رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: مركز سلف للبحوث والدراسات 15 أكتوبر، 2024 0 تعليق

قوانين العقل الباطن وأثرها في نشر الإلحاد

  • مصادر المعرفة عند أصحاب هذه المذاهب ترتبط ارتباطًا وثيقًا بإحياء القول بوحدة الوجود والقول بالحلول والاتحاد
  • عند النظر في قوانين العقل الباطن نجدها تستهدف في كثير من تطبيقاتها وملحقاتها تعظيم شأن الإنسان وقدراته بطريقة مبالغ فيها
  • قوانين العقل الباطن تؤدي إلى تعظيم الإنسان لنفسه وقدراته حتى يصل لمرحلة تجعله يستشعر عدم الحاجة لوجود إله يهديه ويعتمد عليه ويدعوه لقضاء حوائجه
  • بمثل هذه الأفكار ينخدع شباب المسلمين فكل واحد منهم يريد أن يكون هذا الرجل السوبرمان الذي يستطيع فعل أي شيء في أي وقت
  • كثير ممن مارسوا تطبيقات البرمجة اللغوية العصبية أصابتهم لوثة الفلسفة وانحرفوا بعيدًا عن منهج العبودية متبعين خطوات الشيطان التي نهوا عنها
 

د. حماد عبد الجليل حسن       مركز سلف للبحوث والدراسات

 

مواقع نشر الإلحاد في أوساط المسلمين كثيرة كالقنوات الفضائية، والمواقع الإلكترونية، وشبكة التواصل الاجتماعي، والفيسبوك، وتويتر والكتب، والمقالات، والصحف، والمجلات، وغيرها، ومع زيادة نشاط الملاحدة مؤخرًا تفتَّقت أذهانهم عن وسائل جديدة للدخول إلى أبناء الإسلام بخديعة التجديد والتطوّر، وتنمية القدرات والأداء البشري، وتطوير الذات، وإكسابها القوَّة والثقة فدخلوا علينا بأسماء فخمة، وشعارات رنانة، مثل: (أيقظ قواك الخفيّة)، (قدراتك بلا حدود)، (قوة التفكير)، (اكتشاف الذات)، (أيقظ قدراتك واصنع مستقبلك)، وأخيرًا: (قوة العقل الباطن)، وعن طريق هذا الأخير نشروا بين شباب المسلمين وثنيتهم في ثوب جديد، فجعلوا من هذا العقل الباطن إلهًا يُعبد من دون الله، فقدراته بلا حدود، قوة جبّارة في داخل الإنسان.

  يقول أحدهم: (عقلك الباطن لديه الحلّ لجميع المشكلات)، (عقلك الباطن يستطيع أن يشفيك)، (لا تعتقد في أشياء تسبّب لك الضرر أو الأذى، اعتقِد في سلطة عقلك الباطن وقوته)، وهكذا بمثل هذه الشعارات الرنانة نشروا الشرك بين شباب المسلمين، فما العقل الباطن، أو العقل اللاوعي؟ وما تطبيقاته؟ وما الانحرافات المترتبة على اعتقاد العقل الباطن؟

أولًا: تعريف العقل الباطن

       العقل الباطن هو مفهوم نشأ أول ما نشأ في فروع الطبّ النفسي، يقترب كثيرا من معنى (النفس)، أو (القلب)، أو (الإرادة)، أو (الروع)، أو (الذاكرة)، ونحوها من المفاهيم التي نعرف من معانيها قاسما مشتركا متعلّقا بمخزن الأفكار والتصورات والمشاعر والأحاسيس في النفس الإنسانية، وجاء في معجم اللغة العربية المعاصرة: (العقل الباطن هو: جزء من الدِّماغ يحتوي على عناصر التَّكوين العقليّ أو النَّفسيّ، التي لا تخضع لسيطرة أو إدراك الوعي، ولكنَّها غالبًا ما تؤثِّر في التّفكير أو التّصرّف الواعي، رغبات مكبوتة في اللّاشعور، ويمكن أن نسميه: (اللّاشعور، أو اللّاوعي). وهناك اختلاف بين المدارس الفكرية بشأن تحديد هذا المفهوم على وجه الدقة والقطعية، إلا أن العقل الباطن على الإجمال هو: كناية عن مخزن للاختبارات المترسبة بفعل القمع النفسي، فهي لا تصل إلى الذاكرة.

قوانين العقل الباطن

       قال (هربرت ستيدج): «هناك 276 قانونًا للعقل الباطن، تحدد هذه القوانين طريقة تعامل الشخص مع عقله، ومن ثم تطويعه لتحقيق أهدافه، ومن أهم هذه القوانين: قانون نشاطات العقل اللاواعي، قانون التفكير المتساوي، قانون التجاذب، قانون المراسلات، قانون الانعكاس، قانون التركيز: (ما تركز عليه تحصل عليه، قانون التوقّع، قانون الاعتقاد، قانون التراكم، قانون العادات، قانون الفعل ورد الفعل، قانون السببية، قانون الاستبدال).

كشف حقيقة هذه القوانين

       عند النظر في هذه القوانين نجدها تستهدف في كثير من تطبيقاتها وملحقاتها تعظيم شأن الإنسان وقدراته بطريقة مبالغ فيها، قد تصل إذا ضعُفت خبرة المدرّب بمقاصد الدين لتربية ما يسمى عند أصحاب مذهب القوة (مذهب نيتشه) بالرجل السوبرمان، الذي لا يحتاج بعد كل هذه القدرات لفكرة اعتقاد إله، فهو وحده يملك أمر صحته ومرضه وسعادته وشقائه، وإن مسه خير قال: إنما أوتيته على علم عندي. فهو يستطيع أن يرى ما يشاء في أي وقت شاء، فإن أراد أن يرى شخصًا الآن جاء به بقوة عقله الباطن، ويستطيع أن يجلب لنفسه السعادة بقوة عقله الباطن، ويستطيع أن يجذب إليه من يشاء بقوة عقله الباطن، يستطيع بقوة عقله الباطن أن يصنع عالمه الخارجي، فيستطيع أن يكون غنيًّا أو فقيرًا مريضًا أو صحيحًا، بل يستطيع أن يقول للشيء: كن فيكون!

تأليه الإنسان لنفسه

        فهذه القوانين تؤدي إلى تعظيم الإنسان لنفسه وقدراته، فهو لا يحتاج لإله يهديه، ويعتمد عليه، ويدعوه لقضاء حوائجه، وهكذا هم يريدون من الإنسان أن يخرج عن كل القوانين، وعن كل الأديان، وعن كل المعتقدات، حتى يصل إلى مرحلة: (النرفانا)، التي يعتقدون أنها غاية الوجود، وهي الضمان للنجاة من جولان الروح أو الطريق للاتحاد بالعقل الكلي.

وصف (النرفانا)

        ويمكن وصف (النرفانا) بأنها مراحل تبدأ بالمرحلة التي يحدث فيها خروج عن سيطرة العقل الواعي، ويصل لها الشخص بالانهماك والتركيز في رياضاته الروحية التي تؤهله للمرحلة التالية، وتنتهي بالمرحلة التي يتصف فيها بصفات لا تكون إلا (للآلهة)؛ إذ تتدفق فيه طاقة (الكلي)، وتمنحه السمو والروحانية والحكمة والتنوّر، ويعيش حالة من النشوة، وقد يُغشى عليه أو يفقد عقله، ويمتلكه شعور بوحدته مع الكلي، وأن الكون خال إلا من الكلي الواحد (وحدة الوجود). والنرفانا هي غاية ما يريده البوذي من تأملاته (عباداته)، وهي غاية في جميع تطبيقات هذه المذاهب الفلسفية الروحية، وتسمى عند مفكري (الماكروبيوتيك) بمرحلة (السمو)، ويسميها (ممارسو) التنويم: مرحلة الغشية أو النشوة ( Trance) وفيها يتم التعامل مع العقل اللاواعي، وهي عند ممارسي (التشي كونغ( مرحلة (الخلاء). (Emptiness)، وهي على الغالب مرحلة (الفناء) أو (السكر) عند المتصوفة، التي ثبت على كثير منهم فيها شطحات أوصلت بعضهم للكفر والقول بوحدة الوجود، هذا ما تنبني عليه قوانين العقل الباطن، أو العقل اللاواعي، وهذا ما يريدون أن يتربى عليه شباب المسلمين. وبمثل هذه الأفكار ينخدع شباب المسلمين؛ فكل واحد منهم يريد أن يكون هذا الرجل السوبرمان الذي يستطيع فعل أي شيء في أي وقت، ويحقق أحلامه وطموحاته وهو على فراش نومه.

الانحرافات المترتبة على اعتقاد العقل الباطن

اعتقاد العقل الباطن يترتب عليه عدد من الانحرافات أهمها ما يلي:

أولا: معتقدات ملحدة خطيرة

        فلسفة العقل الباطن اللاواعي وقدراته المدَّعاة وتطبيقات التنفس ونحوها أمور وراءها معتقدات ملحدة خطيرة، ولا يمكن فصل التطبيق عن أصله، وكثير ممن مارسوا تطبيقات البرمجة اللغوية العصبية أصابتهم لوثة الفلسفة فيما بعد، بينما هم منشغلون ببعض النتائج الإيجابية التي يجدونها لحماسهم وبذلهم قصارى جهودهم في بداية تطبيقهم، فلا ينتبهون أنهم ينحرفون بعيدًا عن منهج العبودية، متبعين خطوات الشيطان التي نهوا عن تتبعها.

ثانيًا: هي في جملتها ضلالات

        كل البرامج والفلسفات التي تدّعي معرفة حقيقة العقل وحقيقة نفس الإنسان بعيدًا عن هدى النبوات هي في جملتها ضلالات وإن تضمنت جوانب صحيحة، وأسماء الدورات المروج لها وقناعات مقدميها عن العقل اللاواعي (الباطن) تدل على الوقوع في لوثة هذه الضلالات، فالدين يأمرنا بحفظ العقل، ويحذر من التلاعب به، ويعطي منهجًا للمحافظة عليه وإعماله فيما خلق من أجله، وهؤلاء يدعون لتغييره أو تغييبه، ويفسرونه على غير المعروف عند العقلاء قديما وحديثا؛ حتى صرنا نسمع عن تسخير العقل الباطن لتحقيق كلّ مستحيل ولتحقيق كلّ الخوارق.

ثالثًا: إحياء للقول بوحدة الوجود

        مصادر المعرفة عند أصحاب هذه المذاهب ترتبط ارتباطًا وثيقًا بإحياء القول بوحدة الوجود، والقول بالحلول والاتحاد، تقول الدكتورة فوز الكردي: «يختلف القائلون بها في تحديد المصدر الذي تنبع منه، فأهل التصوف العقلي كالفارابي وابن سيناء يردون هذه المعرفة إلى ما يسمونه العقل الفعال، فيقولون: إن العقل البشري في طريق رقيه وتطوره يمر بمراحل متدرجة بعضها فوق بعض، فهو في أول أمره عقل بالقوة، فإذا أدرك قدرًا كبيرًا من المعلومات العامة والحقائق الكلية أصبح عقلًا بالفعل. وقد يتسع مدى نظره ويحيط بأغلب الكليات، فيرقى إلى أسمى درجة يصل إليها الإنسان، وهي درجة العقل المستفاد أو درجة الفيض والإلهام، وهذه الرتبة عندهم هي السعادة التي لا تبلغها إلا النفوس الطاهرة المقدسة التي تستطيع أن تخرق حجب الغيب وتصعد إلى عالم النور والبهجة، والصوفيون المنتسبون للإسلام يرون أن مصدر هذه المعرفة هو الله -عزوجل- بناء على عقيدة الحلول والاتحاد أو عقيدة الوحدة.

الفلسفة الروحية الحديثة

        أما الفلسفة الروحية الحديثة التي تخلط بين هذه الفلسفات بطريقة جديدة وتدور حول عقيدة وحدة الوجود فإن مصدر المعرفة فيها هو ما يسمى: العقل الباطن الذي تفيض معرفته على النفس، فإذا تحرر الإنسان من سيطرة العقل الباطن وهو الجزء الواعي من دماغه فيدخل في حالة اللاوعي، ومنه يتصل باللاواعي الجمعي، فينهل من العرفان بعيدًا عن سجن الجسد وسيطرة العقل الذي يكون قد غُيب بأحد طرقهم كما عند أسلافهم.

الوصول إلى درجات من العرفان

       ويرى أصحاب هذه الفلسفات أن المتمرسين في رياضاتها الروحية يمكنهم الوصول إلى درجات أعلى من العرفان يكشف فيها الماضي والحاضر والمستقبل، بل ويعاش وكأنه اللحظة الآنية، ويمكن التغيير فيه والتحويل والتبديل، إذ لا حدود للزمان وللقدرة والعلم إذا اتصل الإنسان بذلك العالم الروحاني بزعمهم، والقائلون بهذه المعرفة يعدونها سرية خفية وشخصية نسبية، تختلف من شخص إلى آخر بحسب ما يجد في نفسه.

تراث سريّ منقول

        ومنهم من يرى أن الترقي في معارجها، يعتمد على مطالعة التجارب المدونة في كتب الحكمة القديمة المحفوظة التي تمثل تراثًا سريًّا منقولًا للمعرفة الباطنية، عمن وصلوا إلى قمتها ممن يسمونهم الحكماء العارفين أو الحكماء الأوائل، وعلى هذا فيعد العقل الباطن عند هؤلاء وسيلة للتواصل مع «الوعي الكوني» -وهو «ذاكرة» تتضمن العلم كله ماضيه ومستقبله بزعمهم- وله تسميات عدة. ومن خلال هذا التواصل يُعتقد أنه بإمكان الإنسان تحصيل المعارف الخفية والعلوم الغيبية من مصدر العلم مباشرة، وهذا باب واسع للانحراف، فمصدر العلوم المطلقة هو الرب، ودعوى الأخذ عنه مباشرة دعوى باطنية قديمة، تتناقض مع عقيدة ختم النبوة وأصول التلقي، وهذا القول يتيح للإنسان علمًا غير محدود ومعرفة مطلقة، لا يقول بها من وحّد الله بربوبيته وبأسمائه وصفاته.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك