رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 29 يوليو، 2024 0 تعليق

التعريف بكتاب – أنوار الكهف

  • القصص القرآني يركز على المعاني العظيمة من العبودية وصفات الله وواجب الوقت وأعمال القلوب
  • الخضر قدم نموذجا إصلاحيا عجيبا في التعايش مع الناس والتفاعل مع آلامهم وآمالهم وأحلامهم
 

بين أيدينا كتاب جديد يضاف للمكتبة السلفية التي تعنى بباب التزكية، وهو بمثابة تأملات واستخراج الهدايات القرآنية والبصائر التربوية من سورة الكهف، التي يرى مؤلف الكتاب الشيخ: م علاء حامد أنها بمثابة منهج حياة متكامل، ينقلك بإبداع من فتية في كهف مضطهدين عاجزين عن إظهار دينهم، إلى ملك صالح متوج قوي بلغ المشارق والمغارب مصلحا، مرورا بداعية يخاطب صاحبه وينصحه، ومرورا بموسى -عليه الصلاة والسلام- مع الخضر في رحلة الأسرار، ويتعرض الشيخ في هذا الكتاب الذي يعنى بالقصص القرآني للوصية بالقرآن فهما وتدبرا، حيث إنه لا سبيل لشفاء الصدور خير من كتاب الله. وقد جاء الكتاب في جزء واحد مجلد، وعدد صفحاته 356 صفحة، وقد اشتمل على مقدمة وتسعة محاور رئيسية.

(2) سورة الكهف

        جاء المحور الأول للكتاب بعنوان: سورة الكهف، وأوضح المؤلف فيه أمورا عدة، منها سبب نزول السورة، والمنهج المتكامل في السورة ومزاياها، وذكر منها أن السورة تكلمت عن ثلاثة أنواع من القلوب: قلب المؤمن، حيث قال -تعالى-: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ}، وقلب الغافل اللاهي، قال -تعالى-: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}، وقلب الفاجر المجرم الكافر، قال -تعالى-: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا}. كما ذكر المؤلف كيف أن سورة الكهف تكلمت عن أنواع الدعوة إلى الله بجميع مستوياتها، ففي القصة الأولى تتكلم عن فتية الكهف، والقصة الثانية تتكلم عن رجل يدعو صاحبه إلى الله وكيف تعامل معه، والقصة الثالثة قصة موسى والخضر تتكلم عن معلم يدعو تلميذه ويعلمه بأسلوب دعوي جديد وهو أسلوب العمل المجتمعي وليس مجرد إقامة الحجة ولا مجرد كلام. والقصة الأخيرة قصة ذي القرنين، قصة ملك يدعو الناس إلى الله ويسخر ملكه وقوته في طاعة الله.

(2) فتية الكهف

        بدأ المؤلف هذا المحور بتوجيه نظر القارئ لملاحظة مهمة، وهو أن الله -تعالى- لم يذكر كثيرا من التفاصيل التي ينشغل الناس بها في مثل هذه القصص، مثل الأسماء والأماكن ونحو ذلك، وبين أن هذا مما يميز طريقة القرآن عن قصص البشر، فقصص القرآن تركز على المعاني العظيمة من العبودية وصفات الله وواجب الوقت وأعمال القلوب، كما أن القرآن يعلمك أن تهتم بوقتك ولا تضيعه إلا فيما يعود عليك بفائدة.

دور الشباب في الدعوة

         ثم تعرض المؤلف في هذا المحور لمواضيع عدة، كان منها دور الشباب في الدعوة والتغيير قال -تعالى-: {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ} فتية: شباب، فواضح أن الشباب هم دائما المحرك الرئيسي لأي عمل دعوي فهنيئا لمن سلك طريق الهداية واستقام في مرحلة الشباب، {فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا}، {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدً}، بين المؤلف أنَّ الدعوة ليست دائمًا فيها الترف والراحة، فلابد أن تعود نفسك على شيء من الخشونة في الحياة فلا تدري ما قد يحدث لك غدا، فلا تبالغ في الترفه وعود نفسك على شيء من الجلد فهؤلاء الفتية في يوم وليلة صار فراشهم الصخر، ولقد كان من عادة العرب أن يسترضعوا لأولادهم ويربوهم في أول نشأتهم في الصحراء ليتعلموا الخشونة والقوة فالمبالغة في الترف تفسد ولا تصلح.

(3) قصة صاحب الجنتين

        أكد المؤلف هنا أن قصة صاحب الجنتين ليست مجرد قصة رجلين، بل الموضوع أكبر من ذلك وأعمق، فهو حوار بين فكرين وثقافتين ومنهجين، كما نوه المؤلف أن قصة صاحب الجنتين تأتي في طور الدعوة إلى الله، فبعدما كان الطور الأول في قصة أصحاب الكهف أن الدعوة مضطهدة وأصحابها ضعفاء لا صوت لهم ولا منبر، تنتقل بنا السورة إلى حال أفضل وهو أن الدعوة صار لها وجود، وصار لها قبول، وهو ما يصوره مشهد الحوار بين الرجل الصالح وصاحبه وهو يدعوه إلى التوحيد دون خوف من اضطهاد ملك أو تهديد بقتل، {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ}، هنا بين المؤلف أن العبرة بقدر المجهود الذي تبذله في دعوتك ومدى صدقك وإخلاصك، وأما النتائج فهي بيد رب العالمين؛ لذلك لا يكون تقييم نجاحك وفشلك عليها.

(4) موقف رهيب

        {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا} بين المؤلف بعد هذه الآية الانتقال الذي حدث لمشاهد الآخرة بغرض إبصار الحقائق والخروج من زيف الدنيا وعيش المشهد الذي ينبغي أن تكون الحياة في الدنيا استعدادا له، فمن حاسب نفسه في الدنيا، خف عليه الحساب يوم القيامة.

(5) معركة الشيطان

          {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا}، يرى المؤلف أن هذه الآية ملفتة؛ لأنها جاءت في منتصف السورة بين قصصها الأربع، وكأنها تلفت الانتباه إلى أصل القصة وأساس العداوة ومنبع الفتن وقائد معركة الشر حتى لا نغفل عن عداوته، فكل طاعة نفعلها وكل معصية نتركها هي ضربات موجعة تصيب الشيطان فلنحرص على إصابته وإغاظته وإذلاله. أما عن كيف يكون الانتقام من الشيطان؟ فدلنا المؤلف هنا على أمور عدة، منها الاستعاذة بالله منه، والإكثار من ذكر الله، قراءة آية الكرسي عند النوم، (قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) 100 مرة كل يوم، الإكثار من الصلوات والسجدات فذلك يجعل الشيطان يبكي.

(6)  موسى والخضر

        وفي هذه القصة ننتقل لوضع أعلى للدعوة، يظهر في المزيد من القبول للدعوة بين الناس بل ووجود وتأثير مجتمعي كبير، وثقة قوية في الدعاة، وهي مرحلة مهمة للغاية، وهي ما نسميه التمكين في القلوب أي يصير للدعوة مكانة في قلوب الناس، وهذا مما يمهد للتمكين الحقيقي ويمهد لمرحة ذي القرنين، والمقصود بالتمكين في القلوب أن يحب الناس الداعية ويقتنعون به، ويرون فيه القدوة الصالحة التي تصلح للاقتداء، فالمجتمعات تتغير بالقدوات وليس بالنظريات، والسلطان على القلوب يسبق السلطان على البلاد.

=نموذج إصلاحي عجيب

         الخضر -عليه السلام- قدم نموذجا إصلاحيا عجيبا، نموذج من يعيش بين الناس متفاعلا مع آلامهم وأحلامهم، وهو جزء منهم، ودائما هو جزء من الحل، ومن ثم دخلت دعوته القلوب من أوسع الأبواب، كان الخضر -عليه السلام- نموذجا مثاليا للتدين، كان الشخص المخلص المصلح الذي يحبه الناس ويثقون به جدا، شخصية لم تترك الإعلام يرسم صورته في أذهان الناس، بل نزل للواقع يرسم صورته في القلوب بنفسه، ومن ثم أسس في قلوب الناس حصانة ضد أي دعاية سلبية للدعوة، فلابد للداعية أن يخالط الناس ويقدم دعوته بطريقة عملية طالما أمكن ذلك، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يخالط الناس، ويسعى في حوائجهم، وينزل إلى التجمعات والأسواق ويمشي بدعوته بين الناس حتى قالوا فيه: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ}.

=(6) قصة ذي القرنين

         في هذه القصة الرابعة والأخيرة من قصص سورة الكهف والتي وصفها المؤلف بأنها مرحلة التمكين والتي صار فيها أهل الحق وأصحاب الدعوة الصحيحة هم أصحاب السلطة ولم يعد هناك ملك ظالم، فلقد مكن الله للصالحين وصار أحد الصالحين هو الملك نفسه، وكان العامل المشترك الثابت الذي لا يتغير دائما هو العقيدة والفكر والعبادة والأخلاق، فالمنهج واحد والهدف واحد لكن ما يتغير هو الوسائل والآليات بحسب قراءة الواقع.

=(7) حسن عرض المشكلة هو نصف الحل

         {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا}، رغم بساطة القوم إلا أنهم كانوا حكماء في عرض قضيتهم وفي اقتراح الحل وفي المشاركة في الحل أيضًا، وتأمل في عرضهم لقضيتهم:
  • أولا: الوضوح في بيان المشكلة وتوصيفها بدقة: {إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ} أي هم مفسدون في الأرض بالقتل، والتعدي على الناس وغير ذلك مما يتصور من ألوان الإفساد.
  • ثانيا: اقتراح الحل {تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا}.
  • ثالثا: المشاركة في الحل {نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا} أي: أجرًا وعطاءً.
تأمل لتعلم ان الإصلاح عملية مشاركة مجتمعية بين القيادة والشعب، وإلقاء المسؤولية على طرف واحد يؤدي إلى فشل عملية الإصلاح أو ضعفها، بل يسفر عن طرف سلبي دائمًا لا هم له إلا النقد الهدام.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك