير معلومات وتحليلات دقيقة.

ب- (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى)، تأسس في عام 1985م من قبل مجموعة من الأمريكيين الملتزمين بتعزيز مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط, ويستهدف هذا المعهد جلب المعرفة للتأثير على صنع السياسة الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

جـ- (منتدى الشرق الأوسط)، وهو مؤسسة بحثية غير ربحية، تأسست في فيلادلفيا عام 1994م, تتمثل مهمته في اتخاذ تدابير جريئة لحماية الأمريكيين وحلفائهم من أخطار منطقة الشرق الأوسط, عن طريق التركيز في إيجاد أساليب لهزيمة الإسلام الراديكالي, والعمل من أجل قبول الفلسطينيين لإسرائيل, وتطوير استراتيجيات لاحتواء إيران, والتعامل مع التقدم الكبير للفوضى, كما يؤكد المنتدى على خطر الإسلام؛ لذا يحمي حريات الكتّاب والناشطين والناشرين المناهضين للإسلاميين, ويعمل على تحسين دراسات الشرق الأوسط، هذا فضلاً عن أن كثيراً من المراكز التي تهتم بالعالم الإسلامي، تعمل تحت مسميات خاصة بها, ولم تعد تكترث بإضافة وصف الشرق مثلاً في مسمياتها.

فروع داخل الدول الإسلامية

افتتاح بعض هذه المراكز لفروع لها داخل الدول الإسلامية, ومن هذه المراكز ما يلي:

مؤسسة راند

     التي افتتحت فرعاً لها في الدوحة باسم (معهد راند – قطر للسياسات)، ويمثّل هذا المعهد مشروعاً مشتركاً بين مؤسسة راند، ومؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، تم إطلاقه عام 2003م, وقد استهدفت هذه الشراكة دراسة أهم القضايا المحورية التي تواجه المنطقة من خلال دعم عمل مئات خبراء الأبحاث المتعاونين مع مؤسسة راند, كما تستهدف المؤسسة توفير الدعم التحليلي لصانعي السياسات في منطقة الشرق الأوسط.

مركز (كارنيغي)

     (مركز كارنيغي للشرق الأوسط)، وهو مؤسسة مستقلة لأبحاث السياسات، مقرّها في بيروت بلبنان, يستهدف المركز توفّير تحليلات معمّقة حول القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية التي تواجه الشرق الأوسط وشمال أفريقيا, وهو يسند تحليلاته إلى كبار الخبراء في الشؤون الإقليمية، ويعمل بالتعاون مع مراكز الأبحاث الأخرى التابعة لكارنيغي في بيجينغ، وبروكسل، وموسكو، ونيودلهي، وواشنطن.

كما يستهدف تقديم التوصيات إلى صانعي القرار والجهات المعنية الرئيسة، بتقديم الدراسات المعمّقة، وأيضاً من خلال وضع مقاربات جديدة للتحديات التي تواجهها البلدان العربية التي تمرّ في مراحل انتقالية.

لمركز كارنيغي للشرق الأوسط مجلس استشاري، يضم شخصيات وطنية، ودولية مرموقة من مختلف دول المنطقة، وناشطة في مجالات السياسة والأعمال والمجتمع المدني.

مركز بروكنجز

     الذي افتتح في الدوحة عام 2008م، بوصفه فرعا تابعا لمعهد بروكنجز في واشنطن, ويُعدُّ المركز نافذة المعهد في المنطقة؛ حيث يقدم بحوثاً وتحليلاتٍ مستقلة وعالية الجودة حول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ ولقد استضاف المركز منذ تأسيسه باحثين بارزين من عشرات الدول، ونَظَّمَ عدداً كبيراً من الفعاليات, بما في ذلك حوارات عالية المستوى، ونقاشات سياسية تتناول القضايا الراهنة, هذا وقد نشر العديد من موجزات السياسة والأوراق التحليلية ذات التأثير.

التعاون مع الجامعات الإسلامية

     التعاون مع الجامعات بالدول الإسلامية, وتجنيد أقسام بالكامل داخل كليات معينة لحسابها ولحساب مشروعاتها البحثية, لدرجة أن بعض الكليات صرفت اهتمامها عن وظيفتها الأصلية، وهي التعليم والبحث العلمي, وأصبح شغلها الشاغل هو البحث عن البحوث المشتركة مع تلك المراكز؛ ولقد تعدى تمويل بحث مشترك بين إحدى مراكز الفكر بالولايات المتحدة وكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة 650 ألف دولار عام 1987م!

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك