رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. أمير الحداد 22 يوليو، 2024 0 تعليق

السنن الإلهية (3)  قوانين ثابتة لا تتغير ولا تخطئ

  في اجتماعنا المعتاد بعد صلاة الجمعة، سألت صاحبي: - إلى أين وصلت في بحثك عن (السنن الإلهية)؟ اعتدل في جلسته. - الموضوع أهم  مما كنت أعتقد، وأعمق مما كنت أظن، السنن الإلهية جزء مهم جدا في العقيدة، وفي معرفة ما يتعلق بالله -عز وجل-، وجزء لم يأخذ حقه عند المسلمين، لا ترى العلماء يلقون المحاضرات العامة في هذا الموضوع، ولا تجد التركيز عليه في خطب الجمعة أو الدورات الإسلامية أو حلقات المساجد، مع أن له ارتباطا مباشرا بمصير الأفراد والأمم، من عزة وذل، ورفعة وتمكين ونصر، ورزق ورغد عيش وأمان، وبقاء وهلاك، وكذلك بالنسبة للأفراد، استغربت حماس صاحبي، وتركيزه في كلامه! - السنن الإلهية تعطي نتائج يقينية أشبه بالمعادلات الرياضية والفيزيائية وربما أدق، فيمكنك معرفة الضرر قبل وقوعه، فتجتنبه، ويمكن معرفة الهزيمة قبل حدوثها، فتتفاداها، ويمكنك معرفة الهلاك قبل تحققه فتمنعه، ذلك أن سسن الله ترتكز على السببية والتعليل والشرط والجزاء. قاطعته: - هذه الجملة الأخيرة تحتاج مزيدا من التفصيل: - السنن الإلهية جعلت لكل شيء سببا، فلا شيء يحدث عبثا أو دون أسباب، وموقف البشر من الأسباب والمسببات يكون شركا، أو عبودية، أو عبثا وإليك التفصيل. أما المؤمن، فيبذل الأسباب ولا يتعلق بها، وإنما يتعلق قلبه بالله بعد بذل الأسباب، وهذه  هي العبودية الصحيحة. والمشرك يتعلق بالأسباب دون النظر إلى المسبب، ويظن أن الأسباب تؤدي إلى النتائج، بصرف النظر فهو لا يؤمن بأن الله هو الذي يأتي بالنتائج. والثالث، يترك الأسباب ويضع الحبل على الغارب وينتظر النتائج، وهذا عبث وقدح في العقل والشرع، ويمكن تلخيص هذه القاعدة بقول النبي -[-: «اعقلها وتوكل»، صحيح الترمذي (اعقلها) بذل الأسباب، و(توكل)، تعلق القلب بالله لا بالأسباب. أعجبني شرح صاحبي! - أحسنت يا أبا عبدالله. ذكر صاحبي وضيفنا بالمكسرات والمرطبات الموجودة أمامهما. تابع صاحبي حديثه: - ولو تدبرنا كتاب الله، ويجب علينا أن نتدبره، لوجدنا أن الله -تبارك وتعالى- يذكر في آيات كثيرة: {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} (آل عمران:137)، {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ} (النمل:69)، وهذا السير سواء كان حقيقيا أو اعتباريا هدفه النظر في عواقب الأمور، عاقبة المجرمين، عاقبة المكذبين، عاقبة الظالمين، عاقبة المفسدين، أمما كانوا أم أفراد، وذلك أن ما أصاب أؤلئك، سيصيب كل  من سار على نهجهم، وارتكب خطأهم، هذه القوانين ثابتة نافذة، لا تحابي أحدا، ولا تتخلف عن أحد. ويصوغ العلماء ذلك بقولهم: إن الله  «لا يفرق بين المتماثلات ولا يساوي بين المختلفات»، {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} (القلم:35-36). {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} (ص:28)، {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ} (القمر:43). {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} (الرحمن:60). {وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ} (ق:14)، وذلك بعد أن ذكر قوم نوح وأصحاب الرس وثمود وعادا وفرعون وإخوان لوط وأصحاب الأيكة وقوم تبع. أخذ صاحبي رشفة ماء واسترخى قليلا مسندا ظهره. - وهل هذه السنن، أو القوانين، يسير بها الكون، أعني  الشمس والقمر، والأجرام السماوية، وغيرها؟ - نعم، وهناك تفصيل في هذا الأمر، سنن الله في الكون قهرية، لا دخل لأحد فيها: {لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (يس:40)، ولا يمنع نظامها إلا الله  -عز وجل-؛ لإظهار معجزة أو نهاية العالم، فالنار تحرق، هكذا خلقت، أوقف الله هذه السنة  لأجل (إبراهيم) -عليه السلام-، فجعلها بردا وسلاما، والشمس تشرق كل يوم  من المشرق، وستبقى كذلك إلى أن يشاء الله ليوم القيامة، تطلع من المغرب، والعبد لا يبني حياته على المعجزات، بل على الأسباب والمسببات، هذه السنن الكونية وضعها الله -عز وجل-؛ لتستقيم حياة البشر جميعا، أما السنن والقوانين المتعلقة بالبشر، فإنها  متعلقة بالأسباب وإرادة الإنسان، بمعنى افعل كذا، يحصل كذا، وذلك أن البشر لهم  إرادة واختيار أما الكون فلا، الشمس والقمر والنجوم مسخرات مأمورات لا إرادة لهن ولا اختيار. وسنن الله في البشر مبنية على وعده ووعيده وأمره ونهيه -سبحانه وتعالى-، فالعبد المؤمن على يقين بأن  الله لا يهلك أمة وأهلها مصلحون. هذه قاعدة وردت في قوله الله -تعالى-: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}(هود:117). والعبد المؤمن على يقين أن التمكين في الأرض يكون بأسباب، والنصر يكون بأسباب، والعزة تكون بأسباب، وكذلك الخذلان يكون لأسباب، والذلة  تكون لأسباب، وهذه الأسباب هي اختيار الأفراد والأمم، وسنن الله تجري على الجميع. - سؤال أخير، هل هذه الأمة أعني أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - تميزت عن غيرها بشيء؟ - نعم بشيء واحد لحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي ألا يهلكها بسنة عامة، وألا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك ألا أهلكهم بسنة عامة، وألا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها -أو قال من بين أقطارها- حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ويسبي بعضهم بعضا» (مسلم).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك