رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: أحمد فريد 25 سبتمبر، 2019 0 تعليق

فوائد الابتلاء

 

إن الله -جلت قدرته- يبتلي عباده بما شاء من أنواع البلاء، قال الله -تعالى-  {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُون}(الأنبياء:35)؛ فعلى المؤمن أن يصبر ويرضى بأمر الله -تعالى-، وأن يبصر الرحمة من خلال البلاء، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم؛ فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط. رواه الترمذي وقال حديث حسن، وقد ذكر العلماء فوائد للبلاء نعدد أهمها في هذا المقال.

معرفة عز الربوبية

      فالرب -عز وجل- هو الملك المتصرف، يفعل ما يشاء، {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} (الأنبياء:23)، {مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (هود:56)، فالله -عز وجل- يبتلي مَن شاء بما شاء؛ لأن الرب هو الملك، وهو المربي، ولو أن الله -عز وجل- عذب أهل سماواته وأهل أرضه، لعذبهم وهو غير ظالم لهم؛ لأن المتصرف في ملكه عير ظالم. وقيل: لأنهم لم يقوموا بشكر نعم الله -عز وجل- عليهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيرًا لهم مِن أعمالهم.

معرفة ذل العبودية

     فليس للعبد أن يعترض، والعاقل يفعل في أول يوم مِن المصيبة ما يفعله الجاهل بعد أيام، ويقولون: «الحيلة فيما لا حيلة فيه الصبر»، فليس في مقدور العبد أن يدفع قدر الله -عز وجل-؛ فالله -عز وجل- يبتلي الأمراء بما يبتلي به الفقراء؛ فكلهم عبيد الله؛ ولذا كان مِن السنة لمن أصيب ببلاء أن يقول: «إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرًا منها»، فقوله: «إنا لله» أي: نحن ملك لله -عز وجل-، يتصرف فينا كيف يشاء، ونحن راجعون إليه، موقوفون بين يديه، فيجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته.

يفتح على العبد أبوابًا مِن العبادات

      كالإخلاص، والإنابة، والتضرع، والدعاء: أما الإخلاص: فقد أخبر الله -عز وجل- عن المشركين أنهم إذا ركبوا الفلك وجاءتهم ريح عاصفة، أخلصوا الدعاء لله، والله ينجيهم ببركة هذا الإخلاص المؤقت، وهو يعلم أنهم سيعودون للشرك مرة ثانية؛ يروى أن عكرمة بن أبي جهل لما فتح النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة المكرمة فرَّ فركب البحر، وأتت ريح عاصفة كادت تهلكهم، فقال مَن في السفينة: «إنه لا ينجيكم إلا أن تدعوا الله مخلصين له»، فقال عكرمة: «إذا كان لا ينجي في البحر غيره، فإنه لا ينجي في البر غيره»، وعاهد الله لئن أنجاه مِن هذه ليعودن إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - فيجده رؤوفًا رحيما، فلما أنجاه الله عاد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة، وأسلم وحسن إسلامه، واستشهد في معركة اليرموك - رضي الله عنه .

أما الإنابة: فهي الرجوع إلى الله -عز وجل-، وكم شاهدنا مِن أناسٍ كانوا معرضين عن الله، وبسبب بلاء تابوا وأنابوا، ورجعوا إلى حظيرة الإيمان والعبودية لله -عز وجل!

أما التضرع: فقد قال الله -تعالى-: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} (الأنعام:42)، وإذا أحب الله عبدًا ابتلاه؛ ليسمع تضرعه.

     أما الدعاء: فلا شك أن العبد العاقل يكثر مِن الدعاء في أوقات الشدة والابتلاء؛ لأن الدعاء إظهار الفقر والنقص والحاجة إلى الله -عز وجل-؛ فالله -عز وجل- هو وحده القادر على جلب كل ما يصلح العبد، ودفع ما يضره، والعبد لا يجوز له أن يظهر فقره وحاجته واضطراره إلى غير الله -عز وجل-؛ ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ» (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).

     أما الصبر: فهو مِن أعظم العطايا الإلهية، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، وَلَنْ تُعْطَوْا عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ» (متفق عليه)، وما أعطى الله -عز وجل- أحدًا نعمة ثم انتزعها منه، وعوضه مكانها الصبر، إلا كان ما عوضه خيرًا مما انتزعه.

     والصبر أنواعه ثلاثة: صبر عن الطاعة حتى يؤديها، وصبر على المعصية حتى لا يقع فيها، وصبر على الأقدار المؤلفة، فهو يشمل الدين كله؛ لذا قال الله -تعالى-: {إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ} (المؤمنون:111)، وقال -تعالى-: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ. الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (البقرة:155-157)، قال عمر - رضي الله عنه -: «نعم العدلان، ونعمت العلاوة، وأراد بالعدلين: الصلوات والرحمة، والعدلان: ما يوضع على جانبي سنام البعير، وأراد بالعلاوة: الهداية، والعلاوة: هي الحمولة الزائدة التي توضع فوق سنام البعير».

تمحيص الذنوب

كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَا يَزَالُ البَلَاءُ بِالمُؤْمِنِ وَالمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ» (رواه الترمذي، وقال الألباني: حسن صحيح)، وقال علي - رضي الله عنه -: «لولا مصائب الدنيا، لوردنا الآخرة من المفاليس».

رحمة أهل البلاء

 ومن فوائد البلاء رحمة أهل البلاء ومساعدتهم على بلواهم، فلو ابتلي العبد بالفقر مثلًا يرحم الفقراء، ويستشعر معاناتهم، وإذا ابتلي بالمرض أو السجن -نسأل الله العافية- رحم المرضى والمساجين.

معرفة أقدار النعم

ومن فوائد الابتلاء كذلك معرفة أقدار النعم؛ فمهما كان العبد سليمًا صحيحًا لا يستشعر نعمة الصحة والعافية، إلا أن الله -عز وجل- إذا ابتلاه بشيءٍ من ذلك عرف قدر النعمة.

فوائد خفية

     ومِن فوائد الابتلاء ما يكون مع البلاء مِن فوائد خفية، ومنح مطوية، قال الله -عز وجل-: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (البقرة:216)، وقالوا: «لا تكرهوا البلايا الواقعة، والنقمات الحداثة؛ فلرب أمر تكرهه فيه نجاتك، ولرب أمر تؤثره فيه عطبك!»، وقالوا: «عواقب الأمور تتشابه في الغيوب، فرب محبوب في مكروه، ورب مكروه في محبوب»، وقال بعضهم: «لا أبالي أصبحت على ما أحب، أو على ما أكره؛ لأنني لا أدري: الخير فيما أحب أو فيما أكره»، وقال -تعالى-: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} (الشرح:5-6)، ويفسِّر ذلك قوله -عز وجل-: {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} (الطلاق:7)، قالوا: إن اليسر يكون بعد العسر مباشرة، فكأنه معه.

     وفي قوله -تعالى- {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} لطيفة ذكرها العلماء، وهي: أن المعرفة إذا كررت لا تفيد إضافة، والنكرة إذا كررت أفادت إضافة، فكأنه -عز وجل- قال: «مع كل عسر يسران»، وقالوا: «يسرًا» نكرة للتعظيم، أي: مع كل عسر يسران عظيمان، قال بعض السلف: «لو دخل العسر جحرًا لدخل اليسر وراءه»، قال الله -تعالى-: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}.

يمنع مِن الفخر والخيلاء

فلو كان النمرود فقيرًا سقيمًا، فاقد السمع والبصر، ما حاج إبراهيم في ربه، ولكن حمله على ذلك بَطر الملك، ولو كان فرعون كذلك ما قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} (النازعات:24).

رضا الله -تعالى

فالعبد إذا رضي بما ابتلاه الله -عز وجل- به نال رضا الله. كما قال -تعالى-: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة:72).

معرفة العدو مِن الصديق

مِن فوائد الابتلاء كذلك: معرفة العدو مِن الصديق، وقد قال بعضهم: جــزى الـلـه الـشدائـد كل خـير عرفت بها عدوي من صديقي.

نسأل الله -تعالى- العافية؛ فإن ساحة العافية هي أوسع الساحات قبل نزول البلاء؛ فإذا نزل البلاء، صارت ساحة الصبر أوسع الساحات، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: {لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَاسْأَلُوا اللهَ الْعَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا} (متفق عليه).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك