رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: فهد الجنفاوي 15 يوليو، 2024 0 تعليق

قواعد نبوية (22)  الصبر من أعظم العبادات

  • الصبر هو الإيمان الكامل واليقين الذي ليس فيه شكٌّ بأنَّ ما أصابك ما كان ليخطئَك وما أخطأك ما كان ليصيبَك وأنَّ كل شيء بقضاءِ وقدَر
  • الصبر من الإيمان بمنزله الرأس مِنَ الجسد وإذا قطع الرأس فسَد الجسد كذلك إذا زال الصبرُ فسدتِ الأمور
 

من القواعد النبوية العظيمة حديث نبوي كريم، يشمل قاعدة يحتاجها الإنسان في أمور الدين وأمور الدنيا، وفي أمور العبادة، وحتى في الأمور المادية في علاقته مع الناس، قال النبي -صلى الله عليه وسلم -: «وما أُعْطِيَ أحدٌ عطاءً هو خيرٌ وأوسَعُ مِنَ الصَّبرِ»، بمعنى أن عطاء الله -تعالى- كثير للناس، منهم من يعطيه الله -تعالى- مالا، ومنهم من يعطيه منصبا، ومنهم من يعطيه نسبا، وغيرها من الخيرات الكثيرة جدا، عطاء الله -تعالى- واسع، لكن ما أُعطي عطاء من الله -تعالى- خيرا وأوسع وأعظم من الصبر.

لذلك الصبر من أعظم العبادات، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ومَن يَصبِرْ يُصبِّرْه اللهُ، وما أُعْطِيَ أحدٌ عطاءً هو خيرٌ وأوسَعُ مِنَ الصَّبرِ»؛ فالصبر يحتاج إلى أن يتحمل الإنسان، وإلى أن يتصبر، وهذا الذي يتصبر، الله -تعالى- يعينه على الصبر.

أعظم ما يعين على الصبر

        وأعظم ما يعين الإنسان على التصبر والصبر عندما يتذكر الأجر والثواب والحسنات، وما أعده الله -تعالى- لعباده الصابرين. قال الله -تعالى-: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}، الصلاة لها أجور وثواب عندما يصلي الإنسان في جماعة تفضل عن صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة أو بخمس وعشرين درجة، وهكذا سائر العبادات، أما الصبر فليس له حساب {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}.

علام يصبر الإنسان؟

والسؤال الذي يطرح نفسه: علام يصبر الإنسان؟ هناك ثلاثة أمور ذكرها العلماء تحتاج إلى صبر وتصبر ومصابرة.
  • أولاً: الصبر على طاعة الله
أول هذه الأمور: الصبر على طاعة الله، فالعبادة تحتاج إلى صبر وتحتاج إلى مجاهدة {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}، العبادة مثل: الصلاة والصيام والزكاة والحج، كل هذه تحتاج إلى صبر ومصابرة، وأن يتصبر الإنسان ويحاول أن يبذل قصارى جهده بالصبر، مثلاً صلاة الفجر يستيقظ الإنسان ويقطع لذة نومه، ويخرج إن كان في الشتاء في شدة البرد، وإن كان في الصيف والليل قصير، لكن مع ذلك عندما يسمع المؤذن حي على الصلاة حي على الفلاح، يقوم ويستيقظ ويتوضأ ثم يذهب إلى المسجد، أو المرأة تقوم وتتوضأ وتصلي الصلاة في وقتها، لا يضيعونها عن أوقاتها، هذا يحتاج إلى صبر، وعندما يخرج إلى المسجد في شدة الحر أو في شدة البرد، هذا أيضا يحتاج إلى صبر، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ومن يتصبر يصبره الله» بمعنى أن من يُلزم نفسه بالصبر، فإن الله -تعالى- يعينه ويثبته ويصبره، {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}؛ فيحتاج الإنسان إلى أن يصبّر نفسه، وأن يجتهد، وأن يبذل ما في وسعه في طاعة الله -تعالى. الزكاة تحتاج إلى صبر أيضا، عندما يأتي الإنسان ويريد أن يزكي من أمواله ويأخذ من رصيده، يحتاج إلى صبر، الشيطان دائما يوسوس للإنسان بألا تبذل، ولا تتصدق، ولا تقلل من مالك، مع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما نقصت صدقة من مال»؛ فالزكاة بركة للمال ونماء له، لكن الشيطان دائما يُخذّل الإنسان عن الطاعات، ومنها الزكاة والصدقة، {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ}، لكن لما يتصبر الإنسان ويأخذ من أمواله وينفقها لله -تعالى- في وجه من أوجه الخير، أو في الأوجه المشروعة إن كانت زكاة أو صدقة. الحج أيضا فيه مشقة، وفيه سفر، وفيه إنفاق ودفع للمال، وتنقل من منسك إلى منسك. ولما قالت أم المؤمنين -رضي الله عنها وأرضاها- للنبي - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟! قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لكُنّ جهاد لا شوكة فيه، الحج. فإذًا يحتاج أن يُصبّر الإنسان نفسه في هذه العبادة الجليلة وسائر العبادات.
  • ثانيًا: الصبر عن معصية الله
ثاني أنواع الصبر: الصبر عن معصية الله. النفس والشيطان والهوى يدعون الإنسان إلى أن يقترف معصيةً، أو أن يفعل ذنبًا، أو أن يترك واجبًا، فيُصبّر الإنسان نفسه، هذا أمر حرّمه الله فيبتعد عنه مع وجود مغريات! هذا المال سواء كان رشوة أم ربا أم مالا حراما مع أنه أموال مضاعفة، لكن طالما أن الله -تعالى- حرّمه فهو يتركه ويبتعد عنه، صبر عن معصية الله؛ لأن الله -تعالى- هو الذي حرّم هذا المال فلا يأخذه، الله حرّم هذا القول فلا يقله، الله حرّم هذا الطعام فلا يأكله، الله حرّم هذا الشراب فلا يشربه، مع أنها قليلة، من الشراب حرّم الله -تعالى- الخمر، ومن الطعام أو ما يُذبح حرّم الله -تعالى- الخنزير، فهي أمور قليلة، لكن الشيطان قد يدعوه إلى أن يقترف هذه المعصية، فيصبّر نفسه ألا يقترف هذه المعصية.
  • ثالثًا: الصبر على أقدار الله المؤلمة
ثالث أنواع الصبر: صبر على أقدار الله المؤلمة، فالإنسان في هذه الحياة مُعرّض لأمر يكرهه، يحدث له أمر لا يحبه، إما حادث لا قدّر الله أو مشكلة أو خسارة في تجارة أو رسوب في دراسة أو غير ذلك، «مَرَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ، فَقالَ: اتَّقِي اللَّهَ واصْبِرِي قالَتْ: إلَيْكَ عَنِّي، فإنَّكَ لَمْ تُصَبْ بمُصِيبَتِي، ولَمْ تَعْرِفْهُ، فقِيلَ لَهَا: إنَّه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فأتَتْ بَابَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ، فَقالَتْ: لَمْ أَعْرِفْكَ، فَقالَ: إنَّما الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى».    

حقيقة الصبر وفضائله

  • حقيقة الصبر: هو حبسُ النفس عن الجزَع، واللسان عن الشكوى، والجوارح عن المعاصي والذنوب، بمعنى أن يتلقَّى العبد البلاءَ بصدر رحب دون شَكْوى أو سخط.
  • وقال العلماء: الصبر هو الإيمان الكامل واليقين الذي ليس فيه شكٌّ بأنَّ ما أصابك ما كان ليخطئَك، وما أخطأك ما كان ليصيبَك، وأنَّ كل شيء بقضاءِ وقدَر.
  • الصبر جاءتِ البشرى لأهله: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (البقرة: 155 - 157).
  • وأهل الصبر أخْبر الله أنَّه معهم: {إِنَّ اللَّهِ مَعَ الصَّابِرِينَ} (البقرة: 153)، قال ابن القيِّم: «وهي معيَّة خاصَّة، تتضمَّن حِفظَهم ونصْرَهم وتأييدهم»، اهـ.
  • وأهل الصبر هم أهلُ اليمين؛ قال -تعالى-: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ } (البلد: 17).
  • وأهل الصَّبْر هم أهلُ الصلاة والقادرون عليها؛ {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِين} (البقرة: 45).
  • وأهلُ الصبر هم الفائزون في كلِّ مكان وزمان؛ {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (العصر: 1- 3).
  • وأهل الصَّبْر هم أهلُ الخير والشُّكر؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه عنه عمرُ بن سعد بن أبي وقَّاص، عن أبيه، قال: قال رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «عجبتُ للمؤمن؛ إذا أصابَه خيرٌ حمِد الله وشَكَر، وإنْ أصابتْه مصيبةٌ حمِد الله وصبَر، فالمؤمن يُؤجَر في كلِّ أمره، حتى يُؤجر في اللُّقمة يرفعها إلى فِي امرأته».
  • ويقول عليٌّ بن أبي طالب - رضي الله عنه  -: إنَّ الصبر من الإيمان بمنزله الرأس مِنَ الجسد، وإذا قطع الرأس فسَد الجسد، كذلك إذا زال الصبرُ فسدتِ الأمور.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك