لماذا ينكر اليهود الإسراء والمعراج؟!
ذكر الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في كلامه عن ليلة الإسراء والمعراج أن الإيمان بليلة الإسراء والمعراج واجب، ولا يشك في ذلك مسلم، قال -تعالى- {سُبْحَانَ الَذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ}، ومع هذا كله مع أن الإسراء والمعراج ثابت والإيمان به واجب ولكن ليس عندنا دليل قاطع على أنه كان في شهر رجب، ولم تشرع لنا عبادة معينة فيه؛ لأن العبادات توقيفية، ونحن أحرص على اتباع الحق، وبالرغم من ثبوت حدوث هذه المعجزة إلا أنه يخرج علينا بين فينة وأخرى، من ينكرها، ويشيعون بأن المسجد الأقصى ليس هو مسجد القدس، وأنه مسجد في الطائف، وأن مسرى النبي كان إليه، وليس للمسجد الأقصى في القدس أي فضل عن بقية المساجد.
وتعدى الأمر ليقول بعضهم بأن المعراج حصل بالقلب فقط لا بالجسد والروح، وأن المسجد الأقصى الذي ندعي قداسته في القدس ليس لنا! وأن لليهود حقا فيه! وأننا عندما فتح أخذ من النصارى فهو لليهود والنصارى؛ وفي النهاية قالوا: إن لليهود حقا في المسجد الأقصى، والمطالبة بإعطاء اليهود حقوقهم في أماكن عبادتهم! ورد ما اعتدينا عليه من مقدسات اليهود!
جندوا أفواههم وأقلامهم
ونستغرب، كيف وصل الحال بهؤلاء أن جندوا أفواههم وأقلامهم لخدمات يعجز عنها كتّاب الصحف العبرية؟! بل توسعوا ليوجهوا سهامهم لكل من دافع عن حقوق المسلمين بمقدساتهم في فلسطين، وأعطوا لليهود حقوق في أرضنا ومقدساتنا؛ وأوغلوا في تنظيرهم حتى قالوا بضرورة إعادة صياغة التاريخ، وسرد أحداث نكبة فلسطين ونكستها بطريقة مغايرة؛ لأنهما حدثا بسبب أننا لم نستطع أن نتعامل مع حداثة الكيان اليهودي وتطوره!
كتابات هؤلاء وأقوالهم
لا شك أن كتابات هؤلاء وأقوالهم كانت في السابق أكثر تورية وتقية؛ لأن الأمة الإسلامية لم تكن بهذا الانكسار والضعف كما هي عليه الآن، فصوت هؤلاء وظهورهم يخفت حين تكون الأمة في قوتها، ومكانتها التي كانت عليها، وظهورهم مرهون بضعف الأمة، وتكالب أعدائها عليها، وهذا هو حال كل من أراد السوء لهذه الأمة منذ عهد النبوة إلى الآن!
مكانة المسجد الأقصى
فقد جمعوا خلاصة ما كتبه الباحثون اليهود للتشكيك في مكانة المسجد الأقصى عند المسلمين، وما سطرته مراكزهم العلمية، وما اخترعه مؤرخوهم لخلق تاريخ يخدم كيانهم ووجودهم على الأرض المباركة، وحقاً لا مثيل لهؤلاء في مراحل التاريخ كلها؛ فهؤلاء أناس تنكروا لأمتهم وأوطانهم، ودافعوا عن حقوق أعدائهم، وهذا الفكر -مع الأسف- يجد الدعم كله من ظهور، وفتح الأبواب ليقولوا ما أرادوا؛ عبر الفضائيات والمنتديات.
كتابات اليهود المشككين
كتابات اليهود المشككين بوجود المسجد الأقصى في القدس: بالمقارنة بما قاله وكتبه هؤلاء، وما كتبه وأشاعه الباحثون اليهود والمستشرقون الحاقدون؛ يجد القارئ أنها متشابهة إلى حد المطابقة في فقرات كاملة -أحياناً- وإليك الأدلة:
مسجد قريب من مكة
كتب (مردخاي كيدار) -أستاذ التاريخ الإسلامي جامعة (بار إيلان) قسم الدراسات العربية-، أن المسجد الأقصى هو مسجد قريب من مكة؛ فيقول: «القدس ليست لها أهمية تذكر في الدين الإسلامي، والمسجد الأقصى المذكور في القرآن الكريم هو مجرد مسجد صغير يقع في شبه الجزيرة العربية وتحديداً في قرية الجعرانة على الطريق بين مكة والطائف».
ويضيف: «كان الرسول يصلي في أحد مسجدين بهذه القرية: الأول هو المسجد الأدنى والثاني هو المسجد الأقصى وفقاً لموقعها الجغرافي»: «وواقعة الإسراء والمعراج حدثت في المسجد الأقصى بالجعرانة وليس بالقدس».
إسحاق حسون
وكرر هذه الأكذوبة إسحق حسون -باحث ومؤلف يهودي- في مقدمة تحقيقه لكتاب (فضائل البيت المقدس) لأبي بكر محمد ابن أحمد الواسطي، الذي قامت بطباعته الجامعة العبرية في القدس باللغة العربية ما يأتي: «كانت ثمة اتجاهات لتعظيم حرمة مكة والمدينة، والتقليل من حرمة القدس، وأن علماء المسلمين لم يتفقوا جميعاً على أن المسجد الأقصى هو مسجد القدس، إذ رأى بعضهم أنه مسجد في السماء يقع مباشرة فوق القدس أو مكة»، وهو يستعين في هذا الصدد بأقوال كاتب فرنسي هو (ديمومين)، حاول من خلاله التمييز بين القدس السماوية، والقدس السفلية!
مصلى سماوي
ودعمت (لاتسروس) فكرتها بمقال كتبه: (جوزيف هوروفيتش) حول الموضوع نفسه أكد فيه: أن المسجد الذي عنته آية الإسراء إنما هو مصلى سماوي يقع في القدس السماوية العليا، وقال: «ينبغي أن نفهم أقوال مفسري القرآن الأقدمين على هذا النحو؛ حيث يجمعون عادة على أن المسجد الأقصى معناه: بيت المقدس. وأن حسب رأيه - تقصد (جوزيف) - فإنهم يقصدون القدس العليا، غير أن المصطلحات اختلطت على مر الأجيال، وفُهِمَ المسجد الأقصى الذي في القدس العليا، على أنه موجود في القدس الحاضرة».
تاريخ القدس
لماذا يشكك اليهود في تاريخ القدس والمسجد الأقصى؟! لا شك أن هذا التشكيك هو في دائرة المؤامرة لهدم المسجد الأقصى المبارك، وليبني الصهاينة مكانه معبدهم المزعوم (هيكل سليمان)، ولقطع الرابط بين فلسطين وبيت المقدس ومسجدها الأقصى المبارك، وفي سبيل ذلك أصروا على التشكيك في كل ما جاء في الكتاب والسنة حول فضائل المسجد الأقصى المبارك ليقولوا -كاذبين -: بأن القدس لا مكانة لها، ولا رابط دينياً بينها وبين الإسلام، وأن المسجد الأقصى هو مسجد آخر غير مسجد القدس، هو مسجد في السماء، أو هو مسجد قريب من المدينة وسمي الأقصى لأنه البعيد! فقد ساءهم تعلق المسلمين بالقدس والأقصى ومحبتهم لهما والنظر إليهما؛ وتاريخهما الزاهر؛ فعملوا على تقويض إجماع المسلمين على قداسة مدينة القدس، وتعظيم حرمتها وحرمة الأقصى في الإسلام.
لماذا يؤرقكم أقصانا؟!
ولعلنا نتساءل، لماذا تتكرر على مسامعنا هذه الأكاذيب والشبهات بين فترة وأخرى؟! وما هدف من يتبناها من وسائل إعلامية وفضائية؟! وما السبب في نشر هذا التشكيك في مكان المسجد الأقصى ومكانته؟! ولماذا تتكرر المحاولات الحثيثة من هؤلاء -وهم ليسوا يهودا - لإدخالها في بعض النفوس؟!
على الرغم أن ما يقوله هؤلاء من العرب - أسموهم أدباء ومفكرين!- لم يضف جديداً على الدراسات اليهودية والاستشراقية التي تعمل على تقليل أهمية المصادر الإسلامية المتعلقة ببيت المقدس بعد أن فتحها أمير المؤمنين عمر- رضي الله عنه-، أو للتقليل من أهميتها ومكانتها في الإسلام والتشكيك في النصوص التي جاءت في الكتاب والسنة وكتب السير والفقه؛ وذلك بهدف إلغاء الحقائق والتشكيك في الثوابت لكتابة تاريخ جديد لبيت المقدس من وجهة نظر أحادية متعصبة.
دوافع مراكز الدراسات
ولا شك أننا نعرف دوافع مراكز الدراسات والباحثين اليهود في نشر تلك الشبهات والأكاذيب لإكساب احتلالهم لبيت المقدس شرعية دينية وتاريخية وواقعية وأثرية وقانونية، بل وإنسانية في بعض الأحيان!
تاريخنا يؤرقهم
وحقاً إن تاريخنا في القدس يؤرقهم، وكيف لا يقلقهم وفي طياته الأخبار والسير ما يشيب منه غلمان الحاقدين وأعداء المسلمين من اليهود ومن هواهم؟! ففي تاريخنا أخبار الفتوحات والبطولات، ثم الهزائم والانتصارات، قام بها علماء وقادة، فتحوا الأمصار، وانتصروا على غارات المغول، وردوا حملات الصليب، وكسروا شوكة الاستعمار المعاصر؛ وفي صفحة مؤلمة من صفحات هذا التاريخ - الذي نعيشه - انتكاسة للأمة بأن قامت على أرض فلسطين دولة آثمة ظالمة، سلبت الأرض والمقدسات، وسرقت الخيرات، وتعدت على الحريات والكرامات، لا بقوتها وبأسها، فما كان اليهود أبداً أولي بأس وقوة، ولا كانوا أولي نبل وشهامة، بل بقوة من يقوم وراءها ليحميها ويقويها على باطلها، ويمدها بما يزيد عدوانها.
لهذا يؤرقهم تاريخنا
لهذا يؤرقهم تاريخنا؛ لأن في صفحاته تفاصيل فتح أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - للقدس، وأخبار عماد الدين ونور الدين الزنكي، وانتصارات صلاح الدين الأيوبي، والظاهر بيبرس - رحمهم الله جميعاً - وتحريك الأمة وإحياؤها من جديد على يد علماء ربانيين، والخير في هذه الأمة لا يزول إلى قيام الساعة؛ فالمسجد الأقصى - مهما أنكروا ونشروا الشبهات - مبارك فيه وفيما حوله، قال -تعالى-: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله}. قيل: لو لم تكن له فضيلة إلا هذه الآية لكانت كافية، وبجميع البركات وافية؛ لأنه إذا بورك حوله، فالبركة فيه مضاعفة. ومن بركته أن فُضل على غيره من المساجد سوى المسجد الحرام ومسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم .
لاتوجد تعليقات