رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. لؤي بن غالب الصمادي 17 مارس، 2025 0 تعليق

تمكين المرأة النظرة الجاهلية للأنثى في العصر الحديث (2)

  • موضوع تمكين المرأة ليس مجرد مصطلح يُستخدم في النقاشات الفكرية والاجتماعية ويؤخذ معناه من بداهة لفظه بل هو قضية تتطلب فحصًا دقيقًا وتحليلًا عميقًا
  • التمكين مطلوب لتحقيق ذات المرأة وهويتها ومن ضمنها خصائصها الأنثوية ولا يجوز بحال أن يكون التمكين نزعًا لهويتها وتوجّهًا بها إلى خصائص الرجُل
  • الاعتصام بالضوابط الشرعية هو الضمان الأكبر للحفاظ على سلامة الفطرة والأمان المجتمعي والنفسي وينبغي أن تُجعل الشريعة الربانية دليلًا لنا في صياغة سياسات تمكين المرأة
 

ما زلنا نستعرض محاضرات مؤتمر سكن؛ حيث بدأنا في العدد الماضي استعراض ورقة مفهوم «تمكين المرأة» التي قدمها د. لؤي بن غالب الصمادي، (مدير مركز تحصين للبحوث والدراسات)، التي ذكر فيها أن مصطلح تمكين المرأة يحمل دلالات فكرية وثقافية تتطلب الفحص والتمحيص، وأن هذا المفهوم ارتبط بفكرة المساواة بين الجنسين، كما تناولت الورقة تأثير الفكر المادي الغربي على تهميش القيم الإنسانية والأسرية التي تحملها الأنوثة، وتشير إلى تكرار النظرة الجاهلية التي تئد الأنثى في العصر الحديث، واليوم نتكلم عن هذه النقطة وهي: النظرة الجاهلية للأنثى في العصر الحديث.

       كان الفكر الجاهلي قبل الإسلام يزدري الأنثى؛ حيث كانوا ينظرون إلى المرأة نظرةً مادية، فلا يجدون في البنت التي تولَد لهم غَناءً في الدُّنيا؛ لأنها يُنفَق عليها، ولا تَرُدُّ لهم ذلك إذا فارقت الأسرة إلى بيت زوجها، بل يصير نفعُها لزوجها وأبنائها خدمةً ورعايةً؛ ولذلك كانوا يئدونها ويتخلّصون منها، وقد جاء الإسلام ليمحو هذه النظرة، فنهى عن كراهية البنات، ورقَّق القلوب عليهن بوصفهن بالمؤنسات الغاليات فقال - صلى الله عليه وسلم -: «‌لَا ‌تَكْرَهُوا ‌الْبَنَاتِ؛ ‌فَإِنَّهُنَّ ‌الْمُؤْنِسَاتُ ‌الْغَالِيَاتُ»، ورتَّب الأجر العظيم على تربيتهِنّ وإعالتهن، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «‌مَنْ ‌عَالَ ‌جَارِيَتَيْن ‌حَتَّى ‌تَبْلُغَا ‌جَاءَ ‌يَوْمَ ‌القِيَامَةِ ‌أنَا ‌وَهُوَ ‌كَهَاتَيْنِ» وضمَّ أصابعه. رواه مسلم، ووصّى الرجُل بالمرأة على وجه العموم فقال: «‌اسْتَوْصُوا ‌بِالنِّسَاءِ ‌خَيْرًا». والذي نراه اليوم من وأد الأنوثة لأجل النظرة المادّية، شبيه بما كان في الجاهلية، فقد ازدرى أولئك أنوثتها فوأدوها حية، وازدرى الفكر النسوي أنوثتها فاشترط عليها معايير الرجل، وبين الجاهلية وما بعد الحداثة يظهر جمال الإسلام الذي يريدها كما هي؛ لأن خالقها هو الأعلم بها.

كيف ضبطت شريعة الإسلام خصائص الجنسين؟

جاء تشريع الربّ الحكيم ليضبط خصائص الجنسين ويحافظ على تمايزهما في تلك الخصائص، ضمانًا لبقاء الاتزان في الحياة، ويضبط تبعًا لذلك التشريعات المتماثلة والمختلفة بينهما، ويمكن إجمال ذلك في بنود: (1) لا يجوز تشبه أحد الجنسين بالآخر: فالنبي - صلى الله عليه وسلم -: «‌لَعَنَ ‌الْمُتَشَبِّهِينَ ‌مِنَ ‌الرِّجَالِ ‌بِالنِّسَاءِ، ‌وَالْمُتَشَبِّهَاتِ ‌مِنَ ‌النِّسَاءِ ‌بِالرِّجَالِ»، أخرجه البخاري. (2) لا يجوز تمني أحد الجنسين خصائص الآخر والتطلع إليها، وفي هذا يقول الله -تعالى- موجّهًا الخطاب إلى الرجال والنساء: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} (النساء: 32). (3) الأصل في التشريعات تماثل الجنسين، فكل ما يجب للذكور يجب للإناث، وما يجوز لهم يجوز لهنّ ولا فَرق، إلا بدليل يدل على التفريق، وقد سُئِلَ النبيُّ ً- صلى الله عليه وسلم - عن الرجل يجد البلل ولا يذكُر احتلاماَ؟ فقال: «يَغْتَسِل»، وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ولم يجد البلل؟ فقال: «لَا غُسْلَ عَلَيْه»، فقالت أم سُلَيم: يا رسول الله، المرأة ترى ذلك أعلَيها غُسل؟ قال: «‌نَعَمْ، ‌إِنَّمَا ‌النِّسَاءُ ‌شَقَائِقُ ‌الرِّجَالِ» رواه أبو داود والترمذي، فالأصل في خطاب أحد الجنسين -والغالب توجيهُ الخطاب للرجل- دخول الجنس الآخر فيه بالتضمّن، ولذلك كان الأعم الأغلب في خطاب الوحي تساوي الجنسين.

تصديق الأخبار ومسائل الاعتقاد

       فالرجل والمرأة مأموران بتصديق الأخبار ومسائل الاعتقاد على حدٍّ سواء دون تفريق، ومأموران في الأحكام العمليّة بأركان الإسلام الخمسة: الشهادتين والصلوات الخمس، والزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، ويشرع لهما على السواء فعل النوافل المستحبة، كذكر الله -تعالى- والدعوة إليه والبر والإحسان والصلة، وهما مأموران بالعدل والصدق والأمانة وسائر الأخلاق الحميدة. وهما متساويان أيضًا في حصول الأجر والثواب من غير فرق، كما قال -تعالى- {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} (آل عمران: 195)، وقال -سبحانه-: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (الأحزاب: 35). ويستويان في نهيهما عن جملة المحرمات والكبائر، كالشِّرك بالله والسِّحر وقتلِ النفس التي حرم الله إلا بالحقّ والرّبا والزّنا وأكل الخنزير وشُرب الخمر، وغيرها من المحرمات، وسوّى الشرع بينهما في المعاملات المالية، فالمرأة كالرجل في صحة البيع والشراء وسائر المعاملات والتعاقدات، تبرم وتفسخ وتشترط وتهب وتتصدق بكامل حريتها في مالها، فهي جائزة التصرف والتبرع ما دامت حرة بالغة عاقلة رشيدة، ولا تفتقر إلى ولاية الرجل في شيء من ذلك، وهذه الأمور الكلية تتضمن جميعَ العقيدة، وجُلّ الشريعة. (4) فرّق الشارع بين الرجل والمرأة في جملة من الأحكام الشرعية الجزئية، التي هي معلّلة بحِكَمٍ وغاياتٍ، تتبع الفروق المحددة في الخلقة والتكوين الجسدي والنفسي والاجتماعي. (5) التفريق بين الرجل والمرأة يفضي إلى توزيع بعض الأدوار توزيعًا مبنيًّا على العدالة، لا على المساواة المطلقة؛ إذ المساواة بين المختلفات جور وظلم، كما قد يساوي الأبُ بين أبنائه في النّفقة مع اختلافهم في الاحتياجات؛ بسبب مرض بعضهم أو سفره أو دراسته، وأما العَدالةُ فإعطاء كلّ ذي حقٍّ حقّه، وهي عدالةٌ ربانية تفضي إلى التكامل لا إلى التنازع. (6) قانونُ الحياة وسنة الخالق مبنيّة على التفريق بحسَب الحِكمة، لا على المساواة المطلَقة، فالله خلق الحرَّ والبرد، والليل والنهار، والظُّلمة والنور، والقساوة واللين، والماء والنار، والسهل والجبل، والحلو والمرّ، والطُّول والقِصَر، والكِبَر والصِّغَر، والقوة والضعف، وغيرها من الأضداد والمتقابلات التي تتحقق بها حكمة الوجود وانتظام المصالح، ولو استوت مظاهر الحياة على وصف واحدٍ لما استقامت.

أهم الفروق في التشريعات

(7)  من أهم الفروق في التشريعات: 1- بعض العبادات، فعلى الرجل حضور الجمع والجماعات، وعليه الجهاد في سبيل الله، وليس على المرأة ذلك، وليس لها السفر بلا محرم. 2- تسقط الصلاة مطلقًا عن المرأة في حال الحيض والنفاس، ويسقط عنها الصَّوم أداءً لا قضاءً. 3- العورة، فعورة المرأة تختلف عن عورة الرجل، وعلى كلٍّ منهما سترها، وكذلك فرض على المرأة الحجاب، ووجب عليها من الستر والصيانة ما لا يجب على الرجل. 4- نوع اللباس، فللمرأة لبس الذهب والحرير، وليس للرجل ذلك. 5- من أحكام الأسرة، فالرجل ولي على المرأة في التزويج، وله السيادة عليها داخل الأسرة، وبيده الطلاق والرجعة، وعليه أن ينفق عليها ويحميها، وعليها طاعته وحفظ غيبته، فبينهما حقوق وواجبات متكافئة في الأصل، لكنّ الرجل أعلى منها في ذلك بدرجة، كما قال -تعالى-: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} (البقرة: 228). 6- ولاية الحُكم والقَضاء، فهي خاصّةٌ بالرّجل دون المرأة، قال -[-: «لَن يُفلِحَ قومٌ ولَّوا أمرَهُم امرأة». 7- أحكام الشهادة، فجعل شهادة الرجل بشهادة امرأتين، لأن المرأة في الغالب أضعف من الرجل في هذا الجانب، وقد ثبت علميًّا أنّ دماغ الرجل أكبر وأكثر في عدد الخلايا من دماغ المرأة. 8-  بعض الواجبات والحقوق المالية الاجتماعية، فالرجل يشارك في دية القاتل إذا كان من عصبته الذكور وهم المسمّون بالعاقلة، ولا تشارك المرأة، والرجل يأخذ ضعف المرأة في الميراث حال تساوي الجهة والطبقة في كثير من الحالات، فالأخ الشقيق أو الأب إذا ورث مع أخت مثله، والابن إذا ورث مع بنت، كان للرجل مثل حظ الأنثيين، بخلاف الأب مع الأم، والأخ لأم مع الأخت لأم.

تمكين المرأة ليس مجرد مصطلح

        في الختام، يظهر أن موضوع تمكين المرأة ليس مجرد مصطلح يُستخدم في النقاشات الفكرية والاجتماعية ويؤخذ معناه من بداهة لفظه، بل هو قضية تتطلب فحصًا دقيقًا وتحليلًا عميقًا، فالتمكين مطلوب لتحقيق ذات المرأة وهويتها والتي من ضمنها خصائصها الأنثوية، ولا يجوز بحال أن يكون التمكين نزعًا لهويتها وتوجّهًا بها إلى قِبلة خصائص الرجُل، ولذلك فإن الاعتصام بالضوابط الشرعية هو الضمان الأكبر للحفاظ على سلامة الفطرة والأمان المجتمعي والنفسي، وينبغي بالتالي أن تُجعل الشريعة الربانية دليلًا لنا في صياغة سياسات تمكين المرأة، حتى نتجنب التبعات السلبية الناتجة عن التصورات المادّية أو الفلسفات الغربية غير المتوافقة مع الفطرة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك


X