سبل حماية الأسرة المسلمة من العنف الأسري
- دور المؤسسة التعليمية: ويتركز دورها على إدخال برامج تعليمية في المدارس والجامعات بحيث تركز على مهارات التعامل السليم
- يعد العنف ضد الأسرة في الإسلام خرقًا لمبادئ العدالة والرحمة التي يدعو إليها الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم
- من أسباب العنف الأسري عدم فهم الكثير من الأفراد لحقوق وواجبات أفراد الأسرة وتفسير بعض النصوص الدينية تفسيرًا خطأ
- لابد من تفعيل دور المسجد في نشر التوعية للتأكيد على أهمية الأسرة وحماية حقوق أفرادها وتقديم الاستشارات الأسرية لأبناء الحي
- إن معالجة قضايا العنف الأسري وحماية الأسرة في الإسلام يتطلب جهودًا مشتركة ومتكاملة من جميع فئات المجتمع من خلال تعزيز القيم الإسلامية وتنمية الوعي والتثقيف وتقديم الدعم المتخصص
- يجب وضع قوانين صارمة لحماية المرأة والطفل مع إنشاء محاكم متخصصة للأسر لسرعة البت في قضايا العنف الأسري
- عقد شراكات التعاون بين المؤسسات التعليمية، والدينية، والحكومية لمواجهة ظاهرة العنف الأسري بفعالية، وتفعيل دور المبادرات والعمل التطوعي لحماية الأسرة
تعدّ الأسرة حجر الزاوية في بناء المجتمعات، وهي الملاذ الآمن الذي يجد فيه الفرد الحب والدعم والحماية، والأسرة في الإسلام هي أساس استقرار المجتمع، فهي تسهم في تحقيق الأمن والأمان للمجتمع، حيث توفر للأفراد المودة والرحمة والسكن، وتحميهم من الانحراف والانحلال الخلقي، ولها أكبر الأثر في التنشئة الاجتماعية، ومع الأسف، تعاني كثير من الأسر من مشكلة العنف الأسري -بأشكال ودرجات متفاوتة- الأمر الذي يترك آثارًا نفسية واجتماعية عميقة على الضحايا، ويسعى هذا المقال إلى تسليط الضوء على هذه المشكلة من منظور إسلامي، مستندًا إلى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ويبحث في الطرائق التي يمكن من خلالها حماية الأسرة من هذا الخط الداهم.
أولاً: الأسرة المسلمة
يدعو الإسلام إلى التعامل بين الأزواج بالمعروف، وهو ما يشمل الرحمة والتفاهم والاحترام، ونفي أي نوع من أنواع الأذى أو العنف، وذلك مصداقا لقوله -تعالى-: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي»، كما يدعو الإسلام إلى بناء العلاقات الزوجية على أساس المودة والرحمة، كما في سورة الروم: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}. إنَّ بيئة الحياة الأسرية الصحية هي أساس لتحقيق الاستقرار النفسي والعاطفي للأفراد وتطوير علاقات قوية ومستدامة بين أفراد الأسرة، ونذكر فيما يلي عناصر أساسية لبيئة الحياة الأسرية الصحية وكيفية تعزيزها:الاحترام المتبادل
ويشمل ذلك تقدير مشاعر الآخرين وحقوقهم، والاعتراف بقيمهم الفردية، وفي نطاق الأسرة، يجب أن يكون هناك احترام لرغبات كل فرد واحتياجاته.التقدير والتفهم
يجب أن يشعر كل عضو في الأسرة بأنه مهم وله قيمة، وأن تُعطى آراؤهم وقراراتهم الاعتبار، ويمكن تعزيز الاحترام من خلال التواصل الفعّال باستخدام أساليب تواصل بناءة، تضمن احترام مشاعر الآخرين، مثل الاستماع الفعّال وتجنب التحدث بأسلوب هجومي، ولعل من أهم المبادئ في ذلك إيجاد القدوة الصالحة من قبل الوالدين أو ما يطلق عليه (النمذجة السلوكية) ؛ بحيث يكون الوالدان نموذجين يحتذى بهما في احترام الآخرين، ما يُشجع الأطفال على تبني سلوكيات مماثلة.التواصل الفعال
ويقصد به فتح قنوات الحوار بما يتيح للأفراد التعبير عن مشاعرهم واحتياجاتهم بطريقة صحية، وبما يسهم في حل النزاعات وفهم وجهات نظر الآخرين، إلى جانب التعامل بصدق وشفافية من أجل تعزيز الثقة بين أفراد الأسرة، وينصح هنا بعقد اجتماعات عائلية دورية لمناقشة القضايا والاهتمامات بطريقة مفتوحة، مع تشجيع أفراد الأسرة على التعبير عن مشاعرهم وأفكارهم.التفاهم والرحمة
ويستدعي ذلك -بلا شك- أن تكون الأسرة مرنة في التعامل مع الاحتياجات والتغيرات، وفهم الظروف التي قد يمر بها الآخرون، وتقديم الدعم العاطفي والتشجيع في الأوقات الصعبة بما يعزز من الشعور بالرحمة والرعاية، ويضاف إلى ذلك إبداء التقدير والاهتمام لإنجازات الأفراد والاعتراف بجهودهم.الموازنة بين الحياة والعمل
حيث يساعد تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية على تقليل التوتر والإجهاد، وخلق بيئة أسرية أكثر استقراراً، وما يستدعي ذلك من الحرص على جودة الحياة وقضاء وقت ممتع مع العائلة لتعزيز العلاقات وزيادة الترابط بين أفراد الأسرة.التربية الإيجابية
وذلك من خلال استخدام أساليب التوجيه بدلاً من العقوبات، وتقديم نموذج إيجابي للأطفال كما ذكرنا، بمكافأة السلوك الجيد، واستخدام كلمات تشجيعية وبناءة في التعامل مع الأطفال لتعزيز ثقتهم بأنفسهم.الدعم الاجتماعي
يمكن للتواصل مع الأقارب والأصدقاء أن يعزز الروابط الاجتماعية ويوفر الدعم العاطفي من خلال الشعور بالانتماء والاندماج في المجتمع، وبناء علاقات قوية وصحية مع الأصدقاء والأقارب.ثانيًا : مفهوم العنف الأسري
يقصد بالعنف الأسري أي تصرف يسبب الأذى الجسدي أو النفسي لأفراد الأسرة، ويعد العنف ضد الأسرة في الإسلام خرقًا لمبادئ العدالة والرحمة التي يدعو إليها الدين، ويعرف علم الاجتماع الأسري العنف المنزلي بأنه السلوك العدواني الذي يتم داخل إطار الحياة الأسرية ويشكل سلسلة من الأفعال العدائية بدءاً بالإذلال والقمع اللفظي والعزلة الاجتماعية والإحراج أمام الملأ أو الاستيلاء على الأموال أو التجسس أو الصفع أو الركل أو الصراخ أو تمزيق الثياب أو تحطيم الممتلكات أو التهديد بالقتل أو تهديد الأصدقاء والأقارب أو الطعن بالسكين والرمي بالرصاص أو الحرق وانتهاء بالقتل العمد. وفي المقابل يمكن تعريف الحماية من العنف الأسري بأنها المبادئ والنظم الهادفة إلى حماية أفراد الأسرة من أي إساءة أو إيذاء أو تهديد يرتكبه أحد أفراد الأسرة، أو من في حكمهم ضد فرد آخر منها متجاوزا ما له من ولاية أو وصاية أو سلطة أو مسؤولية، وينتج عنه أذى مادي أو نفسي.ثالثاً : أنماط العنف الأسري
يقسم المختصون العنف الأسري إلى نوعين: العنف الموجه ضد المرأة داخل محيط الأسرة، والعنف الموجه ضد الأطفال، ويتخذ العنف الأسري عدة أشكال ومن ذلك ما يلي:العنف اللفظي
وذلك من خلال توجيه الألفاظ البذيئة والعبارات المسيئة التي تحط من قدر المعتدى عليه أو تنال من شرفه أو شرف أهله، وقد يتخذ الإيذاء المعنوي أو اللفظي صورة من صور الإكراه، حيث يهدّد الشخص شخصاً آخراً بكشف سره، أو بإيذاء أحد معارفه وأقاربه أو بإتلاف ممتلكاته.العنف البدني
وهو أكثر أشكال العنف خطورة ولا سيما إذا صاحبه جروح أو كسور، وقد يأخذ الإيذاء البدني أو الجسدي شكل الاعتداء بالضرب دون إحداث أضرار جسيمة كالصفع على الوجه، والركل بالقدم، والحرمان من الطعام أو الشراب لفترة قصيرة، ويلحق بذلك الإيذاء الصحي بعدم توفير العلاج والدواء والرعاية للزوجة والأبناء حال المرض ولكبار السن أيضًا.العنف الاجتماعي
ويكون ذلك من خلال فرض العزلة الاجتماعية على أحد أفراد الأسرة، أو حظر خروج الزوجة من المنزل لزيارة أهلها أو صديقاتها أو تقييد حركة الأبناء في حيز محدد، ومن مظاهره أيضا ما يتعرض له بعض المسنين من عدم الاحترام، أو سوء المعاملة من الزوج أو الأولاد أو الزوجة.العنف الاقتصادي
ومن صوره استيلاء الزوج على مرتب زوجته، وسوء استخدام الوكالة الشرعية بين الزوجين، وكذلك استيلاء بعض الذكور على حق النساء في الميراث، ومنع الفتاة العاملة من الزواج من أجل الراتب ودفعها للاقتراض من البنوك أو الشراء بالأقساط، أو الاستيلاء على مهر المرأة دون وجه حق، بالإضافة إلى استخدام الزوج لاسم زوجته في استخراج تراخيص الأعمال التجارية على سبيل المثال.العنف النفسي
ويرمز إلى العنف التسلطي الذي من شأنه أن يحدث نتائج نفسية وعقلية واجتماعية، ويشمل طرائق التعبير غير اللفظية كاحتقار الزوجة، أو الأبناء، أو توجيه الإهانة وازدرائهم كالامتناع عن النظر إلى الزوجة واحتقارها بتعابير وجه أكثر احتقاراً وكراهية.رابعاً: الآثار السلبية للعنف الأسري
لا شك أن لظاهرة العنف الأسري آثارا سلبية خطيرة تلقي بظلالها على المجتمع (اجتماعياً واقتصاديا وصحيا وأمنيا)، فمن الآثار الاجتماعية حدوث الطلاق وتشتت الأبناء وانحراف الأحداث ومعاقرة المخدرات وشرب المسكر، ومن الآثار السلبية النفسية إصابة أحد أفراد الأسرة بالاكتئاب والاضطرابات النفسية والكرب والضغوط النفسية والتوتر الذي ربما يؤدي إلى الانتحار، ومن الآثار الصحية الإصابات الجسدية والعاهات وأمراض الضغط والسكر والقولون... إلخ، ومن الآثار الأمنية، انتشار سلوك الجريمة والسرقات والاغتصاب وجنوح الأحداث نتيجة حتمية لما اعترى جدران الأسرة من تصدعات رهيبة بسبب العنف الأسري ومن الآثار أيضاً تمزق الروابط الاجتماعية وتدمير العلاقات الأسرية، وبالتالي تهديد كيان المجتمع بأسره.خامساً: أسباب العنف الأسري
- الجهل: عدم فهم الكثير من الأفراد لحقوق وواجبات أفراد الأسرة، وتفسير بعض النصوص الدينية تفسيراً خاطئاً.
- التقليد الأعمى: اتباع بعض العادات والتقاليد الخاطئة التي تبرر العنف.
- مشكلات نفسية: يعاني بعض الأفراد من اضطرابات نفسية قد تدفعهم إلى العنف.
- المشكلات الاجتماعية والاقتصادية: قد تؤدي الظروف الصعبة والضغوط المعيشية إلى زيادة حدة المشكلات الأسرية واللجوء إلى العنف.
سادساً: خطوات التعامل مع العنف الأسري
- الحصول على المساعدة: على الضحية طلب المساعدة من الأشخاص الذين يثق بهم، مثل الأهل أو الأصدقاء أو الجهات المعنية.
- التبليغ عن الحادثة: التبليغ عن حالات العنف للشرطة أو الجهات المختصة.
- الحصول على الدعم النفسي: اللجوء إلى المتخصصين في الصحة النفسية للحصول على الدعم اللازم.
سابعاً : طرائق حماية الأسرة من العنف
- التوعية: نشر الوعي بأخطار العنف الأسري وأسبابه وعواقبه، وتعريف المجتمع بحقوق الزوجين والأبناء.
- التعليم: توفير برامج تعليمية للأزواج الجدد حول كيفية بناء علاقات زوجية ناجحة، وكيفية حل الخلافات بطرائق سلمية.
- الدعم النفسي: تقديم الدعم النفسي للضحايا لمساعدتهم على تجاوز الصدمة والبدء في حياة جديدة.
- التدخل المبكر: التدخل المبكر في الحالات التي تشير إلى وجود خطر العنف، وذلك من خلال التواصل مع الجهات المعنية مثل الشرطة أو الخدمات الاجتماعية.
- التشريعات والقوانين: سن قوانين صارمة لحماية الضحايا ومعاقبة الجناة، وتوفير المأوى والحماية للنساء والأطفال المعرضين للخطر.
- دور المؤسسة الدينية: تفعيل دور المسجد في نشر التوعية من خلال الخطب المنبرة للتأكيد على أهمية الأسرة وحماية حقوق أفرادها، وتقديم الاستشارات الأسرية لأبناء الحي.
- تطوير سياسات اجتماعية فعالة: وذلك بهدف دعم الضحايا من خلال توفير الخدمات الاجتماعية لمساعدة ضحايا العنف الأسري، مثل مراكز الاستشارات النفسية والمساعدة القانونية، ومراكز التأهيل والإدماج التي تساعد الضحايا على إعادة بناء حياتهم بعد تعرضهم للعنف.
- دور المؤسسة التعليمية: ويتركز دورها على إدخال برامج تعليمية في المدارس والجامعات بحيث تركز على مهارات التعامل السليم وحل النزاعات بطرائق بناءة، وتنظيم ورش عمل تدريبية للطلاب حول مفاهيم الاحترام والتفاهم ضمن الأسرة والمجتمع، فضلا عن تطوير التطبيقات والخدمات التي توفر معلومات ودعماً للأشخاص المتضررين من العنف الأسري، مثل خطوط المساعدة والتوجيه.
- دور مؤسسات المجتمع المدني: وذلك من خلال عقد شراكات التعاون بين المؤسسات التعليمية، والدينية، والحكومية لمواجهة ظاهرة العنف الأسري بفعالية، وتفعيل دور المبادرات والعمل التطوعي لحماية الأسرة من العنف، وطرح البرامج التدريبية للأزواج وأفراد الأسرة حول كيفية التعامل مع الضغوط الحياتية والنفسية بشكل صحي، وصقل المهارات الاجتماعية لتقليل احتمالية وقوع العنف، ولا سيما بناء الثقة ومعالجة المشكلات، ودعم الدراسات والبحوث التي تركز على أسباب العنف الأسري وآثاره، وتحديد الحلول الممكنة، واستخدام التكنولوجيا الحديثة مثل تطبيقات الهواتف الذكية التي تقدم الدعم والمشورة للضحايا، وتبني وتكييف النماذج الناجحة من الدول والمجتمعات الأخرى التي أثبتت فعاليتها في مكافحة العنف الأسري وتعزيز حماية الأسرة.
التوصيات
- لابد من نشر الوعي الأسري والعمل على تعزيز مفاهيم التوافق والتفاهم بين الوالدين.
- إدخال مقرر التربية الأسرية التي تتناول مفاهيم العنف الأسري وأسبابه والأساليب التربوية للتعامل معه، وتدريب الطلاب والطالبات على مواجهة أساليب العنف بالمنطق والعقل وتوجيه الأخصائيين الاجتماعيين في المدارس والمؤسسات التعليمية بالحرص على التعامل مع حالات العنف الأسري، والإبلاغ عنه.
- وضع قوانين صارمة لحماية المرأة والطفل، مع إنشاء محاكم متخصصة للأسر لسرعة البت في قضايا العنف الأسري.
- تكوين لجنة وطنية عليا تضم خبراء من أساتذة الخدمة الاجتماعية والاجتماع وعلم النفس وعلماء الشريعة لدراسة ظاهرة العنف الأسري على المستوى الوطني، ووضع الخطط والسياسات اللازمة للوقاية منه، ومعالجته.
- العمل على توفير سبل العيش الكريم، ومحاربة البطالة، وتوسيع نطاق الخدمات المقدمة للأسرة صحيا واجتماعيا وتربويا، ولا سيما لكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة.
- إنشاء مكاتب استشارات أسرية في الأحياء تساعد في التخفيف من المشكلات والخلافات بين الزوجين، والعمل على تعزيز ثقافة الحوار الإيجابي في الأسرة، والتركيز على الجانب الديني والقيمي في إرساء قواعد الاستقرار الأسري، وإشاعة روح الود والتفاهم والوئام.
لاتوجد تعليقات