رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 29 يوليو، 2024 0 تعليق

حقوق العمال وواجباتهم في الإسلام

حفظ الإسلام للعمال حقوقهم كبقية أفراد المجتمع، ومنحهم من رعايته وعنايته، ما يكفل لهم الحياة الطيبة الكريمة، فجاءت الشريعة بكثير من المبادئ لضمان حقوقهم، إقامة للعدالة بين الناس، وتوفيرًا للاستقرار الاجتماعي لهم ولأسرهم في حياتهم وبعد مماتهم، كما دعا الإسلام أصحاب الأعمال إلى معاملة العامل معاملة إنسانية كريمة، وإلى الشفقة عليه، والبرّ به، إلى غير ذلك من الحقوق التي منحها الإسلام للعامل.

  • كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم - يهتمُّ برعاية خَدَمِه إلى الدرجة التي يحرص فيها على زواجهم
  • قالَ اللَّهُ: «ثَلاثَةٌ أنا خَصْمُهُمْ يَومَ القِيامَةِ: رَجُلٌ أعْطَى بي ثُمَّ غَدَرَ، ورَجُلٌ باعَ حُرًّا فأكَلَ ثَمَنَهُ، ورَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أجِيرًا فاسْتَوْفَى منه ولم يُعطِه أجرَه»
  • على العامل الشعور بالمسؤولية تجاه العمل الذي يقوم به فلا يهمل عمله ولا يقصر ولا يغش
  • يجب على صاحب العمل أنْ يُوفي العاملَ حقوقه التي اشترطها عليه عند تعاقده معه وألاّ يحاول انتقاص شيءٍ منها فذلك ظلمٌ عاقبته وخيمة
  • يجب على صاحب العمل أنْ يمكّن العامل من أداء ما افترض الله عليه من طاعة كالصلاة والصيام ولا يجوز له منعه من ذلك
  • امتدَّت رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بخدمه لتشمل غير المؤمنين به كما فعل مع الغلام اليهودي الذي كان يعمل عنده خادمًا
  •  أجر العامل هو أهم التزام يُلزم به صاحب العمل ولذلك عُني به الإسلام عناية بالغة
  • حفظ الإسلام للعمال حقوقهم كبقية أفراد المجتمع ومنحهم من رعايته وعنايته ما يكفل

 لهم الحياة الطيبة الكريمة

       امتدَّت رحمته - صلى الله عليه وسلم - بخدمه لتشمل غير المؤمنين به أصلاً، وذلك كما فعل مع الغلام اليهودي الذي كان يعمل عنده خادمًا، فقد مرض الغلام مرضًا شديدًا، فظلَّ النبي يزوره ويتعهَّده، حتى إذا شارف على الموت عاده وجلس عند رأسه، ثم دعاه إلى الإسلام، فنظر الغلام إلى أبيه متسائلاً، فقال له أبوه: «أطِعْ أبا القاسم». فأسلم، ثم فاضت رُوحه، فخرج النبي وهو يقول: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ».  

1- أخلاقيات أصحاب العمل وواجباتهم

من أخلاقيات أصحاب العمل وواجباتهم تجاه العمال ما يلي:

حق العامل في المعاملة بالحسنى

كانت عائشة -رضي الله عنها- تروي فتقول: «مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ وَلاَ امْرَأَةً وَلاَ خَادِمًا...»، وهذا أنس بن مالك خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشهد شهادة حقٍّ وصدق فيقول: «وَاللهِ لَقَدْ خَدَمْتُهُ سَبْعَ سِنِينَ أَوْ تِسْعَ سِنِينَ، مَا عَلِمْتُ قَالَ لِشَيْءٍ صَنَعْتُ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا؟ وَلاَ لِشَيْءٍ تَرَكْتُ: هَلاَّ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا»، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهتمُّ برعاية خَدَمِه إلى الدرجة التي يحرص فيها على زواجهم، فعن ربيعة بن كعب الأسلمي، قال: كنتُ أخدم النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال لي النبي: «يَا رَبِيعَةُ، أَلاَ تَتَزَوَّجُ؟»، قال: فقلتُ: لا والله يا رسول الله، ما أريد أن أتزوَّج، ما عندي ما يُقيم المرأة، وما أحبُّ أن يشغلني عنك شيء. فكرر عليه ذلك ثلاثا حتى قال: بلى يا رسول الله، مُرْنِي بما شئتَ، أو بما أحببت. قال: «انْطَلِقْ إِلَى آلِ فُلانٍ...». إِلى حيٍّ من الأنصار.

 

2- حق العامل في الأجر

       أجر العامل هو أهم التزام يُلزم به صاحب العمل؛ ولذلك عنى به الإسلام عناية بالغة، ويعد الإسلام العمل عبادة وقربة، إذا ابتغى بها العبد الإنفاق على أهله وولده، أو على والديه، أو إعْفاف نفسه وصونها عن ذل السؤال، وعلى هذه النظرة للعمل، يحفظ الإسلام حق العامل في الأجر، ويحث على أنْ يوفي كل عامل جزاء عمله، وقد ورد ذكر الأجر على العمل في القرآن الكريم في مواضع، ويذكر مقرونًا بالأجر، كما في الأجور الأخروية، يقول -تعالى-: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} (الأحقاف:19)، ويقول -تعالى-: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} (التين: 6). وورد بالمعنى المتداول في الحياة العملية، كما في قصة الرجل الصالح وموسى -عليه السلام-: {قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} (القصص: 25)، وقوله له بعد ذلك: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ} (القصص: 27-28)، وفي هاتين الآيتين الأجر، هو ما عرفناه من عوض المشقة أو العمل والخدمة.

التلازم بين الأجر والعمل

        وفي أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - نجد تلازمًا بين الأجر والعمل، فعن أنس بن مالك -،- قال: « حَجَمَ أَبُو طَيْبَةَ رَسولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ»، وحث النبي - صلى الله عليه وسلم - على تعجيل الأجرة بعد انتهاء عمله، فعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أعْطوا الأجير أجْره، قبل أنْ يَجف عَرَقه»، فيُوجه النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته إلى رعاية حقّ الأجير، وتأدية أجرته إليه، دون تأخيرٍ ولا مماطلة، وقوله: «قبل أنْ يجفّ عرقه» تأكيدٌ لأمره، بإعطائه حقه قبل جفاف عرقه، وهو كناية عن وجوب المبادرة عقب فراغ العمل، والإسراع بإعطاء أجره، وترك المماطلة في الإيفاء، ولا يجوز له أن يظلمه بنقص أجرته أو مماطلته فيها، فإن فعل شيئا من ذلك فقد ارتكب ظلما، والله -تعالى- ذمَّ الظلم والظالمين في كتابه، فقال -عز وجل-: {وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} (الحج: 71)، وقال: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} (إبراهيم: 42)، وما هلكت الأمم السابقة، إلا بظلمها وبغيها وتعديها على الضعفاء، كما قال -سبحانه-: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا} (يونس: 13). كما حذّر الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الظلم؛ فعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «اتَّقوا الظُّلم، فإنّ الظلمَ ظلماتٌ يوم القيامة»، وفي الحديث القدسي: «يا عبادي، إني حرَّمت الظلمَ على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا».

3- حق العامل في الحصول على حقوقه كاملة

        يجب على صاحب العمل أنْ يُوفي العاملَ حقوقه التي اشترطها عليه عند تعاقده معه، وألاّ يحاول انتقاص شيءٍ منها، فذلك ظلمٌ عاقبته وخيمة، وألا ينتهز فرصة حاجة العامل الشديدة إلى العمل، فيبخسه حقه، ويغبنه في تقدير أجره الذى يستحقه نظير عمله، فالإسلام يحرم الغبن، قال -تعالى-: {ولا تَبْخسُوا الناسَ أشياءهم} (هود: 85)، يقول -سبحانه-: ولا تنقصوا الناس حقوقهم، التي يجب عليكم أنْ توفوهم إياها، كيلا كانت أو وزنًا أو غير ذلك، ويقرر الرسول - صلى الله عليه وسلم - قاعدة: (لا ضَررَ ولا ضِرار). كما يجب على صاحب العمل، أنْ يحفظ حق العامل كاملاً إذا غاب أو نسيه، كما يجب عليه ألاّ يؤخر إعطاءه حقه بعد انتهاء عمله، أو بعد حلول أجله المضروب. كما يجب على صاحب العمل ألا يضن على العمل بزيادة في الأجرة، إن أدّى عملاً زائداً على المتفق عليه، فالزيادة في العمل يقابلها زيادة في الأجرة، فإنّ هذا من العدل الذي أمرنا الله -تعالى- به.  

4- حقُّ العامل في عدم تكليفه ما لا يطيق

       لا يجوز لصاحب العمل تكليف العامل بأعمال لا يطيقها، أو إرهاق العامل إرهاقاً يضر بصحته، ويجعله عاجزاً عن العمل، إعمالاً لقول الله تبارك و-تعالى-: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} (البقرة: 286). وتحقيقاً للقاعدة الشرعية: (أنه لا تكليف إلا بمستطاع)، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: «إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جعلهم الله تحتَ أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليُطعمه مما يأكل، وليُلبسه مما يلبس، ولا تكلِّفوهم ما يغلبهم، فإنْ كلفتموهم فأعينوهم». متفق عليه، ولقد قال الرجل الصالح لموسى -عليه السلام- حين أراد أن يعمل له في ماله: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ} (القصص: 27)، فإذا كلفه صاحب العمل بعملٍ يؤدى إلى إرهاقه، ويعود أثره على صحته ومستقبله، فله حق فسخ العقد، أو رفع الأمر إلى المسؤولين، ليرفعوا عنه حيف صاحب العمل وتعديه.

5- حق العامل في أداء ما افترضه الله عليه

        يجب على صاحب العمل أنْ يمكّن العامل من أداء ما افترض الله عليه من طاعة، كالصلاة والصيام، ولا يجوز له منعه من ذلك، بل العامل المتدين أقرب الناس إلى الخير، وأداء عمله بإخلاص ومراقبة وأمانة، وصيانة لما عهد إليه به من العمل، وليَحْذر صاحب العمل أنْ يكون ممن يصد عن سبيل الله، ويعطل شعائر الدين، قال -عز وجل-: {الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ} (إبراهيم:3)، ويقول -تعالى-: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10) أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12) أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14) كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18) كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب} (العلق: 9 - 19)، بل يجب على صاحب العمل أنْ يراقب العمال في ذلك، وأن يأمرهم بالصلاة على وقتها، وأن يراقب سلوكهم وأخلاقهم، ويحملهم على التمسك بآداب دينهم، وربما كان ذلك مما يجذب قلوبهم إليه، ويجعلهم يخلصون في العمل والدفاع عن مصالحه وحمايته بكل وسيلة    

طبيعة العلاقة بين العمال وأصحاب العمل

         إن العلاقة بين العمال وأصحاب العمل قائمة على أساس العدل، فكل من الطرفين ملزم بأخلاقيات العمل، فأخلاقيات العمل توجب على العامل الإخلاص والإحسان، وعدم استغلال الوقت والمواد في غير مصلحة العمل، كما توجب على أصحاب الأعمال مقابلة الإحسان بالإحسان ويحرم عليهم البخس أو الاستغلال.

واجبات العمال تجاه أصحاب العمل

(1) العلم بواجبات العمل ومتطلباته: وذلك حتى لا يخالفها أو يقصّر في أدائها. (2) الشعور بالمسؤولية تجاه العمل: فلا يهمل عمله ولا يقصر ولا يغش، فمن طرائق الكسب الحلال -كما يذكر العلماء- تجارة مشروعة بصدق، أو عمل مشروع بإتقان، أو عطية مشروعة بحق. (3) الأمانة والإخلاص: فالغش خيانة ليست من صفات المؤمنين، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من غشّ فليس منا» (رواه مسلم)، وأخذ الرشوة، وتضييع الأوقات كل ذلك خيانة، قال الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28) يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)} (الأنفال). (4) الإتقان والإجادة: لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه». (5) الطاعة: فيجب على العامل أن يطيع رؤساءه في العمل في غير معصية، وأن يلتزم بقوانين العمل. (6) التعفّف من استغلال الوظيفة أو النفوذ للنفع الشخصي أو لنفع الآخر: قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «من استعملناه على عمل، فرزقناه رزقا فما أخذه بعد ذلك فهو غلول».  

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك