السنن الإلهية (8) سنة التغيير
- يقول -تعالى-: {لهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ} (الرعد:11)، ويقول -تعالى-: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (الأنفال:53). هذه سنة أخرى من سنن الله في الأفراد والمجتمعات، (قانون التغيير)، كان محدثنا أحد طلبة العلم، حديث التخرج من الجامعة الإسلامية في المدينة، حصل على الدكتوراه بأطروحة عنوانها: (سنن الله في كتاب الله)، لم يكن الحضور كثيرا، ربما مئة أو أقل، وذلك أن المحتوى علمي، والحضور من طلبة الشيخ في المعهد. تابع الشيخ حديثه. - التغيير هو الانتقال من حال إلى حال، وهذا يشمل الأفراد والأمم وآية الرعد وردت في معرض التحذير والتهديد، وذلك يشمل تغيير العز إلى ذل، والتمكين إلى التشريد، والرخاء إلى شقاء، والخوف إلى أمن، والقلق إلى اطمئنان، إذا أراد العبد أن يغير الله حاله، لابد أن يتغير، والآية فيها تهديد للكفار، ألا يسترسلوا في غيهم، ويقولوا: «إذا رأينا العذاب آمنا»؛ فإن عذاب الله إذا جاء (فلا مرد له)، وهذا كقوله -عز وجل-: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} (يونس:98)، وهذه الآية حجة على من كان على ضلال، بزعم أن الله لو هداني لاهتديت، كما قال الله -عز وجل- عن المشركين: {وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ} (إبراهيم:21). فالعبد الذي يريد الهداية يبذل أسبابها، وسيهديه الله، ومن كان على ضلال، يجب أن يغير حاله، حتى يغيره الله، فالبداءة من العبد، والتوفيق بعد ذلك من الله، كما في الحديث: «ومن تقرب إلي شبرا تقربت منه ذراعا، ومن تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة..» (البخاري)، وهكذا الأمم، إن كانت بعيدة عن الله، فإن الله يتركها على ما هي فيه بعد أن يقيم عليها الحجة، سابقا، بإرسال الرسل، والآن الحجة قائمة، بكتاب الله وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فالأمة التي تريد أن يتغير حالها من الذل إلى العزة، يجب أن تتغير إلى ما يريد الله -تعالى-، والتي تريد الأمن والاستقرار بعد الخوف والتشرذم، يجب أن تتغير حتى يغير الله حالها، وهكذا هذه سنة كونية نافذة: (من أراد تغيير حاله، يجب أن يبدأ بالتغيير في ذاته). أما آية سورة الأنفال، فقد وردت في معرض بيان حال النعمة وأتت هذه الآية بعد ذكر مصير آل فرعون والذين من قبلهم، يقول -تعالى-: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (آل عمران:11)، {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (الآنفال:53)، ثم ذكر آل فرعون: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ} (الآنفال:54)؛ فهي آية بين آيتين عن آل فرعون والذين كفروا. في التفسير: «وأن قوم فرعون والذين من قبلهم كانوا من جملة الأقوام الذين أنعم الله عليهم، فتسببوا بأنفسهم في زوال النعمة، كما قال -تعالى-: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} (القصص:58)، وهذا إنذار لقريش، يحل بهم ما حل بغيرهم من الأمم الذين بطروا النعمة» (التحرير والتنوير) وفي تفسير السعدي. {ذلك} العذاب الذي أوقعه الله بالأمم المكذبين، وأزال عنهم ما هم فيه من النعم والنعيم، بسبب ذنوبهم وتغييرهم ما بأنفسهم، فإن الله لم يكن مغيرا نعمة أنعمها على قوم من نعم الدين والدنيا، بل يبقيها ويزيدهم منها، إن ازدادوا له شكرا، {حتى يغيروا ما بأنفسهم} من الطاعة إلى المعصية فيكفروا نعمة الله ويبدلوها كفرا، فيسلبهم إياها ويغيرها عليهم كما غيروا ما بأنفسهم. ولله الحكمة في ذلك والعدل والإحسان إلى عباده؛ حيث لم يعاقبهم إلا بظلمهم؛ وحيث جذب قلوب أوليائه إليه، بما يذيق العباد من النكال إذا خالفوا أمره. {وأن الله سميع عليم} يسمع جميع ما نطق به الناطقون، سواء من أسر القول ومن جهر به، ويعلم ما تنطوي عليه الضمائر، وتخفيه السرائر، فيجري على عباده من الأقدار ما اقتضاه علمه وجرت به مشيئته.
لاتوجد تعليقات