رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. عطية العلي 12 أغسطس، 2024 0 تعليق

حُسن الظن خلق عظيم

  • إحسان الظَّن بين أفراد الأسرة المسلمة ولا سيما بين الزَّوجين من أهم الدَّعائم التي يُبْنى عليها البيت المستقر والمطمئن
  •  حسن الظن من أسباب راحة البال وطمأنينة النفس ودليل على سلامة القلب وزكاء الروح وحب الناس وتدعيم روابط الأخوة والألفة بين أفراد المجتمع المسلم

من الأمور التي يدعو إليها ديننا الحنيف، حُسن الظن بالناس والابتعاد كل البعد عن سوء الظن بهم؛ لأن السرائر لا يعلمها إلا الله -تعالى- وحده، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} (الحجرات:12).

         وحُسن الظن من أسباب راحة البال وطمأنينة النفس، ودليل على سلامة القلب وزكاء الروح، ويدعو إلى حب الناس وتدعيم روابط الأخوة والألفة بين أفراد المجتمع المسلم، وقد حثُّ النبي - صلى الله عليه وسلم - على حُسن الظن في قوله: «إيَّاكم والظَّنَّ، فإنَّ الظَّنَّ أَكْذبُ الحديثِ ولا تحسَّسوا، ولا تجسَّسوا، ولا تَنافسوا، ولا تحاسَدوا، ولا تباغَضوا، ولا تدابَروا، وَكونوا عبادَ اللَّهِ إخوانًا» (رواه البخاري ومسلم)، وحُسن الظن يُرجّح جانب الخير على جانب الشَّر، ويُعد من الأخلاق الحميدة والفطرة الإنسانية السليمة، ونقيضه هو سوء الظن، فالظَّن: شك ويقين، وجمع الظَّن: ظُنُون، وقال الجرجاني: «الظَّن هو الاعتقاد الرَّاجح مع احتمال النَّقيض، ويستعمل في اليقين والشَّك، وقيل: الظَّن أحد طرفي الشَّك بصفة الرُّجحان».

حُسن الظن في سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم 

        عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطوف بالكعبة وهو يقول: «ما أطيبك وأطيب ريحك، ما أعظمك وأعظم حُرْمَتك، والذي نفس محمَّد بيده، لحُرْمَة المؤمن أعظم عند الله حرْمَة منكِ، ماله ودمه، وأن نظنَّ به إلَّا خيرًا»، وقد حرص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على سد كافة الذرائع التي يمكن أن تؤدي إلى سوء الظن في قلوب أصحابه، ومن ذلك ما روته السيدة صفية -رضي الله عنها- قالت: كان رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مُعتَكفًا فأتيتُه أزورُه ليلًا فحدَّثتُه، ثمَّ قمتُ فانقلبتُ، فقامَ معي ليقلبَني، وَكانَ مَسكنُها في دارِ أُسامةَ بنِ زيدٍ، فمرَّ رجلانِ منَ الأنصارِ فلمَّا رَأيا النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أسرَعا فقالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «علَى رِسلِكما إنَّها صفيَّةُ بنتُ حييٍّ، قالا: سبحانَ اللَّهِ يا رسولَ اللَّهِ! قالَ: إنَّ الشَّيطانَ يجري منَ الإنسانِ مجرَى الدَّمِ فخشيتُ أن يَقذفَ في قلوبِكما شيئًا أو قالَ شرًّا».

حسن الظن عند الصحابة

         وقد كان الصَّحابة -رضوان الله عليهم- مثالًا يُحتذى بهم في حُسْن الظَّن بالمؤمنين، فهذا أبو أيوب خالد بن زيد - رضي الله عنه -، قالت له امرأته أم أيوب: «يا أبا أيوب ألا تسمع ما يقول النَّاس في عائشة؟ قال: بلى، وذلك الكذب، أكنت أنت يا أمَّ أيوب فاعلة ذلك؟ قالت: لا والله ما كنت لأفعله». (رواه الطبري في تفسيره) وهذا أبو دجانة - رضي الله عنه -: دخلوا عليه في مرضه ووجهه يتهلل! فقالوا له: ما لوجهك يتهلل؟ فقال: «ما من عملِ شيءٍ أوثق عندي من اثنتين، كنت لا أتكلَّم فيما لا يعنيني، وكان قلبي للمسلمين سليمًا».

من أقوال السلف والصحابة في حسن الظن

        قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: «لا يحلُّ لامرئ مسلم يسمع من أخيه كلمة يظنُّ بها سوءًا، وهو يجد لها في شيء من الخير مخرجاً. وقال أيضاً: لا ينتفع بنفسه من لا ينتفع بظنه»، وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: «من علم من أخيه مروءة جميلة فلا يسمعنَّ فيه مقالات الرِّجال، ومن حَسُنت علانيته فنحن لسريرته أرجى»، وعن سعيد بن المسيب قال: «كتب إليَّ بعض إخواني من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أن ضع أمر أخيك على أحسنه، ما لم يأتك ما يغلبك، ولا تظنَّن بكلمة خرجت من امرئ مسلم شرًّا، وأنت تجد لها في الخير محملًا»، وقال قتادة: «إنَّ الظَّن اثنان: ظنٌّ يُنْجِي، وظنٌّ يُرْدِي»، وروى معمر عن إسماعيل بن أمية قال: «ثلاث لا يعجزن ابن آدم، الطِّيرة، وسوء الظن والحسد. قال: فينجيك من سوء الظَّن ألا تتكلم به، وينجيك من الحسد ألا تبغي أخاك سوءًا، وينجيك من الطِّيرة ألا تعمل بها».  والشافعي -رحمه الله- يقول:

لِسَانَكَ لا تَذْكُرْ بِهِ عَورَةَ امرئ

                                      فَكلُّكَ عَـوْرَاتٌ وَلِلنَّـاسِ أَلْسُــنُ

وَعَـينكَ إنْ أَبْـدَتْ إَلَيكَ مَعَـايِباً

                                     فَصُنْهَا وَقُلْ يَا عَيْنُ لِلنَّاسِ أَعْينُ

من أشكال حسن الظن

1- حُسْن الظَّن بالله عن جابر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل موته بثلاثة أيام يقول: «لا يموتنَّ أحدكم إلا وهو يحُسْن الظَّن بالله عزَّ وجلَّ»، قال ابن القيِّم: «كلما كان العبد حَسن الظَّن بالله، حَسن الرَّجاء له، صادق التوكُّل عليه، فإنَّ الله لا يخيِّب أمله فيه البتَّة؛ فإنَّه -سبحانه- لا يخيِّب أمل آملٍ، ولا يضيِّع عمل عاملٍ. وعبَّر عن الثقة وحُسْن الظَّن بالسَّعة؛ فإنَّه لا أشرح للصَّدر، ولا أوسع له بعد الإيمان من ثقته بالله، ورجائه له، وحُسْن ظنِّه به». 2- حُسْن الظَّن بأخيك المسلم على المسلم أن يُحِسَن الظَّن بإخوانه المسلمين عموما، وبأصدقائه المقرَّبين خصوصا، وهذا ما أرشدنا إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبيَّن أنه واجب على المسلم تجاه أخيه المسلم، فيجب على المسلم أن يلتمس لإخوانه الأعذار ما استطاع، ويحمل عليها ما يبلغه عنهم من قول أو فعل، فإذا لم يجد محملًا، فليقل: لعل لهم عذرًا لم أعرفه، قال أحدهم في هذا السياق: «إذا خانني التعبير اسألني عن التفسير». 3- حُسْن الظَّن بين أفراد الأسرة إنَّ إحسان الظَّن بين أفراد الأسرة المسلمة ولا سيما بين الزَّوجين، من أهم الدَّعائم التي يُبْنى عليها البيت المستقر والمطمئن، وفي المقابل فإن من آفات النفس الخطيرة التي هدمت كثيراً من البيوت، وشتت شمل كثير من الأسر، وفرَّقَت بين الأزواج، ونقضَت عُرى المودة والمحبة فيما بينهم، الشك وسوء الظن؛ وعليه، ينبغي أن يكون بين الزَّوجين حسن ظنٍّ متبادلٍ، وألَّا يتركا للشَّيطان مجالاً للتَّلاعب بهما؛ لأنَّه متى ما انفتح باب إساءة الظَّن بينهما صعب إغلاقه، وجرَّ ذلك إلى ويلات قد تهدِّد استقرار البيت بأكمله، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} (الحجرات: 12)

الأمور المعينة على حسن الظن بالناس

1- إنزال النفس منزلة الخير، قال ابن القيم -رحمه الله- -: «وما رأيت أحدًا قطُّ أجمع لهذه الخصال من شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، وكان بعض أصحابه الأكابر يقول: «وددت أني لأصحابي مثله لأعدائه وخصومه! وما رأيته يدعو على أحدٍ منهم قطُّ، وكان يدعو لهم». 2- إجراء الأحكام على الظاهر، ويوكل أمر الضَّمائر والسرائر إلى الله -عزوجل-، ويتجنَّب الحكم على النِّيَّات، فإنَّ الله لم يكلِّفنا أنَّ نفتِّش في ضمائر النَّاس. 3- استحضار آفات سوء الظن وعدم تزكية النفس، قال سفيان بن حسين: «ذكرت رجلاً بسوء عند إياس بن معاوية، فنظر في وجهي، وقال: أغزوتَ الرومَ؟ قلت: لا، قال: فالسِّند والهند والترك؟ قلت: لا، قال: أفَتسلَم منك الروم والسِّند والهند والترك، ولم يسلَمْ منك أخوك المسلم؟! قال: فلَم أعُد بعدها». 4- محاولة علاج أمراض القلب من الحسد والغلِّ وغيرها، فمتى ما زاد إيمان المرء وصفي قلبه من هذه الأمراض والأوبئة، حَسُن ظنُّه بإخوانه. 5- التماس العذر للناس، وخصوصاً الأهل والأقارب والأصدقاء، قال ابن سيرين -رحمه الله-: «إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذراً، فإن لم تجد فقل: لعل له عذراً لا أعرفه». 6- الابتعاد عمن لا يتورَّعون عن إلقاء التُّهم على عباد الله جزافًا بلا تثبُّت، وهؤلاء هم أسوأ النَّاس، فقد قيل لبعض العلماء: من أسوأ النَّاس حالًا؟ قال: «من لا يثق بأحد لسوء ظنه، ولا يثق به أحد لسوء فعله».   ينبغي للمسلم ألا يلتفت كثيرًا إلى الناس، يراقب هذا، ويتابع ذاك، بل الواجب عليه أن يُقبل على نفسه فيصلح شأنها، ويُقوِّم خطأها، ويرتقي بها إلى مراتب الآداب والأخلاق العالية،.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك