رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: ذياب أبو سارة 28 يوليو، 2025 0 تعليق

من جهود علماء الكويت في ترسيخ عقيدة السلف الصالح .. مسيرة مباركة ودعوة راسخة (الحلقة الثانية)

  • من ثمار الدعوة السلفية إعداد جيل من العلماء والدعاة وتثبيت المبادئ والقيم الإسلامية الصحيحة وتعزيز الوسطية
  • نشأ الشيخ عبدالعزيز حمادة متديناً بالفطرة، كما نشأ الكثير من أبناء المجتمع الكويتي في تلك الفترة على ذلك، وظل يواصل مسيرة التعلم والتعليم منذ نعومة أظفاره وحتى آخر أيام حياته
  • أبرز منطلقات الدعوة السلفية وأهدافها:
  • نشر التوحيد الخالص لله، واتباع منهج السلف الصالح في العقيدة والعبادة.
  • الالتزام بالكتاب والسنة، والابتعاد عن البدع والخرافات.
  • يقول الشيخ عبدالعزيز حمادة رحمه الله في بيان أهمية التوحيد: «إن لهذا القرآن سلطاناً على نفوس الذين يفهمونه، وتأثيراً حسيا في قلوب الذين يتدبرون آياته، وقد أنزله الله -تعالى- لمقاصد شريفة، وغايات نبيلة
 

ذكرنا في الحلقة الماضية أن دولة الكويت، شهدت -منذ بداياتها الحديثة وحتى يومنا هذا- حركة علمية ودعوية نشطة في ترسيخ عقيدة السلف الصالح، وأن ثلة من علمائها الأفاضل أسهموا في صياغة الهوية الدينية للمجتمع الكويتي، وأن تلك الجهود لم تقتصر على الخطاب الديني فحسب؛ بل امتدت إلى مجالات التعليم والتأليف، والعمل الاجتماعي، لتؤكد على الدور المركزي والإيجابي لعقيدة السلف في البناء الديني والثقافي والاجتماعي، وتربية الأجيال الناشئة. ثم عرّجنا على جذور الدعوة السلفية في الكويت، وحقيقة التواصل العلمي مع علماء المملكة العربية السعودية وآثار ذلك، ثم كان ال حديث عن مرتكزات الدعوة السلفية وأعلامها.

وقبل أن نبدأ في استكمال ذكر أعلام الدعوة السلفية في الكويت بعد أن استعرضنا في الحلقة الماضية سيرا موجزة عن كل من: الشيخ عبدالجليل الطبطبائي والشيخ العلامة عبدالله بن خلف الدحيان - والشيخ العلاّمة عبدالعزيز الرشيد (مؤرخ الكويت) - يرحمهم الله جميعا - دعونا نؤكد على الأسس التالية:

أبرز منطلقات الدعوة السلفية وأهدافها:

  • نشر التوحيد الخالص لله، واتباع منهج السلف الصالح في العقيدة والعبادة.
  • الالتزام بالكتاب والسنة، والابتعاد عن البدع والخرافات.
  • الدعوة إلى التوحيد وفهم العقيدة على منهج السلف الصالح.
  • الاعتدال والوسطية في الفكر والسلوك، والابتعاد عن الغلو والتطرف.
  • الحفاظ على الهوية الإسلامية الأصيلة والتعاليم الشرعية.

أبرز جهود الدعوة السلفية:

  • نشر العلم الشرعي، وتعاهد العلماء والدعاة على منهج السلف.
  • تنظيم الدروس والمحاضرات والندوات الدعوية في المساجد والمراكز الإسلامية.
  • إصدار الكتب والكتيبات التي تبين مبادئ الدعوة السلفية وتوضح مفاهيمها.
  • تعزيز القيم الأخلاقية، وتربية الأجيال على المبادئ الإسلامية الصحيحة.
  • المشاركة في الجهود الدعوية والتنموية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها..
  • التعاون مع المؤسسات الرسمية لنشر الدعوة الإسلامية.

من ثمار الدعوة السلفية:

  • إعداد جيل من العلماء والدعاة:
إعداد كوادر دعوية وعلمية متمسكة بمنهج السلف الصالح وتخريجها، ساهم في نشر الدعوة وتثبيت المبادئ الإسلامية الصحيحة.
  • انتشار التعليم الشرعي:
وذلك من خلال إقامة المدارس والمعاهد والمراكز الإسلامية التي تركز على تعليم العقيدة، والفقه، وأصول الدين، بما يخدم المجتمع ويوفر بيئة إسلامية ملتزمة.
  • تطوير الوعي الديني:
ورفع مستوى الوعي الديني بين أفراد المجتمع من خلال المحاضرات، والكتب، والدروس، والبرامج الإعلامية؛ ما أدى إلى تعزيز الهوية الإسلامية الأصيلة.
  • المساهمة في استقرار المجتمع:
وذلك من خلال نشر المبادئ الأخلاقية، والتشجيع على الالتزام بالعبادات، والتآلف بين أفراد المجتمع، الذي ساهم في استقرار المجتمع ووحدته.
  • تعزيز دور المرأة في العمل الدعوي:
وذلك من خلال إشراك النساء في التعليم والدعوة، وتربيتها على المبادئ السلفية، ومن ثم أدى إلى نشر الوعي الديني بين شرائح مختلفة من المجتمع.
  • إطلاق الجمعيات والمؤسسات الدعوية:
حيث أُسست العديد من الجمعيات والمؤسسات التي تُعنى بنشر العقيدة الصحيحة، منها: جمعيات خيرية ودعوية، أسهمت في تنظيم العمل الدعوي وتوسيعه.
  • التصدي للأفكار المتطرفة وتعزيز الوسطية:
حيث استطاعت الدعوة السلفية أن تبرز بوصفها مدافعا عن منهج الاعتدال، وأن تقدم النهج الصحيح للإسلام، ولا سيما في فترات التحديات والإشكالات الفكرية التي واجهت المجتمع.
  • التفاعل مع المجتمع والتوجيه في القضايا المعاصرة:
ومن المحطات المهمة تفاعل الدعوة مع قضايا المجتمع، إصدار الفتاوى والتوجيهات التي تتوافق مع منهج السلف؛ وهذا قد عزز من مكانتها بوصفها مصدرا موثوقا للعلم الشرعي.

مسيرة أعلام السلفية:

        ونستكمل فيما يلي التعريف بأبرز علماء الكويت الذين كان لهم دور كبير في نشر العقيدة الصحيحة في المجتمع، وذلك اعتمادا على كتابي (جهود علماء الكويت في تقريرعقيدة أهل السنة والجماعة) من تأليف الدكتور خالد بن فلاح العازمي، وكتاب (أمراء وعلماء من الكويت على عقيدة السلف) من تأليف الدكتور دغش بن شبيب العجمي:  

الشيخ عبدالعزيز حمادة - رحمه الله -

      نشأ الشيخ عبدالعزيز حمادة متديناً بالفطرة، كما نشأ الكثير من أبناء المجتمع الكويتي في تلك الفترة على ذلك، وظل يواصل مسيرة التعلم والتعليم منذ نعومة أظفاره وحتى آخر أيام حياته، وقد أخذ العلم عن المشايخ والعلماء في الكويت في بداية الطلب، لقد كان - رحمه الله - نشيطاً ذكيا محبا للعلم والمعرفة، صاحب همة عالية في طلبه، ومن المؤكد أن شخصية كهذه لن تكتفي بالقليل واليسير من العلم؛ بل ستبحث جادة عن مصادر أخرى، وقد استفاد كذلك من البعثة الأزهرية للمعهد الديني، التي ضمت علماء أفاضل؛ فاختلط بهم وأخذ عنهم الشيخ عبدالعزيز العلم الشرعي، وكان لقاؤه بالعلماء خارج الكويت أثناء أسفاره و اتصاله بعلماء سوريا ومصر والسعودية من أهم المصادر التي أثْرت حصيلته العلمية، كما كان -رحمه الله- يملك مكتبة غنية بأمهات الكتب تحتوي على كتب الفقه والحديث والتفسير والأخلاق والتاريخ الإسلامي وكتب اللغة والأدب.

أعماله:

  • أولاً: في مجال التدريس والإدارة:
  1. تدريسه في مدرسة والده.
  2. تدريسه في مدرسة السعادة.
  3. تدريسه لأئمة المساجد.
  4. سعيه في إنشاء المعهد الديني وتدريسه فيه.
  • ثانياً: في مجال الإمامة والخطابة:
كان قلبه - رحمه الله - متعلقاً بالمساجد؛ فعمل إماما في العديد من المساجد، منها: مسجد الخليفة، ومسجد الحداد، ومسجد السوق.
  • ثالثاً: في مجال القضاء:
عُيّن الشيخ عبدالعزيز حمادة قاضياً للكويت، وذلك عام 1351هـ الموافق 1930م.
  • رابعاً: عضويته في مجلس الأوقاف:
اختير عضواً في مجلس الأوقاف، وكان هذا المجلس يُعيِّن الأئمة والمؤذنين، ويختارهم ويعرف مدى صلاحيتهم لهذا العمل ومن يحتاج منهم إلى تدريب، وكان الشيخ هو المسؤول عن ذلك.
  • خامساً: مجالسه العلمية:
أقامت له دائرة الأوقاف غرفة خاصة ملحقة بمسجد السوق، وكان يجلس فيها بعد صلاة العصر وحتى أذان العشاء، وتغلب على جلسته الروح العلمية؛ حيث يلتقي فيها العلماء وطلبة العلم، وكان الطلبة يستفيدون من الشيخ بسؤاله والقراءة عليه والاسترشاد بآرائه وتوجيهاته المفيدة.

مؤلفاته:

للشيخ مجموعة من الخطب المنبرية، ومجموعة من الفتاوى طبعت في مطبعة الحكومة.

موقفه من الدعوة السلفية:

       يقول الشيخ عبدالعزيز حمادة -رحمه الله- في بيان أهمية التوحيد: «إن لهذا القرآن سلطاناً على نفوس الذين يفهمونه، وتأثيراً حسيا في قلوب الذين يتدبرون آياته، وقد أنزله الله -تعالى- لمقاصد شريفة، وغايات نبيلة، أولها توحيد الله -عز وجل-؛ ولأجل التوحيد أنزلت الكتب، وأرسلت الرسل، وأسست الأديان فأنقذت المخلوقات بها من ظلمات الشرك والوثنية، وانجلت بأنوارها ظلم الإلحاد في كل أمة وكل زمن». وقال - رحمه الله - في التحذير من اتخاذ القبور مساجد: «المقابر على هيئتها وحالتها تجلب الموعظة والتذكير ولين القلب، زوروا المقابر تذكركم الآخرة، ونهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أن تتخذ القبور مساجد، ولعن من فعل ذلك، فإذا كان اتخاذ المساجد -التي هي موضع الصلاة والعبادة- ممنوعاً على القبور، فكيف اتخاذها لغير ذلك؟!».

وفاته:

توفى -رحمه الله- بعد مرض اشتد عليه، وكانت وفاته يوم 27 من ربيع الآخر سنة 1328هـ الموافق 26/9/ 1962م، أسكنه الله فسيح جناته.  

الشيخ يوسف بن عيسى القناعي -رحمه الله-

       ولد الشيخ يوسف بن عيسى في مدينة الكويت سنة 1296هـ الموافق 1876م في عهد الشيخ عبدالله الصباح، فنشأ محبًا للعلم، حريصا على طلبه، مواظبا على الحلقات العلمية، مستفيدا منها؛ فأورثه ذلك همّ إصلاح التعليم والسعي للنهوض به وإنشاء المدارس النظامية.
  • تحصيله العلمي:
بدأ الشيخ في سن السابعة من عمره بحفظ القرآن الكريم، ثم أخذ يستكمل مبادئ العلوم السائدة في مجتمعه، فتعلم الخط ومبادئ الحساب واللغة العربية، بعد أن استكمل دراسة مبادئ العلوم الأولى التي كان يتلقاها أقرانه من أطفال الكويتيين، واشتاقت نفسه إلى الأفضل، فبدأ بدراسة الفقه والنحو، فقرأ على الشيخ عبدالله بن خالد العدساني (قاضي الكويت في وقته) متن الآجرومية ومتن أبي شجاع في الفقه، ثم رحل إلى الإحساء والبصرة ومكة المكرمة؛ فأخذ عن أهل العلم هناك ثم رجع إلى بلده ليفيد ويستفيد.

من أعماله:

  • أولاً: في مجال الإصلاح التعليمي:
عاد الشيخ القناعي سنة 1325هـ الموافق 1907م من مكة المكرمة، وكله أمل في إصلاح التعليم في الكويت، ذلك التعليم المتواضع القائم على كتاتيب تجاوزها الزمن، فتطلع إلى دفع عجلة التعليم إلى الإمام والعمل على إدخال الكويت في مرحلة التعليم النظامي؛ فكان له ما أراد في المدرسة المباركية، ومن بعدها المدرسة الأحمدية.
  • ثانياً: توليه القضاء:
بعد وفاة الشيخ عبدالله الخلف الدحيان طُلب من الشيخ يوسف أن يتولى منصب القضاء لكن الشيخ تعذّر بالتجارة التي جعلها حجة لعدم تولي القضاء ولمعرفته بخطورة هذا المنصب، ونتيجة لإصرار أمير الكويت قبل المنصب، ولكن بشرط أن يكون ذلك لفترة مؤقتة إلى حين العثور على قاض أخر وعلى ألا يأخذ عليه أجرا.

مؤلفاته المطبوعة:

(1) المذكرة الفقهية في الأحكام الشرعية. (2) الملتقطات (حكم وفقه وأدب وطرائف). (3) صفحات من تاريخ الكويت.

موقفه من الدعوة السلفية:

  • قال عن نفسه: نشأت في الكويت... وكان لِمُؤلَّفات الإمامين ابن تيمية وابن القيم ومجلة المنار الغراء أكبر أثر في إنارة السبيل أمامي، وإماطة الستار الذي أبصرتُ من خلفه الحق واضحا فنفرت بعده مِن كُلِّ ما أَلِفتُهُ مما لا يتَّفِقُ والدين في شيء»
  • قال عنه -صاحبه وزميله- الشيخ عبدالعزيز الرشيد: معتدل في آرائه ليس بالجامد الذي لا تهضم فكرته الصالح من الجديد، ولا بالمجدّد المتطرف الذي يُعادي القديم بأجْمَعِه، جمع بين الثقافتين الدينية والعصرية، وأمدّ الحركة العلمية والفكرية بروح من عنده.
  • وقال عنه: لا يوجد مشروع في وطنه قائم على دعائم البر إلا وله فيه يد، ولا طريق من طرق الإحسان إلا وله فيه أثر، وكانت نوافِحُهُ في كُلِّ ذلك تَفُوقُ نوافح من سواه من أبناء جلدَتِهِ وما كان بأكثرهم مالا ولا بأوسعهم ثروة، وإنما هو الشعور بالواجب الذي تَصَامَمَ عنه كثيرٌ مِن أبناءِ جِنْسِهِ.
  • وقد تأثر الشيخ يوسف القناعي تأثرًا كبيرًا بفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمة الله - وعلمه الغزير، فكان منتهجا لطريقته، سالِكًا مَسْلَكَهُ، فجاءت فتاواه وأحاديثه صريحةً واضِحَةً، وجريئةً مُتَسَامِحَةٌ، وكانَ مِن رُوَّاد النهضة العلمية في الكويت كما هو معلوم؛ بل يرجع فضل تأسيس المدارس في الكويت -بعد الله- له وللرشيد بالدرجة الأولى؛ فإنَّ المباركية أسست (سنة۱۳۳۰هـ - ۱۹۱۱م) والأحمدية أسست (سنة ۱۳۳۹هـ - ١٩٢١م)، وقد أسستا بسواعد هذين الشيخين، أرأيتم لو لم يتأثرا بهذه الكتب المباركة - كتب ابن تيمية وتلميذه ابن القيم - هل ستقوم النهضة العلمية، وهل سنرى التسامح والاجتماع والتوافق بين الناس؟!

وفاته:

     فجعت به الكويت ظهر يوم الخميس 5جمادي الآخر 1393هـ الموافق السادس من يوليو سنة 1973 عن عمر يناهز 96 عاماً، وهو في جلال الشيخوخة، بعد أن قدم الكثير من صحته ووقته وماله من أجل وطنه وأمته، وقد خرجت الكويت عن بكرة أبيها تشيعه إلى قبره -رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته-.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك