قواعد نبوية في الأخلاق والمعاملات – من حُسنِ إسلا مِ المرءِ تركُه ما لا يَعنيهِ
- مما يستفاد من هذه القاعدة الحث على الاشتغال فيما يعني المرءَ من شؤون دِينه ودنياه فإذا كان مِن حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه فمِن حُسنه إذًا اشتغالُه فيما يعنيه
- قال الشافعي رحمه الله: ثلاثة تزيد في العقل: مجالسة العلماء، ومجالسة الصالحين، وترك الكلام فيما لا يعني
قاعدتنا النبوية اليوم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من حُسنِ إسلامِ المرءِ تركُه ما لا يَعنيهِ»، هذا الحديث يمثل قاعدة عظيمة من قواعد التعامل التي يجب أن يوليها الإنسان اهتمامه، فالأمر الذي لا يعنيك وليس لك فيه علاقة عليك ألا تتدخل فيه.
ومع الأسف اليوم افتقدنا هذا الخلق الكريم وهذا العمل الجليل، فأصبح بعض الناس اليوم يتكلمون فيما يعرفون ومالا يعرفون، فأصبحوا يتكلمون في الدين وفي الشريعة وفي الطب وفي التجارة وفي الأمور المالية وفي الأمور السياسية وفي أمور الدول والعلاقات وغيرها، وهو لا يعلم، ولابد أن نعلم هذه الحقيقة، أنه من كمال إسلام الإنسان ومن كمال دينه ومن كمال إيمانه بالله -جل وعلا-، أن الأمر الذي لا يعنيه لا يتدخل فيه.الدين النصيحة
وهناك فرق بينه وبين النصيحة، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ الدِّينَ النَّصيحةُ، إنَّ الدِّينَ لنَّصيحةُ، إنَّ الدِّينَ النَّصيحةُ، قالوا: لِمَن يا رسولَ للهِ؟ قال: للهِ، ولكِتابِه، ولنَبيِّهِ، ولأئمَّةِ المؤمِنينَ وعامَّتِهم»، فجعل الدين كله في النصيحة، فإذا ما رأى الإنسان مخطئًا فإنه يبدي له النصيحة على انفراد، ويظهر له الشفقة بآداب النصيحة المعروفة، لكن موضوع حديثنا - من حسن إسلام المرء تركه مالا يعني - أنه في الأمور العامة، الأمور التي لا تعني الإنسان؛ لأنه -مع الأسف- اليوم ولا سيما في مواقع التواصل الاجتماعي أصبح بعضهم يتكلمون في أمور لا تعنيهم، هم لا يعرفون عواقبها، لا يعرفون مآلاتها، لا يعرفون تفاصيل هذا الموضوع، فينتج عن ذلك الشائعات والأكاذيب واتهام الناس بالباطل، ومنها آراء معينة، ومنها التشويش على الآخرين، فلا تشوش على الناس ولا تقدم نصائح للناس وأنت لا تعلم، ولا تتكلم في أمور لا تعنيك؛ لأن هذا من كمال إيمانك وإسلامك.نقص في دينه وإسلامه
فإذا تدخل الإنسان فيما لا يعنيه فإن هذا يعد نقصا في دينه وإسلامه، بقدر ما تدخل في أمور لا تعنيه بقدر ما ينقص، وهذا مفهوم حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من حُسنِ إسلامِ المرءِ تركُه ما لا يَعنيهِ»، من أشد الأمور خطورة التي يتكلم فيها الناس وهم لا يعلمون، أمور الشريعة والدين، يقول هذا الأمر حلال أو إن هذا الأمر حرام، أو إن الأمر مكروه وإن ذاك مستحب، والله -تعالى- نهانا عن ذلك فقال -سبحانه-: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ}، لا يفلح ذلك الإنسان الذي يفتري الكذب على الله -تعالى-، أو على رسوله فيقول هذا حلال، والله -تعالى- قد حرّمه، أو يقول هذا حرام والله -تعالى- قد أحله، إذًا الإنسان عليه أن يمسك هذا اللسان، ولا يتكلم إلا بخير، قال الله -تعالى-: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}.سوف تحاسب يوم القيامة
الإنسان سوف يحاسب يوم القيامة، يوم لا ولد ولا والد، لا مال ولا قريب، يوم القيامة يحاسب الإنسان على هذا القول الذي قاله وتفوّه به إن كان خيرا فخير، وإن شرا فشر، الأمور التي لا تعنيك لا تتكلم فيها ولا سيما في الأمور الشرعية والأمور الدينية؛ لأن الله -تعالى- قال: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}، فإذا ما علم الإنسان مسألة من المسائل أو قضية من القضايا أو فتوى تهمه في أمور الدين، فعليه أن يرجع إلى أهل العلم، لا يرجع إلى من يتكلمون دون بينة ولا دليل ولا برهان؛ لأن الله -تعالى- سائله عن هذا الأمر. لا تقولوا على الله مالا تعلمون ولما عّدد الله -تعالى- الفواحش» قل إنما حرّم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون»، تقول أن هذا حرام وهذا حلال وأنت لا تعلم، وأن هذا جائز وهذا غير جائز وأنت لا تعلم، أرجع الأمر إلى أهله، ومثله في سائر الأمور، سواء كانت أمورا سياسية أو اقتصادية أو طبية.إرجاع الأمر إلى أهل الاختصاص
وكلنا رأينا الجائحة التي مرت على العالم، وكيف كان الناس يتكلمون فيها وهم لا يعلمون، فبعضهم يقول: إن هذا اللقاح جيد، وهذا غير جيد ومضر بالصحة، فأصبح الناس مُشَوشين؛ لأن غير أصحاب الاختصاص يتكلمون في غير اختصاصهم! «من حُسنِ إسلامِ المرءِ تركُه ما لا يَعنيهِ»، على الإنسان أن يرجع الأمر إلى أهله وهذا من معانيه قول الله -تعالى-: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}، فأهل الذكر في الطب هم الأطباء والاستشاريون المختصون، وأهل الذكر في الأمور المالية هم أهل الاقتصاد والمال وأرباب التجارة، وأهل الذكر في الأمور الشرعية هم العلماء، علماء الشرع والدين، وهكذا في سائر الأمور، لا يُفتي الإنسان دون علم لا في الأمور الشرعية، ولا في الأمور الدنيوية، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من حُسنِ إسلامِ المرءِ تركُه ما لا يَعنيهِ»، نحتاج إلى هذه القضية اليوم في دواويننا وفي مجالسنا، وفي مواقع التواصل الاجتماعي أن الأمر الذي لا يعنينا لا نتدخل فيه، وأن هذا من تمام الإسلام ومن كمال الإيمان بالله -تعالى.فوائد في التعامل بالقاعدة
- ينبغي للإنسان أن يدع ما لا يعنيه؛ لأن ذلك أحفظ لوقته، وأسلم لدينه.
- ترك اللغو والفضول دليل على كمال إسلام المرء.
- الحث على استثمار الوقت بما يعود على العبد بالنفع.
- البُعد عن سفاسف الأمور ومرذولها.
- التدخل فيما لا يعني يؤدي إلى الشقاق بين الناس.
- الحديث أصل عظيم للكمال الخلقي، وزينة للإنسان بين ذويه وأقرانه.
- مما يستفاد من هذه القاعدة الحث على الاشتغال فيما يعني المرءَ من شؤون دِينه ودنياه، فإذا كان مِن حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، فمِن حُسنه إذًا اشتغالُه فيما يعنيه.
كلام السلف وأهل العلم في ترك الإنسان ما لا يعنيه
- قال الشيخ عبدالرحمن السعدي -رحمه الله-: إن من لم يترك ما لا يعنيه، فإنه مسيء في إسلامه.
- وقال ابن القيم -رحمه الله-: وقد جمع النبي - صلى الله عليه وسلم - الورع كله في كلمة واحدة، فقال: «من حسن إسلام المرء تركُه ما لا يعنيه»، فهذا يعم الترك لما لا يعني: من الكلام، والنظر، والاستماع، والبطش، والمشي، والفكر، وسائر الحركات الظاهرة والباطنة، فهذه كلمة شافية في الورع.
- قال عمر بن عبدالعزيز -رحمه الله-: من عد كلامَه مِن عمله، قلَّ كلامه فيما لا ينفعه.
- وقال الحسن البصري-رحمه الله-: علامة إعراض الله -تعالى- عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه.
- وقال معروف الكرخي-رحمه الله-: كلام العبد فيما لا يعنيه خذلان من الله -تعالى.
- وقيل للقمان: ما بلغ بك ما نرى؟ يريدون الفضل، قال: صِدق الحديث، وأداء الأمانة، وترك ما لا يعنيني.
- وقال الشافعي-رحمه الله-: ثلاثة تزيد في العقل: مجالسة العلماء، ومجالسة الصالحين، وترك الكلام فيما لا يعني.
- وقال محمد بن عجلان-رحمه الله-: إنما الكلام أربعة: أن تذكر الله، وتقرأ القرآن، وتسأل عن علم فتخبر به، أو تكلم فيما يعنيك من أمر دنياك.
لاتوجد تعليقات