ذنوب القلوب – حب المعصية
من الآيات التي تقلقني أحيانا، قوله -تعالى-: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} (الحجرات:7). - ليتك أتبعتها بالآية بعدها: {فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (الحجرات:8)، أحسنت ولكن الجزء الذي أردت التركيز عليه هو قوله -تعالى-: {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ}، وذلك أن نفسي «تشتهي» أحياناً ارتكاب المعصية، حتى أكون صريحاً معك، من باب التجربة، وقد تكون من الكبائر أحيانا. - وهل تقدم على ارتكابها؟ - أحاول أحياناً، ولكن الله يعصمني، ولا أقع فيها، وأحياناً أؤنب نفسي، وأحتقرها إذا ارتكبتها، وأستغفر وأتوب، ولكن أشعر أن المؤمن لا ينبغي أن يفكر في ارتكاب المعصية. دعني أبين لك أولا، حديث النفس، لا شيء فيه، إن لم يترجم إلى عمل، والشيطان لا يدع أحداً إلا ويحاول أن يغويه، والله -عز وجل- يحفظ عباده المخلصين، فمن كان صادقاً مع الله، يأتيه حديث النفس ووسوسة الشيطان، ولكنه يذكر نفسه وينتهي، وفي ذلك آيات كثيرة، منها: قوله -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} (الأعراف:201). وقوله -سبحانه-: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} (ص)، وكذلك: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيَّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانُ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ} (الحجر). وفي الحديث: عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يروي عن ربه -عز وجل- قال: قال: «إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بين ذلك: فمن هم بحسنة فلم يعملها، كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو هم بها وعملها، كتبها الله له عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ومن هم بسيئة فلم يعملها، كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو هم بها فعملها، كتبها الله له سيئة واحدة» متفق عليه. وعن أبي ذر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: «اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن» تعليق شعيب الأرنؤوط: حسن لغيره. وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن عبدا أصاب ذنبا، وربما قال أذنب ذنبا فقال: رب أذنبت وربما قال: أصبت فاغفر لي؛ فقال ربه: أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنبا، أو أذنب ذنبا فقال: رب أذنبت، أو أصبت آخر فاغفره فقال: أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ به؟ غفرت لعبدي ثم مكث ما شاء الله، ثم أذنب ذنبا وربما قال: أصاب ذنبا، قال: قال رب أصبت أو أذنبت آخر فاغفره لي؛ فقال: أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي ثلاثا فليعمل ما شاء» أخرجه البخاري. كان صاحبي -كعادته - يحدثني بما يدور في خاطره ويفكر بصوت عال، ولا يفعل ذلك إلا معي - كما يقول. - فالعبد المؤمن وإن وقع فى (الفاحشة)، لا يجاهر بها، ولا يحبها، ولا يدعو إليها، والجميع يقع في الذنب، والصالحون يستغفرون ويتوبون، وغيرهم يتمادى في الغي، ويتفاخر به ويدعو إليه، ويحب أن يرى الجميع ما يقع فيه؛ ولذلك يقول -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (النور:19)، القلب المؤمن لا يحب الفاحشة، وإن وقع فيها، ولا يجب أن ينتشر، وإن ارتكبها، وذلك أن قلب المؤمن يبقى على الفطرة السليمة، كما أخبر الله -عز وجل-، يكره الكفر والفسوق العصيان، أما القلب الذي يحب هذه الأمور فقد زاغ عن درب الراشدين، وسلك طريق الخائبين. ودعنى أقرأ لك من تفسير ابن عاشور في هذه الآية - أعني آيه سورة النور: لما حذر الله المؤمنين من العود إلى مثل ما خاضوا به من الإفك على جميع أزمنة المستقبل، أعقب تحذيرهم بالوعيد على ما عسى أن يصدر منهم في المستقبل بالوعيد على محبة شيوع الفاحشة في المؤمنين، فيعم المؤمنين والمنافقين والمشركين، فهو تحذير للمؤمنين وإخبار عن المنافقين والمشركين. وجعل الوعيد على المحبة لشيوع الفاحشة في المؤمنين تنبيها على أن محبة ذلك تستحق العقوبة؛ لأن محبة ذلك دالة على خبث النية نحو المؤمنين، ومن شأن تلك الطوية ألا يلبث صاحبها إلا يسيراً حتى يصدر عنه ما هو محب له، أو يسر بصدور ذلك من غيره، وتلك المحبة شيء غير الهم بالسيئة وغير حديث النفس؛ لأنهما خاطران يمكن أن ينكف عنهما صاحبهما، وأما المحبة المستمرة فهي رغبة في حصول المحبوب، ومعنى أن تشيع الفاحشة أن يشيع خبرها؛ لأن الشيوع من صفات الأخبار والأحاديث كالفشو وهو: اشتهار التحدث بها، فتعين تقدير مضاف، أي أن يشيع خبرها؛ إذ الفاحشة هي الفعلة البالغة حدا عظيماً في الشناعة. وشاع إطلاق الفاحشة على الزنا ونحوه، وتقدم في قوله -تعالى-: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ}. في سورة النساء. وتقدم ذكر الفاحشة بمعنى الأمر المنكر في وتقدم الفحشاء قوله: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا}. في سورة الأعراف في قوله -تعالى-: {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء}. في سورة البقرة ومن أدب هذه الآية أن شأن المؤمن ألا يحب لإخوانه المؤمنين إلا ما يحب لنفسه، وصلنا إلى محل الخياطة الذي أراده صاحبي، ليأخذ (الدشاديش) التي خاطها لموسم الشتاء. - العبد المؤمن إن حدثته نفسه بمعصية، تذكر عظمة الله وشدة عقابه، فإذا وقع بها، تاب إلى الله واستغفر، وأكثر من الاستغفار والحسنات، ولا يستمر فى المعاصي، ولا يتوقف عن التوبة والاستغفار والرجوع إلى الله، ويبذل الأسباب بالابتعاد عن مواطن الفتن وأماكن الفاحشة وصحبة السوء، ويستعين بالله دائما صادقاً، وسوف يصل إلى بر الأمان بإذن الله -تعالى.
لاتوجد تعليقات