المستقبل للإسلام
من درر الأعلام
إعداد: وائل سلامة
- إنّ الهزيمة الإيمانية لا تقع طالما عَمَرَ الإسلامُ القلبَ والروحَ وإن وقعت الهزيمة الظاهرية في بعض الأحيان
- مهما ادلهمت الظلمات وتكالب الأعداء وتداعت الأُمم وكَثُرَ المخالفون والخَاذلون وقلّ الناصرون فبشِّروا ولا تنفِّروا ويسِّروا ولا تعسِّروا
الشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني
إن الله -سبحانه وتعالى- جعل المستقبل للإسلام، بالفتح المبين، والنصر العزيز، والاستخلاف والتمكين لعباده المستضعفين؛ لينتشر الهدى والنور في مختلف أنحاء المعمورة، ويعم دين الحق والهدى الذي تحمله الفرقة الناجية المبرورة، وتذب عنه الطائفة المنصُورة.
قال العلامة الألباني -رحمه الله-: قال اللهُ -عزوجل-: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} (التوبة:33)، تبشرنا هذه الآية الكريمة بأن المستقبل للإسلام؛ بسيطرته، وظهوره، وحكمه على الأديان - كلها-، وقد يظن بعض الناس أن ذلك قد تحقق في عهده - صلى الله عليه وسلم - وعهد الخلفاء الراشدين والملوك الصالحين! وليس كذلك، فالذي تحقق إنما هو جزء من هذا الوعد الصادق؛ كما أشار إلى ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «لا يذهَبُ الليلُ والنَّهارُ حتى تُعْبَدَ اللاَّتُ والعُزَّى»، فقالتْ عائشةُ: يا رسولَ اللهِ! إنْ كنتُ لأظُنُّ حينَ أَنْزَلَ اللهُ - تعالى-: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} (التوبة:33)، أن ذلك تاما؟! قال: «إنه سَيكونُ مِن ذلك مَا شَاءَ اللهُ». (رواه مسلم وغيره).مبلغ ظهور الإسلام
وقد وردت أحاديث أُخرى توضِّح مبلغ ظهور الإسلام، ومدى انتشاره؛ بحيث لا تدع مجالاً للشكِّ في أن المستقبل للإسلام -بإذن الله وتوفيقه-، وها أنا ذا أسوق ما تيسَّر من هذه الأحاديث؛ عسى أن تكون سبباً لشحذ همم العاملين للإسلام، وحجة على اليائسين المتواكلين: قال - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ اللهَ زَوَىَ لِيَ الأرْضَ؛ فرأَيْتُ مشارِقَها ومغارِبَها، وإِنَّ أُمَّتي سيبْلُغُ مُلْكُها ما زُوِيَ لي مِنها» (رواه مسلم وغيره) وزَوَى أي: جمعَ وضمَّ. وأوضح منه وأعمُّ قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لَيَبْلُغَنَّ هذا الأمرُ ما بَلَغَ الليلُ والنَّهارُ، ولا يَتْرُكُ اللهُ بيتَ مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلاَّ أَدْخَلَهُ اللهُ هذا الدِّينَ؛ بعزِّ عزيزٍ، أو بِذُلِّ ذليلٍ؛ عزّاً يُعِزُّ اللهُ بهِ الإسلامَ، وذُلا يُذِلُّ بهِ الكُفْرَ»، ومما لا شك فيه: أن تحقيق هذا الانتشار يستلزم أن يعود المسلمون أقوياء في معنوياتهم، ومادياتهم، وسلاحهم؛ حتى يستطيعوا أن يتغلبوا على قوى الكفر والطغيان، وهذا ما يبشِّرنا به الحديث.أَيُّ المَدينتينِ تُفْتَحُ أُوَّلاً؟
وعن أبي قَبيلٍ قال: كُنَّا عند عبدالله بن عمرو بن العاصي، وسُئِلَ: أَيُّ المَدينتينِ تُفْتَحُ أُوَّلاً: القُسطَنطينِيَّةُ أو رُومِيَةُ؟ فدَعا عبدُالله بصندوق لهُ حِلَقٌ، قال: فأَخْرَجَ منهُ كِتاباً، قال: فقال عبدُالله: بينما نحنُ حولَ رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نكتُبُ؛ إذ سُئِلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: أيُّ المدينتينِ تُفْتَحُ أولا: أقسطنطينيَّةُ أو رُومِيَةُ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَدينةُ هِرَقْلَ تُفْتَح أولا» يعني: قُسْطَنطينِيَّةَ. (رواه أحمد والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي؛ وهو كما قالا). و(رومية): هي روما، كما في (معجم البلدان) وهي عاصمة إيطاليا اليوم. وقد تحقَّق الفتح الأول على يد محمد الفاتح العثماني - كما هو معروف-، وذلك بعد أكثر من ثماني مئة سنة من إخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - بالفتح، وسيتحقق الفتح الثاني - بإذن الله تعالى- ولابد... ولتعلمنَّ نبأه بعد حين، ولا شكَّ - أيضاً- أن تحقيق الفتح الثاني يستدعي أن تعود الخلافة الراشدة إلى الأمة المسلمة. وهذا مما يبشرنا به - صلى الله عليه وسلم - بقوله في الحديث: «تكونُ النُّبُوَّةُ فيكُم ما شاءَ اللهُ أن تَكونَ، ثم يرفعُها اللهُ إذا شاء أن يرفَعَها-، ثم تكونُ خلافةٌ على مِنهاجِ النُّبُوَّةِ، فتكونُ ما شاء اللهُ أن تكونَ، ثم يرفَعُها إذا شاء أن يرفَعَها، ثم تكونُ مُلْكاً عاضّاً، فيكونُ ما شاءَ اللهُ أن تَكونَ، ثم يرفَعُها إذا شاء اللهُ أن يرفَعَها، ثم تكونُ مُلكاً جَبْريّاً، فتكونُ ما شاء اللهُ أن تكونَ، ثم يرفَعُها إذا شاء أن يرفَعَها، ثم تكونُ خلافةٌ على منهاجِ النُّبُوَّةِ» ثم سَكَتَ. ومن البعيد - عندي- حمل الحديث على عمر بن عبد العزيز؛ لأن خلافته كانت قريبة العهد بالخلافة الراشدة، ولم تكن بعد ملكين: ملك عاض، وملك جبرية، والله أعلم.من المبشرات
هذا، وإن من المبشرات بعودة القوة إلى المسلمين، واستثمارهم الأرض استثمارًا يساعدهم على تحقيق الغرض، وتنبئ عن أن لهم مستقبلاً باهراً، حتى من الناحية الاقتصادية والزراعية: قوله - صلى الله عليه وسلم - -: «لا تَقومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَعودَ أَرضُ العَربِ مُرُوجاً وأنهارا» (رواه مسلم من حديث أبي هريرة)، وقد بدأت تباشير هذا الحديث تتحقق في بعض الجهات من جزيرة العرب؛ بما أفاض الله عليها من خيرات وبركات وآلات ناضحات تستنبط الماء الغزير من بطن أرض الصحراء، وهناك فكرة بجر نهر الفرات إلى الجزيرة، كنا قرأناها في بعض الجرائد المحلِّيَّةِ، فلعلها تخرج إلى حيز الوجود، وإنَّ غداً لناظره قريب!الفهم الصحيح
هذا، ومما يجب أن يُعلم بهذه المناسبة أن قوله -عزوجل-: «لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شرٌّ منه، حتى تَلْقَوْا ربكم» (رواه البخاري في (الفتن) من حديث أنس مرفوعاً)، فهذا الحديث ينبغي أن يُفْهَم على ضوء الأحاديث المتقدمة وغيرها، مثل: أحاديث المهدي، ونزول عيسى -عليه السلام- فإنها تدلُّ على أن هذا الحديث ليس على عمومه، بل هو من العامِّ المخصوص؛ فلا يجوز إفهام الناس أنه على عمومه؛ فيقعوا في اليأس الذي لا يصحُّ أن يتصف به المؤمن: {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} (يوسف:87) أسأل الله أن يجعلنا مؤمنين به حقّاً.المستقبل للإسلام يقينًا
نعم، بكل جزمٍ ويقين، بلا ظنٍ ولا تخمين، نقول: إنّ المستقبل لهذا الدِّين، إنّ المستقبل للإسلام؛ ما التزم المسلمون دينهم، وكانوا أهلاً لحمل دين الله، ومحلا لنصر الله، الذي لا يتخلف أبداً؛ لقوله -تعالى-: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (الروم: ٤٧) .صنع جيل القدوة الأول
إنّ الاعتقاد بأن المستقبل للإسلام هو الذي صنع جيل القدوة الأول: محمدًا - صلى الله عليه وسلم - والذين معه، وهذا اليقين جعلهم يرتبطون بالعروة الوثقى التي تشدهم إلى الله، وتمنعهم من السقوط، وتُجدِّد فيهم الأمل المنشود، وتحفظهم من القنوط؛ فكانوا بهذا أنموذجًا فريدًا في الثبات على الدِّين.مرحلة عصيبة
نكتب هذا ونقوله والمسلمون يمرون بمراحل عصيبة، تكاد تغلب عليها عوامل اليأس والقنوط، وتحوطها مشاعر الإحباط التي تُخدِّر العزائم، وتقتل الهمم، وتدمر الطموح، إنّ الهزيمة الإيمانية لا تقع طالما عَمَرَ الإسلامُ القلبَ والروحَ، وإن وقعت الهزيمة الظاهرية في بعض الأحايين، ومهما ادلهمت الظلمات، وتكالب الأعداء، وتداعت الأُمم، وكَثُرَ المخالفون والخَاذلون، وقلّ الناصرون: «فبشِّروا ولا تنفِّروا، ويسِّروا ولا تعسِّروا»: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} (الشرح:5-6)، وكلّما ادلهّم الليل وزاد ظُلمةً، أيقنّا ببزوغ الشمس، وميلاد فجرٍ جديد، والحمد لله أولاً وآخراً، ظاهرًا وباطنًا، وصلى الله وسلم على رسول الهدى والنبي المجتبى محمد حبيب ربِّ العالمين.
لاتوجد تعليقات