رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 11 نوفمبر، 2019 0 تعليق

دورة أقامها مركز ابن خلدون للدراسات الاستراتيجية – خير الله: المشاريع الريادية تبدأ ببناء الذات قبل المؤسسات


أقام مركز ابن خلدون للدراسات الاستراتيجية بالتعاون مع معهد إشراقات للتدريب الأهلي, دورة تدريبية بعنوان: (جودة إعداد وتنفيذ المشاريع الريادية للمؤسسات الخيرية)، استضاف خلالها د. أحمد خليل خير الله -أستاذ التخطيط الإستراتيجي والإدارة المعاصرة بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا، والنائب بمجلس النواب المصري-، وقد حضر الدورة عدد من قيادات الجمعية ومسؤوليها، على رأسهم رئيس الجمعية طارق العيسى، كما أقام المركز على هامش الدورة ورشة عمل للقيادات العليا في الجمعية بعنوان: (بناء العقلية الإدارية)، حضرها عدد من مسؤولات اللجان النسائية في إحياء التراث.

     وفي دورته التي لاقت استحسان الحضور، بيَّن د. خير الله في اليوم الأول من الدورة، أن أهم ما يجب علينا الانتباه له هو معركة الوعي؛ فنحن في حاجة إلى أن نفهم أن معركتنا الحقيقية ليست مع أحد، وإنما مع نمط حياتنا، معركتنا الحقيقية مع النمط المستمر؛ فليس من المنطقي أن نقوم بالأفعال نفسها وننتظر نتائج مختلفة.

أنت مشروعك الريادي

ثم بين د. خير الله أن الكادر هو المشروع الريادي الحقيقي؛ فمن الإشكالات التي تواجهنا، أننا نبدأ ببناء المؤسسات قبل بناء الذات، النبي صلى الله عليه وسلم  كان يبني كوادر تقوم عليها المؤسسات وليس العكس.

عملك الجماعي

     وفي اليوم الثاني تحدث د. خير الله عن العمل الجماعي، وأن العمل الجماعي مشروع الإنسان المهم والريادي الذي ينطلق منه على النجاحات المستقبلية كافة؛ فالمشاريع تنتقل معها إلى غيرها، وليس منها إلى غيرها، كيف نتحرك جماعيا؟ وكيف يعمل الناس مع بعضهم باختلاف جنسياتهم وأشكالهم وألوانهم؟

طريقة تفكيرك

     وفي اليوم الثالث: تحدث د. خيرالله عن طريقة التفكير، وأنها المشروع الريادي الثالث، وبين أن الشخص إذا فكر رياديًا، يصبح عنده منهجية في التفكير، وأن أخطاء التفكير التي نعيشها في العالم العربي, تأتي من عدم معرفة قواعد التفكير الصحيحة وتفعيل آلياتها، ثم بين كيف يتغير العالم بالتفكير الإستراتيجي، ثم تحدث عن أدوات للتفكير الريادي، وشرح معادلة كيف تنفذ مشروعًا رياديًا؟

بناء العقلية الإدارية

     وفي محاضرة بناء العقلية الإدارية بين د. خير الله أنه حين تذكر العقلية الإدارية، وحين تذكر الاستراتيجية لابد أن يذكر الصحابة -رضوان الله عليهم-، هؤلاء القوم الذين غيروا العالم، وغيروا الدنيا بعمق وتأثير وسرعة وإخلاص، والأمة في عنقها دين تجاه الخلفاء الراشدين، أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي -رضوان الله عليهم جميعا.

مثال وقدوة

ودائما حينما أتحدث عن قصص هؤلاء ومواقفهم؛ فنحن بحاجة إلى تفريغ كثير من الوقت، وأزعم ألا يوجد أي ثغر في هذه الأمة، إلا ونرى مثالا وقدوة، وقصة، وعبرة من حياة أبي بكر، وعمر، وعثمان وعلي -رضي الله عنهم جميعًا.

ميزة الأربعة

ومن أميز ما ميز هؤلاء الأربعة -رضوان الله عليهم- أنهم كانوا صانعي قادة؛ فالأمة تتغير بكوادرها، ولن تتقدم أمة إلى مرتبة أولى بكوادر درجة ثالثة، أو رابعة، أو خامسة، فما بالك بفقدان الكوادر من الأساس؟!

العقلية الإدارية للخلفاء

     العقلية الإدارية الخاصة بالخلفاء، كانت تنبني بالدرجة الأولى على بناء الكوادر، أي الرجال الذين يحملون الهم؛ فإن لم يكن من حسنات الصديق إلا صناعة الفاروق عمر لكفى؛ فأنت حين تتحدث عن عمر؛ فأنت تتحدث عن الصديق بالدرجة الأولى، وأذكر قصة لسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي كان حين يجد كادرا لا يفرح به فقط، ولكن يحيطه بالنصح والتوجيه، وأعظم ما كان يهتم به عمر رضي الله عنه هو قلب الكادر.

     وربما يتساءل بعضنا لماذا تختار كلمة كادر؟؛ لأن كادر توفر علينا تعريف الرجل الذي يعمل داخل مؤسسة، ويعمل داخل عمل جماعي، ولقد خدعنا طويلا بعبارة يرددها الكثيرون وهي: أن الأمة تتغير بالرجال فقط وهذا حق، ولكن ليس كل الحق، بل إن الأمة تتغير برجال يصنعون مؤسسات.

عمر بن معدي كرب

     ظهر كادر في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، كان يسمى بعمر بن معدي كرب، عرفه الناس حين أصبح القائد داخل المعارك، وبدأت الناس تتحدث عنه، وكان يملك سيفًا يسمي (الصمصام)، وكان هذا السيف ملفتا للنظر، وبدأت الناس تحكي قصصًا عنه، وبدأ عمر رضي الله عنه يسمع عن الصمصام، وكان عمرو بن معدي كرب في هذا الوقت في اليمن؛ فقال أرسلوا إليّ عمرو بن معدي كرب، أن يرسل لي الصمصام؛ لأن عمر رضي الله عنه دائما يخشي أن يظن الناس أن النصر ليس من عند الله؛ فأرسل عمرو للفاروق رضي الله عنه السيف، فوصل له في مجلس الخلافة؛ فمسكة وبدأ ينظر إليه، ثم قال قولة عجيبة: (سيف مثل بقية السيوف)؛ فبلغ عمرو بن معدي كرب هذه الكلمة؛ فماذا قال؟ وهذا هو المقصد من هذه الحكاية.

     قال: «أقول للفاروق أرسلنا لك السيف ولكن لم نرسل لك الساعد»، مهما قلنا من أنظمة إدارية، ومهما قلنا من تجارب إدارية، تبقى القوة في الساعد الذي سيحمل هذا الأمر، الكل يدرس كتاب التوحيد، ولكن ماذا عن القلب الذي يدرسه؟ الكل يشرف على لجان، ولكن ماذا عن القلب الذي يتحرك؟ الأساس في بناء العقلية الإدارية، أنها تبدأ من القلب لا من الإمكانات.

بناء العقلية الإدارية

     إذا تفحصنا عنوان المحاضرة؛ فنجد أنها تتكون من ثلاث كلمات، الأولى بناء، ونعلم جميعًا أن العربي دائما ما يهتم بهذا المعنى، ويمارسه في الواقع؛ لذا لما جاء الإسلام شبهه النبي صلى الله عليه وسلم بالبناء في وقوله: «بني الإسلام على خمس» الحديث، وكلمة بناء نريد أن نأخذ منها أمرين، الأول: فقه الممكن والمتاح (المستطاع)، الأمر الثاني: العمل الجاد.

فقه الممكن والمتاح

     الاعتقاد بأن الأمة ستتغير ونحن جلوس في أماكننا، هذا لم يحدث ولن يحدث أبدًا؛ فنحن نحتاج إلى البناء والعمل حتى نصل إلى ما نريد، وهذا البناء لابد أن يكون في الممكن والمتاح والمستطاع، كما أن هذا البناء مراحل، زرع ثم حصاد وليس العكس، ومن الإشكالات التي تواجهنا دائما في العمل الإسلامي، أن كثيرا من القائمين على العمل الدعوي يريدون الحصاد في وقت الزرع؛ فليس لديهم صبر على هذه المرحلة – مرحلة البناء-  ومعلوم أن من تعجل قطف الثمار، ومن تعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه، قال -تعالى-: {ولكنكم قوم تستعجلون}.

العمل الجاد

     لما غابت الجدية عن الأمة، غاب عنها كثير من الأمور، أولها التوفيق؛ لأن النبي محمدا صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه: «إنَّ المعونةَ تأتي العبدَ من اللهِ على قدرِ المَؤونةِ، وإنَّ الصبرَ يأتي العبدَ على قدرِ المصيبةِ»، يعني المشقة والتعب والبذل.

     ومع الأسف- الترف قتل الأمة دون أن نشعر، الصحابة -رضوان الله عليهم- في غزوة الأحزاب، ظلوا 35 يومًا في هذه الغزوة؛  فلما انهزم الأحزاب نزل جبريل -عليه السلام- يقول لرسول الله: أخلعت درعك؟؛ فإن الملائكة لم تخلع أدرعها بعد، انطلق إلى هؤلاء القوم وأشار إلى بني قريظة؛ فقال الرسول للمسلمين: «لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ» (البخاري)، عمل جاد وبناء فيه مشقة؛ فتأسيس الأعمال ليس بالأمر الهين، العقلية الإدارية في الإسلام مبنية على الجدية {يا يحيى خذ الكتاب بقوة}.

العقلية

الجزء الثاني من عنوان المحاضرة هو العقلية؛ حيث اهتم القرآن الكريم بهذا الأمر اهتمامًا بالغًا في آيات عدة، قال -تعالى-: {لعلكم تعقلون}، وقال -تعالى-: {لعلكم تفقهون}، وقال -تعالى-: {لعلكم تتفكرون}، وقال -تعالى-: {فاعتبروا يا أولي الأبصار}.

عقل الشافعي

     الإمام أحمد عندما كان يذهب إلى مكة، كان يترك كثيرا من الكبار، ويذهب إلى الإمام الشافعي، قال محمد بن الفضل البزار، سمعت أبي يقول: حججت مع أحمد بن حنبل، ونزلت معه في مكان واحد - أو في دار بمكة - وخرج أبو عبد الله باكرا، وخرجت أنا بعده؛ فلما صليت الصبح درت في المسجد؛ فجئت إلى مجلس سفيان بن عيينة، وكنت أدور مجلسا مجلسا طلبا لأبي عبد الله أحمد بن حنبل، حتى وجدته عند شاب أعرابي، وعليه ثياب مصبوغة، وعلى رأسه جمة فراحمية، حتى قعدت عند أحمد بن حنبل؛ فقلت: أبا عبد الله، تركت ابن عيينة وعنده الزهري، وعمرو بن دينار، وزياد بن علاقة، ومن التابعين ما الله به عليم، قال : اسكت؛ فإن فاتك حديث بعلو تجده بنزول، ولا يضرك في دينك، ولا في عقلك، ولا في فهمك، وإن فاتك عقل هذا الفتى، أخاف ألا تجده إلى يوم القيامة، ما رأيت أفقه في كتاب الله من هذا الفتى القرشي، قلت: من هذا؟ قال : محمد بن إدريس الشافعي .

إذا أراد أحد أن يغير الأمة؛ فعليه أن يغيرها من أفكارها، وهكذا فعل الغرب، كمية الأفكار التي تدخل على الأمة هائلة.

الإدارية

     أما الجزء الثالث من العنوان فهو الإدارية، ونحن في حاجة إلى أن نأخذ مفاهيم الإدارة من القرآن والسنة قبل أن نأخذها من الغرب، وهنا أود أن أوجه الانتباه إلى ثلاث ملحوظات علي الكتب المترجمة، ولاسيما في مجال تطوير الذات والـ NLP والطاقة وغيرها، أنها جاءت من بيئة لا تؤمن بوجود إله أساساً؛ فهي بيئة مادية بحتة، كما أن هذه الكتب تجعلك تحت هيمنة عقل المترجم؛ فإذا كان المترجم ليبراليا، يصبح الكتاب ليبراليا، وإذا كان المترجم إسلاميا أصبح الكتاب إسلاميا، وهكذا، كذلك فإن هذه الكتب صنعت قدوات ورموزا، واختلط على الناس -مع الأسف- التفريق بين القدوة والعلم؛ فأنا حينما أقول لك: (ستيفن كوفي) فهذا عَلَمٌ وليس قدوة، وعندما أقول لك: (بيتر دراكر) أيضا عَلَمٌ وليس قدوة، لكن كثيرا من الناس، ولاسيما الذين يقرؤون لهؤلاء لا يفرقون بين هذين المعنيين -العلم والقدوة-؛ فلابد أن نبين للناس هذه الحقيقة.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك