رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: ذياب أبو سارة 7 يوليو، 2025 0 تعليق

في أعقاب مرحلة التوقف المؤقت.. العمل الخيري .. عهدٌ جديد من العطاء والحوكمة

  • يُعد العمل الخيري في الكويت من أبرز ركائز المجتمع، وله سجل عريق من الإنجازات الرائدة
  • ترتب على توقف العمل الخيري الكويتي آثار متعددة، وقد تلقت جمعية إحياء التراث الإسلامي أكثر من 40 مناشدة من الجهات المنفذة لمشاريعها من 20 دولة حول العالم
  • جمعية إحياء التراث الإسلامي منذ نشأتها في عام 1982 تكونت لديها القدرة والخبرة والعمل بشفافية للإسهام في بناء صرح العمل الإنساني والخيري في دولة الكويت
  • عبر رئيس وأعضاء مجلس إدارة جمعية إحياء التراث الإسلامي عن شكرهم للجهات الرسمية على قرار استئناف العمل الخيري
  •  تشكيل لجنة تنظيم العمل الإنساني والخيري خطوة مهمة على طريق تنظيم العمل الإنساني في الكويت من خلال التحول الرقمي، وحوكمة التبرعات، والتشريعات المنظمة
  •  دولة الكويت واحدة من الدول الرائدة في مجال العمل الخيري على المستويين الإقليمي والدولي؛ حيث تُسهم الجمعيات الخيرية في دعم الفئات المحتاجة داخل الكويت وخارجها
  • الإجراءات الجديدة تمثل نقلة نوعية في تنظيم العمل الخيري الكويتي، وتؤسس لمرحلة جديدة من الشفافية والرقابة المؤسسية، بما يضمن وصول أموال المتبرعين إلى مستحقيها ويعزز ثقة المجتمع في الجمعيات الخيرية
  • تأتي هذه الإجراءات في إطار استعداد الكويت للمراجعة الدولية، بما يعزز الشفافية، وإبراز صورتهابوصفها دولة رائدة في العمل الخيري المؤسسي
 

تتربع دولة الكويت على عرش الريادة في العمل الخيري، وليس ذلك على المستوى الإقليمي فحسب؛ بل على الساحة الدولية أيضا؛ فعلى مدى 400 عام، والكويتيون يرسخون ثقافة العطاء؛ إذ امتدت أياديهم البيضاء لدعم الفئات المحتاجة داخل الكويت وخارجها؛ وعلى الرغم من مرحلة التوقف المؤقت التي حدثت مؤخرا؛ فإن استئناف العمل الخيري بضوابط جديدة ليس نهاية المطاف؛ بل هو بداية لمسيرة أكثر إشراقاً واحترافية؛ فالكويت، بقيادتها الحكيمة وشعبها المعطاء، تواصل ترسيخ مكانتها بوصفها بلد الإنسانية والعطاء، وتثبت للعالم أجمع أن العمل الخيري الكويتي سيظل نموذجاً يُحتذى به في الريادة والشفافية والفاعلية.

       وعلى مدى الزمان سيبقى العمل الخيري الكويتي عنواناً للريادة والإنسانية، ومصدراً للفخر الوطني، ونموذجاً يحتذى به في العالمين العربي والإسلامي. ومع استمرار جهود التطوير، يتعزز الأمل بأن تظل الكويت منارة للعطاء الإنساني، وبلداً للخير والسلام، كما أرادها قادتها وشعبها الأصيل.  

تحديات العام 2025: توقف مؤقت.. وانطلاقة أقوى

       في منتصف أبريل الماضي، واجه القطاع الخيري الكويتي تحدياً غير مسبوق، حينما أصدرت وزارة الشؤون الاجتماعية قراراً بتعليق أنشطة الجمعيات الخيرية مؤقتاً، في إطار مراجعة شاملة لضمان الشفافية والمساءلة المالية، وقد استمر التعليق حتى 29 يونيو 2025، حيث أعلنت الوزارة عن استئناف العمل الخيري بمجموعة من المعالجات التنظيمية والإجراءات الجديدة، إيذاناً ببدء عهد جديد من الحوكمة والرقابة المؤسسية.

تداعيات التوقف.. ومناشدات الجهات العاملة

       ولم يقتصر أثر ذلك التعليق المؤقت على الداخل الكويتي؛ بل امتد إلى الخارج؛ حيث تلقت جمعية إحياء التراث الإسلامي أكثر من 40 مناشدة من الجهات المنفذة لمشاريعها من الجمعيات الخيرية بما يعكس الحاجة الملحة إلى استمرارية العمل الخيري. وقد حرصت جمعية إحياء التراث الإسلامي -شأنها في ذلك شأن بقية الجمعيات الخيرية- على التواصل مع الجهات الرسمية لبيان مدى التأثير، وفي الوقت ذاته التواصل مع الجهات العاملة في الخارج لطمأنة الجميع بأن العمل الخيري والإنساني الكويتي مستمر بإذن الله، وأن الإجراءات الجديدة تهدف إلى تعزيز الشفافية وضمان وصول التبرعات لمستحقيها.  

لجنة تنظيم العمل الإنساني.. نقلة نوعية

       جاء تشكيل لجنة تنظيم العمل الإنساني والخيري ليكون نقطة تحول استراتيجية في مسار العمل الخيري الكويتي؛ إذ تم اعتماد التحول الرقمي الكامل، وحوكمة التبرعات، وتحديث التشريعات، بما يواكب أفضل الممارسات العالمية، ويعزز ثقة المجتمع والمتبرعين، وقد أسفر ذلك عن زيارات ميدانية للجنة العمل الإنساني والخيري إلى دول المنطقة (السعودية وقطر والإمارات) من أجل الاطلاع على تجاربهم في هذا المجال، وكانت نتائج تلك الزيارات إيجابية، وفيها ثناء عاطر على مسيرة العمل الخيري والإنساني في دولة الكويت وأن له الريادة والأسبقية.

تسلسل المراحل والإجراءات:

  • مرحلة التعليق المؤقت: صدر قرار وزاري بتعليق أنشطة الجمعيات الخيرية اعتبارًا من منتصف أبريل 2025.
  • إجراءات داخلية في الوزارة لمراجعة آليات الدفع الإلكتروني والتحويلات الخارجية.
  • تشكيل لجنة تنظيم العمل الإنساني والخيري في الكويت:  حيث عقدت المزيد من الاجتماعات المشتركة بين وزارة الشؤون الاجتماعية والداخلية والخارجية والبلدية وغيرها من الجهات الرسمية ذات الصلة.
  • مرحلة الإصلاح والتقنين: حيث تم تحديث اللوائح وإصدار تعميم وزاري جديد، ينظم آلية جمع التبرعات الرقمية فقط عبر القنوات المرخصة من وزارة الشؤون.
  • مرحلة استئناف العمل الخيري: وذلك بموجب القرار الصادر عن وزارة الشؤون الاجتماعية بتاريخ 29/6/2025.

ردود الفعل على قرار استئناف العمل الخيري

       في أعقاب صدور قرار وزارة الشؤون الاجتماعية باستئناف العمل الخيري الكويتي بتاريخ 29/6/2025 وفق الضوابط الجديدة، بادرت معظم الجمعيات والمبرات إلى شكر الجهات الرسمية على هذا القرار المهم، والتأكيد على أهمية العمل الخيري واستمرار مسيرته المباركة، وكانت جمعية إحياء التراث الإسلامي من أوائل تلك الجمعيات؛ حيث توجهت بالشكر والامتنان للقيادة الرشيدة على هذا القرار المهم؛ حيث عبرت جمعية إحياء التراث الإسلامي، التي تأسست عام 1982، عن بالغ شكرها وامتنانها للقيادة الكويتية الرشيدة، وعلى رأسها حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، وسمو ولي العهد الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح، وسمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ أحمد العبدالله الأحمد الصباح، ومعالي النائب الأول ووزير الداخلية الشيخ فهد اليوسف السعود الصباح، ووزير الشؤون الاجتماعية د. أمثال هادي هايف الحويلة، ووزير الخارجية عبدالله علي اليحيا، على جهودهم المخلصة في تعزيز كفاءة العمل الإنساني وتطوير إطاره التشريعي.

التحول الرقمي.. والاستعداد للمراجعة الدولية

        من جانبها أكدت وزارة الشؤون الاجتماعية أن الرقمنة ستكون حجر الزاوية للمرحلة المقبلة، مع نشر تقرير سنوي مفصل عن أعمال الجمعيات. وتأتي هذه الإصلاحات في إطار استعداد الكويت للمراجعة الدولية من قبل مجموعة العمل المالي (FATF)، بما يعزز مكانتها بوصفها دولة رائدة في العمل الخيري المؤسسي.  

العمل الخيري الكويتي في قلب التنمية الوطنية

        لقد أثبتت التجربة الأخيرة أن العمل الخيري في الكويت، ليس مجرد نشاط تطوعي؛ بل هو ركيزة أساسية في بناء المجتمع وتحقيق التنمية المستدامة؛ فقد أصبح القطاع الخيري اليوم شريكاً رئيسياً في تنفيذ رؤية الكويت 2035، وذلك من خلال دعم التعليم والصحة والإغاثة، والمساهمة في معالجة الفقر والأزمات الإنسانية داخل البلاد وخارجها.

آثار إيجابية وفرص مستقبلية

لا شك أن قرار استئناف العمل الخيري الكويتي له آثار إيجابية كثيرة، كما يعدّ فرصة ثمينة لمزيد من تنظيم العمل الخيري، وصيانته بما يتوافق مع المعايير الدولية، وذلك بما يضمن الأمور التالية:
  • تعزيز الشفافية وثقة المتبرعين؛ وذلك من خلال نشر التقارير المالية بصورة دورية.
  • تسريع التحول الرقمي في العمليات المالية والإدارية.
  • تحسين السمعة الدولية للكويت وتعزيز العمل الخيري.
  • فتح الباب أمام الشراكات الدولية في مجال العمل الخيري والإنساني.
  • استدامة التمويل، وتطوير منصات ذكية لجمع التبرعات.
  • تطوير التشريعات باستمرار لمواكبة المتغيرات العالمية.
  • تقديم الدعم الفني للجمعيات الصغيرة لتسهيل التحول الرقمي.
  • إطلاق الحملات التوعوية لتعريف الجمهور بالضوابط الجديدة.
  • توسيع برامج التدريب وبناء القدرات للعاملين في القطاع الخيري.

إنجازات رائعة وقصص ملهمة:

      لا شك أن إنجازات العمل الخيري الكويتي لا تقتصر على الأرقام والإحصاءات؛ بل تتجلى في القصص الإنسانية الملهمة؛ حيث أسهم العمل الخيري والإنساني في الكويت في بناء آلاف المدارس والمساجد والمراكز الصحية في قارات العالم أجمع، كما أسهمت في إغاثة ملايين اللاجئين والمتضررين من الكوارث الكونية في أكثر من 40 دولة حول العالم، وإن هذه الإنجازات لم تكن لتتحقق لولا الدعم الشعبي والثقة المجتمعية في مؤسسات العمل الخيري.

شراكات دولية وبرامج تدريبية

       مع دخول العمل الخيري في الكويت مرحلة جديدة من التنظيم والشفافية، باتت الجمعيات الخيرية أكثر قدرة على بناء الشراكات مع المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، ومنظمة الصحة العالمية، والبنك الإسلامي للتنمية، وقد شهد عام 2024 توقيع أكثر من 25 اتفاقية تعاون دولي؛ ما عزز من حضور الكويت على خارطة العمل الإنساني العالمي. واستجابة لمتطلبات المرحلة الجديدة، ستقوم وزارة الشؤون الاجتماعية -بالتعاون مع الجمعيات الخيرية- بإطلاق برامج تدريبية متخصصة في الحوكمة الرقمية والرقابة المالية، حتى يستفيد منها آلاف المتطوعين في المرحلة المقبلة بإذن الله.

الضوابط التنظيمية الجديدة:

  • تُصنف الجمعيات خلال شهر من تاريخه إلى: (ملتزمة، ملتزمة جزئياً، وغير ملتزمة) مع فرض عقوبات على المخالفين؛ وذلك استناداً للقانون رقم 24 لسنة 1962، والقرار الوزاري رقم 1/128 لسنة 2016.
  • سيتم حصر جمع التبرعات الرقمية عبر المواقع الرسمية فقط، ومنع الوسطاء، واشتراط موافقة الوزارة على الحالات الخاصة.
  • إلزامية الإفصاح المالي اليومي عبر برنامج ميكنة الجمعيات، وتقديم تقارير شهرية للوزارة.
  • تنظيم الحملات الخارجية باشتراط موافقات رسمية وتحديد الجهات المنفذة والنسب الإدارية، وإعلانها.
  • تدقيق مالي صارم عبر مدققين معتمدين ومسؤولي التزام داخليين.
  • تفتيش ميداني دوري لضمان الالتزام بالضوابط.
  • تقديم الطلبات إلكترونيا مع أولوية الموافقة للجمعيات الأكثر التزاماً.
   

الخلاصات والدروس المستفادة

  • الحاجة الملحّة إلى الحوكمة الرشيدة، وإلى التحول الرقمي للعمل الخيري.
  • ضرورة وجود نظام رقابي مستقل للعمل الخيري بالتعاون مع الجهات الرقابية.
  • الحاجة إلى إنشاء نظام ترخيص رقمي موحد لضمان الشفافية والحوكمة.
  • إدراج التدريب الإلزامي السنوي للكوادر الخيرية على الأنظمة الجديدة.
  • اعتماد نموذج تقييم الأداء السنوي للجمعيات الخيرية من طرف ثالث.
  • امتثال جميع الجهات الخيرية وحرصها على استمرار مسيرة العمل الخيري.
 

خلاصة القول:

       إن ما شهدته الكويت -خلال الأشهر القليلة الماضية- يعد نقطة تحول إيجابي في تاريخ العمل الخيري؛ حيث انتقل القطاع الثالث من التنظيم التقليدي إلى الحوكمة الرقمية والشفافية المؤسسية، في ظل تلاحم الجمعيات الخيرية ودعم القيادة، تواصل الكويت مسيرتها بوصفها منارة للإنسانية والعطاء؛ محافظة على مكانتها الدولية، وصورتها المباركة في وجدان العالم بوصفها بلد العطاء والإنسانية؛ كما إن إدماج العمل الخيري ضمن الرؤية الوطنية للكويت 2035 ليس مجرد خيار؛ بل أصبح ضرورة استراتيجية تفرضها تحديات العصر ومتطلبات التنمية المستدامة؛ فمع التحولات الرقمية والتشريعية التي يشهدها القطاع، أصبح العمل الخيري الكويتي نموذجاً يحتذى في المنطقة؛ حيث تتلاقى المبادئ الإسلامية مع أحدث أدوات الحوكمة والشفافية. ولا شك أن ما تحقق من إصلاحات ليس نهاية المطاف؛ بل هو بداية لمسيرة أكثر إشراقاً للعمل الخيري الكويتي؛ فمع كل تحدٍ جديد، يثبت أهل الكويت وقادة العمل الخيري قدرتهم على تحويل الأزمات إلى فرص، من أجل ترسيخ قيم العطاء والتكافل في الداخل والخارج.      

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك