رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: فهد الجنفاوي 5 أغسطس، 2024 0 تعليق

قواعد نبوية (23) وما زاد اللهُ عبدًا بعفوٍ إلا عزًّا

  • العَفْوُ عن النَّاسِ سَبَبٌ في نَيلِ عَفوِ اللَّهِ فالجزاءُ مِن جِنسِ العمَلِ
  • العَفْوُ سَبيلٌ إلى الأُلفةِ والمودَّةِ بَيْنَ أفرادِ المجتَمَعِ وتقويةٌ لرَوابِطِ الأُخُوَّةِ
  • في العَفْوِ والصَّفحِ إنهاءٌ للمُنازَعاتِ والخُصوماتِ ونَزعٌ للغِلِّ والحِقدِ والشَّحناءِ
 

نتحدث عن أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا سيما تلك الأحاديث التي تمثل قواعد حياتية، قاعدة في السعادة، قاعدة في الأخلاق، قاعدة في العمل أو العبادة، حتى نأخذ منها العبرة والعظة والفائدة ما ينفعنا في ديننا ودنيانا، ومعنا اليوم حديث من أحاديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم - العظيمة، التي تمثل قاعدة من قواعد التعامل والأخلاق مع الآخرين، حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «وما زاد الله بعفو عبدا إلا عزا».

        عندما يعفو الإنسان عن الآخرين، يزيده الله -تعالى- عزًا ومكانة ورفعة ودرجة عنده وعند الخلق، فلا يظن إنسان أنه عندما يعفو عن مخطئ، أو يتجاوز عن مقصر، أو يسامح في خطأ ارتُكِبَ في حقه، أن هذا يكون سببًا في قلة مكانته أو ضعف إمكاناته، أو أنه لا يستطيع الرد، بل هذا من أخلاق الإسلام ومن عبادة الله -تعالى-؛ لأن ديننا دين أخلاق وتعامل مع الآخرين، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن المؤمنَ لَيُدْرِكُ بحُسْنِ خُلُقِه درجةَ الصائمِ القائمِ»، الله -تعالى- يجعل هذا الإنسان المتخلق بأخلاق الإسلام بدرجة ذلك الإنسان الذي يصلي طول الليل ويصوم طول النهار لله -تعالى-. هذا الإنسان الذي عنده أخلاق كريمة، أخلاق حسنة، قد يكون أقل منه في العمل، لكن يبلغ إلى درجته ومرتبته ومكانته عند الله؛ والسبب أنه تخلّق بأخلاق كريمة وأخلاق حسنة، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ أحبَّكم إليَّ وأقربَكم منِّي في الآخرةِ محاسنُكم أخلاقًا».

البشر يصيبون ويخطئون

        «وما زاد اللهُ عبدًا بعفوٍ إلا عزًّا» نحن في تعاملاتنا مع الناس نتعامل مع البشر، ولا شك أن البشر والناس يصيبون ويخطئون، فتتعامل مع الجاهل، ومع المتعلم، ومع الكبير، ومع الصغير، وغيرهم من الأشخاص على اختلاف أنواعهم وأفهامهم ومستوى إدراكهم، فإذا ما أُخطئ في حقك، اعفُ وسامح وتجاوز؛ فمن تجاوز عن خلق الله، يتجاوز الله -تعالى- عنه، «وما زاد اللهُ عبدًا بعفوٍ إلا عزًّا».

سنة نبينا - صلى الله عليه وسلم 

          وإذا نظرنا وتأملنا سنة نبينا - صلى الله عليه وسلم -، نرى كيف أنه كان يعفو عن المخطئ، ويتجاوز عن المسيء، فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: «كُنْتُ أَمْشِي مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وعليه بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ، فأدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَذَبَهُ جَذْبَةً شَدِيدَةً، حتَّى نَظَرْتُ إلى صَفْحَةِ عَاتِقِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قدْ أَثَّرَتْ به حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِن شِدَّةِ جَذْبَتِهِ، ثُمَّ قالَ: مُرْ لي مِن مَالِ اللَّهِ الذي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إلَيْهِ فَضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ له بعَطَاءٍ». ومع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يستطيع بإشارة منه أن يؤخذ هذا الأعرابي ويُنتقم منه؛ بسبب أنه اعتدى على النبي - صلى الله عليه وسلم - بنوعين من الاعتداء: أولا/ أنه دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - باسمه! ولا يجوز مناداة النبي - صلى الله عليه وسلم - باسمه مباشرة، كما قال الله -تعالى- {لَّا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضًا}، إنما تقول: يا رسول الله، أو يا نبي الله، فهذا تعدٍ بالقول وقال يا محمد. ثانيا/ تعدٍ بالفعل؛ حيث جذب النبي - صلى الله عليه وسلم - جذبة شديدة، حتى أثّر الرداء في رقبة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومع هذا إلا أن رسول الله صلى الله عليه ما انتقم منه؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - هو من علمنا هذه القاعدة الجميلة العظيمة.

تعامل النبي - صلى الله عليه وسلم -  مع غيرة السيدة عائشة

            ولما جيء للنبي - صلى الله عليه وسلم - بإناء فيه طعام، فلما رأته أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، وقد جاء هذا الطعام من إحدى أمهات المؤمنين، غارت أم المؤمنين -رضي الله عنها وأرضاها- فدفعت الإناء حتى سقط وانكسر، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يستطيع أن يتكلم معها ويعاتبها ويعنفها، لكن ما فعل ذلك رسولنا - صلى الله عليه وسلم -، وهو الذي علمنا مكارم الأخلاق، التي من بينها العفو والتجاوز والصفح، وأن يسامح الإنسان ولو أخطئ في حقه، مع أن هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويُكسر الإناء بين يديه وقد أهدي إليه هذا الطعام، فماذا فعل النبي - صلى الله عليه وسلم ؟ سوغ لها هذا الموقف وهذا الخطأ! وقال: «غارت أمكم، غارت أمكم» أي أنها فعلت ذلك الأمر بسبب الغيرة، ثم أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أن تبدل هذا الإناء بإناء آخر مكانه وانتهت المشكلة. انظر كيف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تعامل مع المخطئ، تجاوز عن أم المؤمنين وعن عامة الناس، عن الصغير والكبير، وهكذا ينبغي علينا أن نتعامل بالتجاوز والصفح، وأن يسامح الإنسان من أخطأ في حقه، قال -تعالى-: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}.  

فضائل العفو والصفح

  • في العَفْوِ رَحمةٌ بالمُسيءِ، وتقديرٌ لجانِبِ ضَعفِه البَشَريِّ.
  • في العَفْوِ امتِثالٌ لأمرِ اللَّهِ، وطَلَبٌ لعَفوِه وغُفرانِه.
  • في العَفْوِ توثيقٌ للرَّوابِطِ الاجتماعيَّةِ التي تتعَرَّضُ إلى الوَهنِ والانفِصامِ؛ بسَبَبِ إساءةِ بعضِهم إلى بعضٍ، وجنايةِ بعضِهم على بعضٍ.
  • العَفْوُ والصَّفحُ عن الآخَرينَ سَبَبٌ لنَيلِ مَرضاةِ اللَّهِ -سُبحانَه وتعالى.
  • العَفْوُ سَبَبٌ للتَّقوى؛ قال -تعالى-: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237]، فـرغَّب في العَفْوِ، وأنَّ مَن عفا كان أقرَبَ لتَقواه؛ لكونِه إحسانًا مُوجِبًا لشَرحِ الصَّدرِ.
  • من يعفو ويصفَحُ عن النَّاسِ يَشعُرُ بالرَّاحةِ النَّفسيَّةِ.
  • بالعَفْوِ تُنالُ العِزَّةُ؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: «... وما زاد اللَّهُ عبدًا بعَفوٍ إلَّا عِزًّا...».
  •  العَفْوُ والصَّفحُ سَبيلٌ إلى الأُلفةِ والمودَّةِ بَيْنَ أفرادِ المجتَمَعِ، وتقويةٌ لرَوابِطِ الأُخُوَّةِ.
  •  في العَفْوِ والصَّفحِ الطُّمَأنينةُ والسَّكينةُ وشَرَفُ النَّفسِ.
  • بالعَفْوِ تُكتَسَبُ الرِّفعةُ والمحبَّةُ عِندَ اللَّهِ وعِندَ النَّاسِ؛ فـمَن عُرِف بالصَّفحِ والعَفْوِ ساد وعَظُم في القُلوبِ.
  • العَفْوُ عن النَّاسِ سَبَبٌ في نَيلِ عَفوِ اللَّهِ؛ فالجزاءُ مِن جِنسِ العمَلِ، عن حُذَيفةَ - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ رجلًا كان فيمن كان قبلَكم، أتاه المَلَكُ ليَقبِضَ رُوحَه، فقيل له: هل عَمِلتَ من خيرٍ؟ قال: ما أعلَمُ، قيل له: انظُرْ، قال: ما أعلَمُ شيئًا غيرَ أنِّي كنتُ أبايِعُ النَّاسَ في الدُّنيا وأجازيهم، فأُنظِرُ الموسِرَ، وأتجاوَزُ عن المُعسِرِ؛ فأدخَلَه اللهُ الجنَّةَ)، قولُه: «وأتجاوَزُ عن المُعسِرِ» أي: أعفو عن الفقيرِ، وأُبرِئُ ذِمَّتَه عن الدَّينِ كُلِّه أو بعضِه.
  • في العَفْوِ والصَّفحِ إنهاءٌ للمُنازَعاتِ والخُصوماتِ، ونَزعٌ للغِلِّ والحِقدِ والشَّحناءِ.
  • العَفْوُ شُكرٌ للهِ على المَقدِرةِ على أعدائِك والمُسيئين إليك.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك