رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. أمير الحداد 16 ديسمبر، 2024 0 تعليق

السنن الإلهية (24) سنّة الله في (عقوق الوالدين)!

أديت وصاحبي صلاة الجمعة في غير مسجدنا المعتاد، كل مسجد له خصوصية يتفق عليها رواده، فإن لم تكن  من أهل المسجد لا تستغرب بعض (الأوضاع) غير الصحيحة. دخل الخطيب، صعد المنبر، سلّم على المصلين، رُفع الأذان، تناول الخطيب أوراقا كتبت فيها الخطبة (الرسمية) لوزارة الأوقاف، وأخذ يقرأ منها، كان موضوعها (بر الوالدين) انتهى من الخطبتين بأقل من ثلاث عشرة دقيقة، خرجت وصاحبي بعد الصلاة، بدأ هو الحوار. - لا أعلم  كيف يكتفي الخطيب بقراءة الخطبة، وكأنه مدرس يريد أن ينهي مادة تعليمية، ثم ينصرف. - هذه وظيفة، وقد أداها كما هو مطلوب منه. - نعم هي وظيفة، ولكن ما المانع أن يكسب أجر الآخرة أيضا، بأن يضيف لما كتب ويزيد على ما أرسل إليه، ويضع جهدا في إرسال الموضوع ذاته إلى المصلين، ولكن دون أسلوب الإلقاء المدرسي؟ - دعنا من ذلك يا (أبا فيصل)، لكل خطيب أسبابه، ولكن لنتحدث عن الموضوع (بر الوالدين وعقوقهما)، هل تعلم أن الله -عز وجل- له سنة نافذة دائمة فيمن يقع في هذا الذنب العظيم؟ - تعني (عقوق الوالدين)؟ - نعم، هذه كبيرة من الكبائر التي يعجل الله عقوبتها في الدنيا قبل الآخرة، مع ما يدخره لصاحبها في الآخرة من عذاب؛ ففي الحديث عن أبي بكر نقيع بن الحارث - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كل ذنوب يؤخر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة، إلا البغي وعقوق الوالدين (أو قطيعة الرحم)، يعجل لصاحبها في الدنيا قبل الموت» (صحيح الأدب المفرد). وفي رواية «ما من ذنب أجدر أن يعجل الله -تعالى- لصاحبه العقوبة في الدنيا مع  ما يدخر له في الآخرة مثل البغي وقطيعة الرحم» (صحيح الجامع). - نعوذ بالله من عذاب الله، لا شك أنه ذنب عظيم. - وفي رواية أنس بن مالك - رضي الله عنه - جزم بهذه السنة الإلهية حديث يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا: البغي والعقوق» (صحيح الجامع). استدرك صاحبي موضحا: - لا ننسى أن العقوق درجات، وأقسى العقوبة مع أقصى العقوق وذلك أن بعض العلماء، جعل من العقوق أن تأكل مع والدك! وأن تنظر إليه إذا تحدثت معه! وأظن أن مفهوم (العقوق) يختلف مع اختلاف (الأعراف) في المجتمع. - دعني أبيّن أمرا قبل أن نناقش (درجات العقوق). (العقوق) مشتق من (العق)، وهو القطع والشق، ولعل مقياس العقوق، هو شعور الأب المنصف بأن ابنه (بار به) أو (عاق له)، ولا شك أن هناك  درجات لا خلاف على أنها من العقوق مثل ما بين النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه! قيل: يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه؟! قال: يسب الرجل أبا الرجل، فيسب أباه وأمه» (البخاري)، وكذلك من العقوق الذي لا شك فيه  أن يبلغ الغضب في الوالد حتى يدعو على ابنه! ودعوته مستجابة. كما في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رسول الله  - صلى الله عليه وسلم -:  «ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة  المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده» (الألباني حسن لغيره). وكما في العقوق درجات، في البر درجات، والعبد يجتهد أن يكون بارا بوالديه، يبتغي رضا الله والجنة. (كما أن تمام الأجر مع تمام العمل، كذلك تمام العذاب مع تمام العقوبة). - أحسنت يا (أبا أحمد)، العبد مهما اجتهد في بر والديه، هناك درجة أعلى، والسقف عال جدا في بر الوالدين، في حياتهما وبعد موتهما، وكذلك العقوق دركاته كثيرة، أظن أن المطلوب أن يكون الوالدان راضيين، بمعنى أن يشعر الوالدان أن  الابن بار بهما، على قدر استطاعته. - من أبواب الجنة باب لبر الوالدين، كما هناك باب للصلاة وباب للصدقة وباب للصيام، من أبواب الجنة باب (بر الوالدين) في الحديث عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الوالد أوسط أبواب الجنة فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه» (صحيح الترمذي).        قاطعني. والوالدة؟ -  لا  شك  أن شأنها أعظم؛ فهذا من باب الاستشهاد بالأقل على الأعلى، بمعنى إن كان  الباب للوالد، فالوالدة أولى بهذا الباب، ومن حفظ حتى الوالد فهو  لحق الوالدة أحفظ؛ وذلك أن الوصية بها ثلاثة أضعاف الوصية بالوالد، كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - المعروف: «قال رجل: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن الصحبة؟ قال:  أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أبوك، ثم أدناك  فأدناك» (صحيح مسلم). الشاهد أن سنة الله في بر الوالدين الأجر العظيم في الدنيا وسبب لدخول الجنة، وفي عقوق الوالدين العقوبة المعجلة في الدنيا، والحرمان من الجنة إلا بعد المغفرة بمشيئة الله.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك