ليسَ الشَّديدُ بالصُّرَعَةِ
قاعدة من القواعد العظيمة، جاءت في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكل أحاديثه - رضي الله عنه - فيها فائدة للإنسان في دينه ودنياه، هذه القاعدة هي قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ليسَ الشَّديدُ بالصُّرَعَةِ، إنَّما الشَّديدُ الَّذي يملِكُ نفسَه عندَ الغَضبِ».
اليوم بعض الناس -مع الأسف- عندما يرى أن مفتول العضلات ولديه قوة وفتوة وشباب، يظن أن هذه هي القوة الحقيقية، وهي أنه يستطيع أن يقاتل الناس ويصرعهم ويعتدي عليهم، ولكن بيّن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن هذه ليست هي القوة ولا الرجولة الحقيقية، ولكن القوة الحقيقية هي قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب». اليوم -مع الأسف الشديد- أمثال هؤلاء تصرفاتهم قد تسبب في تخويف الآمنين وترويعهم ، والاعتداء عليهم، بل قد يصل الأمر إلى إصابتهم بعاهة، أو يتطور الأمر إلى القتل، نسأل الله العفو والعافية؛ لذلك بيّن لنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن القوة والشدة ليست بحجم العضلات ولا بالتطاول على الناس؛ لأن بعض الناس يمشي متفاخرًا بجسمه وعضلاته، وغاب عنه أنَّ القوة الحقيقية للإنسان هي في أخلاقه، وفي أن يملك نفسه عند الغضب، هذه هي القوة الحقيقية. عن سليمان بن صرد - رضي الله عنه - قال: استَبَّ رجُلانِ عندَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ونحنُ عندَه جلوسٌ، وأحدُهما يسُبُّ صاحبَه مغضَبًا قد احمَرَّ وجهُه! فقال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إنِّي لَأعلَمُ كلمةً لو قالها لذهَب عنه ما يجِدُ: أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ» فقالوا للرَّجُلِ: ألا تسمَعُ ما يقولُ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: إنِّي لَسْتُ بمجنونٍ. إذًا كيف تتعامل مع من يغضبك؟ لابد أولاً من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، ثم العفو، وهذه من صفات المؤمنين، قال الله -تعالى-:{وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ}، يغفر ويتجاوز، يمكن ذلك الشخص الذي أخطأ كلما تتعامل معه بالحسنى - سبحان الله - يتغير الأمر. قال الله -تعالى-: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}، وكم من المواقف التي تمر علينا، عندما يقابل الإنسان فيها السيئة بالحسنة، ولا يقابل السيئة بمثلها، ولا يقابل الخطأ بخطأ مثله، كيف تتغير الأمور. بعضنا يخشى أن يقال عليه ضعيف، المسألة ليست بقول الناس، إنما المسألة في عدد الناس الذين أصيبوا إما عاهات أو اعتداء على المال أو اعتداء على الجسد وبعضهم أُدخل إلى مؤسسة إصلاحية وبعضهم تسبب في تشويه سمعة أسرته بسبب ثورة غضب، لكنه لو عفا وأصلح وتجاوز، لو تمالك نفسه عند الغضب اتباعًا لهذه القاعدة النبوية العظيمة، لتجنبنا كثيرا من الخلافات وكثيرا من المصائب. هذا ما نحتاج أن نُربي أولادنا عليه اليوم، بعض الآباء -مع الأسف- يُكلّم أولاده وينصح أولاده ويظن أن هذه نصيحة صحيحة إذا اعتدى عليك أحد فاعتدِ عليه، وإذا تكلم عليك تكلم عليه، وإذا سبك شخص فرد عليه المسبة بمثلها، أبدا ليس هكذا يُربَى الأولاد، علينا أن نُربي أولادنا على العفو والصفح والتحمل، أما أن يُربى الأولاد سواء في المدارس أم في الطرقات والشوارع أن يرد الكلمة أو السيئة بمثلها فحدّث عن المشكلات ولا حرج، حدّث عن الاعتداء ولا حرج، واسمع بين الفينة والأخرى عن مثل هذه الاعتداءات التي تسبب في نهايتها إلى أمور لا تُحمد عقباها. علينا أنَّ نتذكر هذا الأدب النبوي العظيم وهذه القاعدة النبوية الكريمة: «ليسَ الشَّديدُ بالصُّرَعَةِ، إنَّما الشَّديدُ الَّذي يملِكُ نفسَه عندَ الغَضبِ»، فالقوة والرجولة والمكانة هي للإنسان الذي يتمالك نفسه عند الغضب، جاءَ رجلٌ إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فقالَ يا رسولَ اللَّهِ، كم نعفو عنِ الخادِمِ؟ فصمتَ ثمَّ أعادَ عليهِ الكلامَ، فصَمَتَ فلمَّا كانتِ الثَّالثةُ قالَ اعفوا عنهُ كلَّ يومٍ سبعينَ مرَّةً.
التعليقات
cv and cv
13 يوليو, 2024
Well done!cv and cv