حرمة الإجهاض في الإسلام
جعل اللَّه -سبحانه وتعالى- حق الحياة لكل إنسان مقدسًا، ولا يحق لأحد أن يتسلط عليه من دون وجه حق ومن دون وجود المسوغات الشرعية التي تجيز قتل إنسان ما لسبب وجيه، ولا غرابة أن يحرم الإسلام الإجهاض، وينعقد الإجماع على تحريمه ومنعه بعد نفخ الروح في الجنين ومرور أربعة أشهر على استقرار النطفة في الرحم، وقد أفتى جمع من العلماء بحرمته، ونورد هنا بعضا من فتاواهم لبيان ذلك.
- سئل الشيخ ابن باز -رحمه الله- ما حكم الإجهاض في الإسلام؟ وهل يجوز في مدة معينة؟
- فقال: الإجهاض أمره عظيم وفيه تفصيل: إذا كان في الأربعين الأولى؛ فالأمر فيه أوسع إذا دعت الحاجة إلى إجهاض؛ لأن عندها أطفالا صغارا تربيهم ويشق عليها الحمل؛ أو لأنها مريضة يشق عليها الحمل فلا بأس بإسقاطه في الأربعين الأولى، أما في الأربعين الثانية بعد العلقة، أو المضغة هذا أشد، ليس لها إسقاطه إلا عند عذرٍ شديد مرضٍ شديد يقرر الطبيب المختص أنه يضرها بقاؤه فلا مانع من إسقاطه بهذه الحالة عند خوف الضرر الكبير، وأما بعد نفخ الروح فيه بعد الشهر الرابع فلا يجوز إسقاطه أبداً، بل يجب عليها أن تصبر وتتحمل حتى تلد -إن شاء الله-، إلا إذا قرر طبيبان أو أكثر مختصان ثقتان أن بقاءه يقتلها سبب لموتها فلا بأس بتعاطي أسباب إخراجه حذراً من موتها؛ لأن حياتها ألزم عند الضرورة القصوى بتقرير طبيبين فأكثر ثقات أن بقاءه يضرها، وأن عليها خطراً بالموت إذا بقي فلا بأس، إذا وجد ذلك بالشروط المذكورة فلا حرج في ذلك -إن شاء الله.
وهكذا لو كان مشوهًا تشويهًا يضرها لو بقي يكون فيه خطر عليها قرر طبيبان فأكثر، أن هذا الولد لو بقي عليه خطر الموت لأسباب في الطفل؛ فهذا كله يجوز عند الضرورة إذا كان عليها خطر، خطر الموت بتقرير طبيبين أو أكثر مختصين ثقتين.
حكم إجهاض الزانية
- ومن كتاب أحكام الجنين في الفقه الإسلامي لعمر بن محمد بن إبراهيم غانم جاءت هذه الفتوى: هل يجوز للمرأة إذا وقعت في الفاحشة أن تسقط الجنين؟
- وكان الجواب: لقد تركزت جهود الفقهاء واجتهاداتهم حول الإجهاض عموما وحكمه وما يترتب عليه، ولم يهتموا بالدخول في تفاصيل ما إذا كان الحمل ناشئاً من سفاح؛ ذلك ربما يكون لأنهم عدوه مشاركاً، أو تابعاً لحكم الإجهاض الناشئ من نكاح صحيح؛ فإذا كان إجهاض الحمل الناشئ من نكاح صحيح محرماً في الحالة العادية؛ فإنه من باب أولى يكون أشد تحريماً في حالة نشوء الحمل من سفاح؛ لأن في إباحة الإجهاض من سفاح تشجيعاً للرذيلة ولنشر الفاحشة، ومن قواعد الإسلام أنه يحرم الفاحشة وكل الأساليب التي تؤدي إليها، كحرمة التبرج والاختلاط، فضلا عن أنه لا يضحى بجنين بريء، لا ذنب له من أجل ذنب اقترفه غيره ، وقد قال الله -تعالى-: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} (الإسراء:15).
ومن المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد رد الغامدية وهي حامل من زنى حتى تلد، ثم بعد الولادة حتى ترضعه وتفطمه، وقد عادت بالصبي ومعه كسرة خبز؛ فدفع النبي صلى الله عليه وسلم الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها، وقد قال الإمام النووي في هذا الحديث: «لا ترجم الحبلى حتى تضع سواء كان حملها من زنى أو غيره»، وهذا مجمع عليه لئلا يقتل جنينها، وكذا لو كان حدها الجلد وهي حامل لم تجلد بالإجماع حتى تضع«صحيح مسلم بشرح النووي 11/202؛ فهذه الواقعة تبين لنا مدى اهتمام الشريعة بذلك الجنين ولو كان من زنى؛ حيث أخر النبي صلى الله عليه وسلم إقامة الحد على أمه حفاظاً على حياته، فهل يتصور أن يبيح الشارع قتل الأجنة بالإجهاض في سبيل تحقيق رغبات أهل الأهواء والشهوات؟.
فضلا عن أن الذين قالوا بإباحة الإجهاض في حالة الحمل الصحيح خلال الأربعين يوماً الأولى من الحمل، قد أخذوا برخصة مشروعة أفضى إليه اجتهادهم، مثل الفطر في رمضان لأصحاب الأعذار، وقصر الصلاة الرباعية في السفر، إلا أنه من المقرر شرعاً أن الرخص لا تناط بالمعاصي، وهكذا؛ فإن قواعد الشريعة الإسلامية لا ترخص للحامل من زنى بما تجعله رخصة للحامل من نكاح صحيح حتى لا تعان على معصيتها، ولا تيسر لها سبل الخلاص من فعلتها الشنيعة هذه .
لاتوجد تعليقات