رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: ذياب أبو سارة 19 أغسطس، 2024 0 تعليق

آفاق التنمية والتطوير  .. المرونة والتكيف الإداري (1)

المتدبر في أحكام الشريعة يجد أن من أهم سمات المنهج القرآني، الجمع بين الثبات والمرونة في الإدارة بما يحقق المصالح العامة ويحقق التنمية والتطوير

  • سيرة النبي صلى الله عليه وسلم  كانت مليئة بالأحداث التي تدل على التغيير والتكييف فالنبي  صلى الله عليه وسلم  كان يتعامل مع المواقف المختلفة بحكمة ومرونة
  • يعدّ التكييف من أساسيات الإدارة الناجحة في خضم التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فضلا عن التغيرات الخاصة المرتبطة بتنفيذ المشاريع

التغيير سمة ثابتة من سمات الحياة، ولا أدل على ذلك من قوله -تعالى-: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} (آل عمران: 140)، كما إن سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت مليئة بالأحداث التي تدل على التغيير والتكيف، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتعامل مع المواقف المختلفة بحكمة ومرونة، وبالتالي ينبغي على المسلم أن يتقبل التغيير ويستعد له، وأن يكون على استعداد للتكيف مع الظروف المتغيرة، وينطبق هذا الأمر أيضًا على إدارة المشاريع التنموية وغيرها، حيث إن التكييف يعدّ من أساسيات ومبادئ الإدارة الناجحة في خضم التغيرات العامة ونقصد بذلك الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فضلا عن التغيرات الخاصة المرتبطة بتنفيذ المشاريع، كالتغيرات في الخطط أو الموارد أو حتى الفئات المستفيدة تستدعي رصدًا دقيقًا واهتمامًا خاصًا، وذلك نظرًا لتأثيرها المباشر على مخرجات المشاريع التنموية.

مفهوم التكيف

         يطلق مصطلح «التكيف» أو «التكييف» في المجال الإداري والقيادي على عملية منظمة ومستدامة تستهدف اتخاذ قرارات فعّالة في مواجهة حالات عدم اليقين في النظام الإداري من خلال مراقبة هذا النظام. و»التكييف» عملية نفسية ديناميكية مستمرة، تتيح للفرد تبني أساليب أكثر ملاءمة للتعامل مع مواقف مختلفة، ويتطلب الأمر مرونة وحكمة لتمكين الموظف من تجاوز الحواجز النفسية التي تعيق معالجة المواقف الصعبة بفاعلية، كما يتطلب تقديم بعض التنازلات ولا سيما في حالة المخاطر والطوارئ، وقد كانت المناهج القديمة للإدارة تعتمد على الهدم والتغيير، ومن ثم فإنها كانت تواجه بكثير من الرفض والمقاومة، ومن هذا المنطلق برز إلى السطح مفهوم التكييف أو التكيف الاستباقي كعلاج سحري ورشيق.

استراتيجيات تعزيز التكييف

للتغلب على هذه التحديات وتعزيز فعالية عملية التكييف، يمكن تبني بعض الاستراتيجيات، مثل:
  • بناء ثقافة مرنة: تشجيع ثقافة تفتح الأبواب للتغيير والابتكار بين أعضاء الفريق، ما يسهل قبول مستجدات البيئة الداخلية والخارجية.
  • تدريب الفريق: تقديم برامج تدريبية لتعزيز المهارات اللازمة لتحقيق التكييف الناجح وزيادة الوعي حول أهمية الاستجابة للتغيرات.
  • جمع البيانات وتحليلها: تعزيز نظام جمع البيانات وتحليلها باستمرار للحصول على معلومات دقيقة حول البيئة والاحتياجات.
  • تسهيل التواصل: تشجيع قنوات التواصل الفعالة بين كافة الأطراف المعنية، مما يسهل تبادل المعلومات والخبرات.
  • تحديد الأولويات بوضوح: وضع أولويات واضحة تساعد الفرق على التركيز على الأهداف الأكثر إلحاحًا وتتطلب استجابة فورية.
  • التخطيط المرن: اعتماد استراتيجيات تخطيط مرنة تسمح بتعديل الأهداف والخطط بسهولة بناءً على الظروف المتغيرة.

متطلبات التكيف

يعدّ تكييف البرامج التنموية مع التغيرات أمرًا حيويًا لتلبية احتياجات المجتمعات المستفيدة وضمان استمرارية تحقيق الأهداف، ويتطلب ذلك اتباع مجموعة من الخطوات والإجراءات، منها:
  • تقييم النتائج والتغيرات: ضرورة تقييم النتائج المحققة وتحليل التغيرات في البيئة المحيطة بالبرنامج.
  • تحديد الاحتياجات الجديدة: يجب تحديد الاحتياجات الجديدة للمجتمعات المستفيدة وضمان تلبيتها.
  • إعادة تحديد الأهداف: يجب ضبط الأهداف المحددة بناءً على التغيرات في البيئة.
  • تحديث الخطط: مراجعة وتحديث الخطط والأنشطة لتحقيق الأهداف الجديدة.
  • تعديل الميزانية: تعديل الميزانية الخاصة بالبرنامج وفقًا للاحتياجات الجديدة والتغيرات.
  • التواصل والشراكة: التواصل الفعال مع المجتمعات المستفيدة والشركاء للتأكد من تحقيق الأهداف تحقيقا فعالا.
  • كما تتطلب عملية تكييف البرامج التركيز على التحديث المستمر والتغيير المرن، ما يستوجب وجود فريق عمل ذي خبرة عالية وتواصل فعال مع المجتمعات المستفيدة والشركاء.

مسوغات التكيف في المشاريع التنموية

تظهر مؤشرات عدة تدل على ضرورة تعديل خطط البرامج واستخدام ممارسات التكييف، ومنها:
  • عدم تحقيق الأهداف: إذا لم تحقق الأهداف المحددة، فذلك يستدعي تغيير الخطط والاستراتيجيات.
  • تغير الظروف المحيطة: كتحول الاحتياجات المجتمعية أو التغييرات في السياسات الحكومية، مما يتطلب تعديل الخطط.
  • عدم تلبية الاحتياجات: إذا لم تُلبَّ الاحتياجات المجتمعية تلبية كافية، ينبغي تغيير الخطط لتحديد الاحتياجات الجديدة.
  • تغير الأولويات: إذا تغيرت الأولويات المتعلقة بالبرنامج، يستدعي ذلك تعديل الخطط وتحديد أهداف جديدة.
  • عدم فعالية البرنامج: إذا كان البرنامج غير فعّال في تحقيق الأهداف، يجب تغيير الخطط لتحسين الفعالية.
  • تغير الموارد: كالتغيرات في الميزانية أو الأفراد المعنيين، مما يتطلب تعديل الخطط.
  • التأخيرات الزمنية غير المسوغة: مثل التأخر في بدء التنفيذ أو في أثناء مراحله، مما يؤثر سلبًا على الفاعلية والكفاءة.

قيادة التكيف

يذكر (بول هيرسي) و(كين بلانشارد) في نظريتهم الشهيرة (التكيف في القيادة)، أن هناك أساليب عدة في القيادة يجب استخدامها وتوظيفها على حسب الظروف والمعطيات، ويمكن اختصار تلك الأساليب الإدارية فيما يلي: 1- أسلوب التوجيه المباشر وهو أسلوب تحديد ما يجب عمله من قبل الفريق والانغماس في المهمة والإشراف على تنفيذها، ويغلب على هذا الأسلوب التركيز وإعطاء الوزن بصفة أكبر للمهمة وتنفيذها، بينما العلاقة والدعم تكون في الظل، أو قد تنعدم تماما، ويناسب هذا الأسلوب أشخاصا ومواقف معينة، مثل أن تكون على خط النار وتحتاج للأخذ بزمام الأمور ونقلها إلى بر الأمان، أو أن تكون بصدد التعامل مع فريق مبتدئ ويحتاج إلى التعليمات والتفاصيل والمتابعة لينطلق في البدايات مثلا. وقد يعطي هذا الأسلوب نتائج سريعة في الحال، ولكنه غير مستدام ولا يصلح عادة للمستقبل، كما إن الاستمرار على هذا النمط من القيادة الإدارية يجعلك حبيس التفاصيل دوما، ويخلق من فريقك أعضاء يعتمدون على تواجدك، ويختل توازنهم في غيابك. وسببه أنه يركز على المهمة على المدى القصير، ولا يبني ويطور الفريق على المدى البعيد. 2- أسلوب التوجيه والتأثير وهو أسلوب التواصل والأخذ والرد مع الفريق لإرشاده وإقناعه بفكرة ما مع المشاركة في إنجاز المهمة، ويتم من خلاله التوازن والتركيز على الجانبين معا: جانب أداء المهمة وتنفيذها، وجانب العلاقة وتطويرها مع الفريق، ويناسب هذا الأسلوب الفرق التي تتمتع بالتحفيز والحماسة الذاتية، ولكن ينقصها المهارة والخبرة اللازمة، وبذلك يتم فيه توجيه الفريق لسد فجوات المعرفة والمهارات لديهم، مع الاعتناء ببناء العلاقة معهم وتطويرهم، وهذا الأسلوب من أكثر الأساليب استنزافا للطاقة لدى القائد، ولكنه يتسم بطابع الاستثمار في المستقبل؛ لأنه يبني الفريق مع الوقت ويكون العائد منه أفضل لاحقا.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك