ظاهرة تنذر بالخطر . . ! عزوف الشباب عن الزواج
- بحسب دراسة أعدتها جامعة الكويت فإن أكثر من 30% من الذكور الكويتيين لم يسبق لهم الزواج في وقت تنخفض هذه النسبة إلى 19% لدى الإناث
- لا تزال الأسباب الاقتصادية هي الأبرز وراء عزوف الشباب عن الزواج ولا سيما غلاء المهور وأزمة السكن
- تكفّل الله سبحانه وتعالى بجعل الزواج سبيلا إلى الغنى قال سبحانه:{وأنْكحوا الْأيامى منْكمْ والصّالحين منْ عبادكمْ وإمائكمْ إنْ يكونوا فقراء يغْنهم اللّه منْ فضْله}
- معظم الدراسات تشير إلى أهمية تيسير الزواج في ضوء التعاليم الإسلامية وتشجيع المجتمع على تبني مبادرات تسهم في محاربة ظاهرة العزوف عن الزواج
- ظاهرة عزوف الشباب عن الزواج باتت تنخر في جسم المجتمع وتهدد استقراره وترهق كيان الأسرة والمجتمع على حد سواء
- دعم الجمعيات الخيرية والمبادرات المحلية التي تقدم مساعدات مالية وعينية للشباب المقبلين على الزواج يسهم في تعزيز الروابط المجتمعية ودعم الاستقرار الأسري
رغّب الإسلام في الزواج بطرائق متعددة؛ فتارة يخبر أن الزواج آية من آيات الله الدالّة على حكمته، والداعية إلى التفكّر في عظيم خلْقه وبديع صنعه: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}، وأحيانا يذكر الزواج في معرض الامتنان: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ}، وأحيانا يعدّه سبيلا من الاستقرار النفسي كما جاء الحديث الشريف: «الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة».
ومن هنا كان حثّ الإسلام الشباب على الزواج بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة، فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع، فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء»، ولا شك أن من آثار اتّباع سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الزواج حصول الأنس والمودة، والراحة والطمأنينة بين الزوجين؛ ولذلك حذر الإسلام من مغبة عدم تزويج الشباب بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه، فزوّجوه، إلا تفعلوا، تكن فتنة في الأرض وفساد عريض!».ظاهرة خطيرة!
يرى أهل الاختصاص في الدراسات الاجتماعية أن ظاهرة عزوف الشباب عن الزواج - ولا سيما المثقف منهم - من الظواهر التي تنخر في جسم المجتمع وتهدد استقراره؛ حيث باتت ظاهرة ترهق كيان الأسرة والمجتمع على حد سواء، نظرا لطبيعة المشكلات وحجمها، ومن أهم المشكلات التي أصبح يتخبط فيها الشاب المثقف هي حالة عدم الاستقرار، التي تنعكس سلبا على حياته وحياة من حوله، وعلى استقرار الأسرة واستمرارها، وتقدم المجتمع وتطوره؛ حيث لا تزال الأسباب الاقتصادية هي الأبرز وراء عزوف الشباب عن الزواج ولا سيما غلاء المهور وأزمة السكن، مع توسع دائرة التعارف والاحتكاك والاختلاط بسبب التطور التكنولوجي وفي مقدمته مواقع التواصل الاجتماعي. ويشير خبراء الاجتماع أيضًا إلى أن مجتمعاتنا طرأت عليها متغيرات في أولويات وأهداف الزواج، ومن ضمنها: ماذا يحقق الزواج لكل طرف من الأطراف؟! مع أن تمكين المرأة وممارستها العمل جعلها ترفض التنازلات في الزواج، وأن تسعى لاختيار شريك حياة مناسب لها، وبسبب ذلك العزوف؛ ارتفع سن الزواج - في كثير من الأحيان- إلى أكثر 30 عاما!الأسباب متعددة والنتيجة واحدة
- بحسب دراسة أعدتها جامعة الكويت، فإن أكثر من 30 % من الذكور الكويتيين لم يسبق لهم الزواج، في وقت تنخفض هذه النسبة إلى 19 % لدى الإناث، كما ارتفع معدّل أعمار الكويتيين الذكور عند الزواج إلى 26 عامًا، بعدما كان 22 قبل 10 أعوام، وارتفع متوسط أعمار الإناث إلى 32 عاماً بعدما كان 19 عامًا.
- كما أن من أسباب العزوف الإرادي لدى الذكور هو أنهم لم يحققوا طموحهم، أما الإناث فالسبب يتمثل في التوقعات المثالية وانتظار فارس الأحلام المنشود! وهذا بلا شك بسبب تأثرهم بالإعلام وما يبث من رسائل سلبية وغير واقعية.
- ومن أسباب العزوف عن الزواج الخشية من المستقبل في ظل الظروف القاسية المحيطة، وفَقْد المفاهيم الشرعية الصحيحة للزواج والسكن والمودة والبُعد عن الدين وقلة الإيمان بأن الرزق من عند الله -تعالى-، إلى جانب الإحباط وفقدان الأمل في المستقبل وسيطرة الخوف في عدم القدرة على تحمل المسؤولية.
- وأحيانا يعود السبب في العزوف عن الزواج إلى المستوى التعليمي العالي للفتاة وطلبها لمَن يماثلها تعليميا أو اجتماعيا، ويضاف إلى ذلك تدخل الأهل وفرض آرائهم المغايرة لآراء أبنائهم ما يؤدي إلى تأخر الزواج.
- ومن الأسباب أيضا تأثر الشباب والفتيات بتنامي طلبات المعيشة، إضافة لرغبتهم في الانتهاء من تعليمهم الجامعي والحصول على شهادات عليا، ومن ثم الالتحاق بالمناصب والوظائف المرموقة، ولا شك أن ذلك قد يترتب عليه انخفاض مقلق في معدلات الإنجاب والخصوبة ونسب الزواج حتى يصبح المواطنون أقلية في أوطانهم!
آثار سلبية ومخاطر اجتماعية
ومما لا شك فيه أن تأخّر سِن الزواج له انعكاسات وآثار سلبية كثيرة على المجتمع من جهة، وعلى الشاب والفتاة من جهة أُخرى، وذلك من النواحي النفسية والجسدية، ومن أبرز تلك المخاطر:- انتشار الظواهر غير الأخلاقية والانحرافات السلوكية في المجتمع.
- انتشار الاكتئاب والقلق؛ بسبب عدم وجود السكن والشريك المناسب.
- السخط على المجتمع وسوء التكيّف الاجتماعي، والميل للوحدة والانعزالية وتحميل الأهل أحيانًا مسؤولية عدم الزواج ما قد يؤدي إلى العقوق أحيانا.
- شعور المرأة بالنقص وعدم رغبة الجنس الآخر بها ما يؤدي إلى فقد التقدير الذاتي والثقة لديها.
- عدم استقرار المجتمع بسبب انتشار العنوسة وتعطيل قدرات الشباب في ظل الحاجة للاستقرار النفسي والجسدي.
يغنهم الله من فضله
وهكذا نجد أن لعزوف الشباب عن الزواج -رغم التوجيهات الإسلامية- أسبابا متعددة تتعلق بجوانب اقتصادية واجتماعية وثقافية ونفسية، ولا شك أن تلك القضية تتطلب مقاربة شاملة تستند إلى الأطر الاجتماعية والاقتصادية والنفسية التي تسهم في فهم هذه الظاهرة، الأمر الذي من شأنه أن يساعد على تطوير توصيات عملية وحلول واقعية تستهدف تيسير الزواج وإعادة تعزيز قيمته في المجتمع.على طريق الحل والعلاج
ولعل معظم الدراسات تشير إلى أهمية تيسير الزواج في ضوء التعاليم الإسلامية، وتشجيع المجتمع على تبني مبادرات تسهم في محاربة ظاهرة العزوف عن الزواج؛ بإزالة العوائق الاقتصادية والثقافية التي تعترض طريق الشباب، وتعزيز القيم الإسلامية التي تحض على الزواج بوصفه ركيزة للاستقرار الاجتماعي والنفسي، ليساعد في بناء مجتمع متماسك يقيم العلاقات الأسرية السليمة، ويمكننا إيجاز أهم الأمور والتوصيات من أجل معالجة تلك الظاهرة في النقاط التالية:- التوعية الإعلامية: يؤدي الإعلام دورًا رئيسيًا في تحسين وضع الزواج وتعزيز القيم الإيجابية، ويجب أن يتعاون الإعلام مع المؤسسات التعليمية والدينية لتقديم محتوى يعزز من مفهوم الزواج بوصفه جزءا أساسيا في حياة الإنسان والمجتمع.
- الدعم الحكومي: يُوصى بزيادة الدعم الحكومي في مجالات الإسكان وتخفيف تكاليف الزواج، من خلال تقديم قروض ميسرة، ومنح إسكان للشباب المقبلين على الزواج، ما يسهم في تسهيل هذه الخطوة المهمة.
- البرامج التأهيلية للشباب: إنشاء مراكز وورش عمل للشباب والشابات المقبلين على الزواج، تُعنى بتعليمهم أسس العلاقات الزوجية الناجحة، وتعليمهم طرقًا فعالة للتعامل مع التحديات الأسرية، وتقديم الدورات التدريبية المناسبة ما يعزز الخبرات ويصقل المهارات من أجل بناء أسر مستقرة؛ حيث يفتقر كثير من الأزواج إلى المهارات اللازمة للتواصل الفعّال وحل النزاعات، ومن ثم، يكون مهما تعزيز برامج التوعية والإرشاد الأسري لمساعدة الشباب على اتخاذ قرارات مدروسة بشأن الزواج وتحسين العلاقات الأسرية.
- تشجيع المبادرات المجتمعية: من المهم دعم الجمعيات الخيرية والمبادرات المحلية التي تقدم مساعدات مالية وعينية للشباب المقبلين على الزواج، التي تسهم في تعزيز الروابط المجتمعية ودعم الاستقرار الأسري، وعلى رأسها «صناديق الزواج» وغيرها من المبادرات الإيجابية، وبفضل الله فإنّ هنالك العديد من الجمعيات التي تُعنى بتزويج الشباب من خلال إقامة الأعراس الجماعية لتخفيف الأعباء المادية.. وهي خطوة طيبة يؤجرون عليها ولها صدى رائع؛ حيث يشعر المرء بقيمة التكافل الاجتماعي والتعاضد والأخوّة الإسلامية.
- إحياء المفاهيم الإسلامية حول الزواج: على المؤسسات الدينية توعية الشباب بأهمية تبسيط الزواج والابتعاد عن التكاليف الباهظة، استنادًا إلى الحديث النبوي: «خير النكاح أيسره». فتبسيط مراسم الزواج قد يزيل العديد من العوائق المالية والاجتماعية أمام الشباب.
تأثير وسائل الإعلام
من أهم أسباب عزوف الشباب عن الزواج والخوف من الإقدام عليه تأثير الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في تكوين رؤية الشباب حول الزواج؛ حيث أضحت تلك الوسائل تؤدي دورًا كبيرًا في نقل صور نمطية حول العلاقات الزوجية من ذلك المثالية غير الواقعية؛ حيث تُظهر كثير من البرامج التلفزيونية والأفلام والمسلسلات الحياة الزوجية في صورة إما سلبية بوصفها مصدرًا للعناء، أو مثالية غير واقعية، الأمر الذي يسبب قلقًا وترددًا لدى الشباب، أضف إلى ذلك تأثيرات العولمة الثقافية على القيم المجتمعية؛ فإن من آثارها اتباع العادات والتقاليد الوافدة المخالفة لهدى الإسلام، والدعوة إلى ما يسمى بالمساكنة وكسر الحواجز الشرعية بين الذكور والإناث التي تروج لها بعض وسائل الإعلام والأجندات الغربية.الزواج قيمة محورية في الإسلام
خلاصة الأمر فإن الزواج يمثل قيمة محورية في الإسلام والمجتمع، ليس فقط لتحقيق الإشباع العاطفي والروحي، بل لبناء مجتمع آمن ومستقر؛ ولهذا فإن رعاية شؤون الشباب وتيسير الزواج لهم مسؤولية تقع على المجتمع كله، ولا بد في حل مشكلة عزوف الشباب عن الزواج من تضافر الجهود بين الجهات ذات الصلة في الدولة من أجل دراسة الأمر دراسة أعمق والخروج بالحلول المناسبة لحل تلك الأزمة، ومن أجل تحقيق التكامل بين الجنسين في إطار الزواج الشرعي ضمن إطار من الاحترام والمودة، والحاجة ماسة إلى مبادرات واسعة النطاق تسهم فيها كل من: الدولة والمؤسسات التعليمية والدينية والاجتماعية والنفسية والمالية، ومؤسسات المجتمع المدني ذات الصلة لتحقيق استقرار مجتمعي يعيد للزواج مكانته.
لاتوجد تعليقات